• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عاشوراء .. والربيع العربي .
                          • الكاتب : يوسف الحسن .

عاشوراء .. والربيع العربي

يعتبر دخول العام الهجري الجديد مناسبة حزينة لمئات الملايين من المسلمين في أنحاء العالم، كونه يقترن بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله. وتطرح علينا هذه المناسبة المتكررة كل عام سؤالا عن أهداف احيائها المتكرر. فالمناسبة قديمة وقد مضى عليها أكثر من 1370 عاما. فلماذا نعيد بعث تاريخ قديم كل عام؟

الحقيقة ان ما حصل في كربلاء في العام 61 هجرية (680م)، كان مأساويا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. فقد تجسدت فيها معاني الإمعان في القتل والتمثيل ليس بالمقاتلين فحسب، بل حتى بالأطفال وبعض النساء، ثم الأسر لذرية رسول الله صلى الله عليه وآله، ولما يمض على وفاته طويل وقت.

ويمر محرم هذا العام وقد حصلت تغيرات دراماتيكية في عالمنا العربي فيما يسمى بالربيع العربي الذي هب على أكثر من بلد، ولا يزال ينتظر الفرصة في بلدان أخرى. ويمكن للشعوب العربية والإسلامية أن تستلهم من روح النهضة الحسينية كثيرا من الدروس والعبر من أجل صمود وثبات تحركاتها، ومن أجل تصعيد فعلها التغييري والسلمي في آن..

لقد كان الإمام الحسين عليه السلام يهدف من نهضته إيقاظ الأمة التي كان يسيطر عليها يزيد بن معاوية، حيث كان الفساد والاستهتار يسيطر على شرائح واسعة من أبناء الأمة الإسلامية. ولذلك فقد رأى الإمام الشهيد أن من مسؤوليته إطلاق صرخة احتجاج على الوضع القائم يدوي صداها في الآفاق ويستمر على مدى السنين لكي ينبه أبناء الأمة إلى ضرورة التصدي لأي انحراف قد يحدث في المستقبل، وذلك برفضه مبايعة يزيد.

ويقدم الإمام الحسين عليه السلام أفضل درس في دوافع مقاومة الطغاة حينما يقول (ع): «أيها الناس إن رسول الله (ص) قال مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله».

كما أنه يوضح لنا أهداف خروجه حينما يقول في وصيته التي قيل إنه تركها عند أخيه محمد بن الحنفية : «ألا وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي رسول الله وأبي علي بن أبي طالب».

ويعطينا الإمام كذلك درسا في أن الثائر يجب عليه أن يسطر موقفه في سجل الثائرين حتى لو علم أن لن يحقق أهدافه في حياته هو، لكنه سوف تبقى أصداؤه تتردد عبر السنين لكي يلتقطه من يؤمن به ويستنير به.. إن من الثائرين من يستطيع أن يحقق أهدافه في حياته، لكن هذه الأهداف قد لا تلبث حتى تتلاشى بعد مرور زمن قصير جدا. لكن الثوار الحقيقيين تبقى ثوراتهم خالدة حتى بعد موتهم أو قتلهم، وقد لا يهمهم أن يقطفوا ثمارها بأنفسهم. وكما عبر عن ذلك الإمام الحسين عليه السلام : ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقــًا فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برمــًا. وبالتزام الإمام الحسين عليه السلام بعدم البدء بالقتال، إلا دفاعا عن النفس وبعد استنفاد جميع سبل الإقناع، يعلمنا الالتزام بسلمية التحرك قدر الإمكان.

إن تجديد الحزن على الإمام الحسين عليه السلام هو توظيف للعواطف الجياشة التي تراكمت من وحي واقعة كربلاء باتجاه التغيير البناء من واقع سياسي واجتماعي واقتصادي سيئ إلى واقع أفضل تحكم فيه القيم والمبادئ الإسلامية والإنسانية، ومن أجل الحق والعدل والحرية، وحتى تستفيد منه أجيال الأمة بل والإنسانية جمعاء.

لذا فإنه يجب أن يتم توظيف هذه المظاهر الحزينة التي تصبغ كثيرا من المدن الإسلامية في أيام عاشوراء، جنبا إلى جنب مع الجهد الثقافي والفكري في العملية التغييرية بما يضمن بقاء شعلة التغيير متقدة في ضمائر الناس.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=11882
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28