بسم اللة الرحمن الرحيم
سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد ضياء الخباز دامت بركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يشكل البعض بقولهم هَذَا الإِنْسَانُ، مَنْ الَّذِي خَلَقَهُ وَخَلَقَ بِدَاخِلِهِ نَزْعَةَ الشَّرِّ؟ أَلَيْسَ الخَالِقُ؟ إِذَنْ: مَهْمَا لَفَّ المُؤْمِنُونَ وَدَارُوا فَإِنَّهُمْ سَيَصِفُونَ خَالِقَهُمْ بِصِفَةِ الشَّرِّ فِي نِهَايَةِ الأَمْرِ، وَإِمَّا سَيَنْفُونَ وُجُودَ الخَالِقِ مِنْ الأَسَاسِ حَتَّى يَسْتَطِيعُوا حَلَّ المُعْضِلَةِ!
رابطة فذكر الثقافية
وعليكم السلام والرحمة
لا يخفى أنّ أصل الإشكال مبني على تصوّر أنّ الله تعالى قد خلق نزعة الشر داخل الوجود الإنساني ، ولكنّنا لا نسلّم للمستشكل هذا الأصل ؛ لأنّ الذي نعتقده - على ضوء المعارف الإلهية الوحيانية - أنّ الله تعالى قد خلق الإنسان وأودعَ فيه مجموعة من القوى والغرائز والنزعات ، وزوّده - إلى جانب ذلك - بنور الفطرة الذي يميز به بين سبيل الخير وسبيل الشر ، كما زوّده أيضاً بالإرادة والاختيار ، وبذلك فإنه قد جعل الإنسانَ يمسك بعصاه من الوسط ، وجعل له الخيار ليحدد مساره وهويته .
ولا بأس أن نسوق مثلاً لتتضح الفكرة ، فنقول : إنّ الله تعالى قد أودع لدى الإنسان غريزةَ حب الذاتً ، وهذه الغريزة إن استفاد منها في الاهتمام بنفسه والدفاع عنها والخوف عليها في الحدود المشروعة ، فقد سلك بها سُبُلَ الخير ، وإن استثمرها في تملك ما له وما ليس له ، والتجاوز على حقوق الآخرين من أجل مصلحة ذاته ، فقد سلك بها سُبُل الشر ، وهكذا .
ومحصّل الإجابة : أنّ الإنسان - بحسب التكوين والخلقة - لا جنبة للشر في وجوده ، وإنما تلكَ الغرائزُ والنزعات مجرّد مقتضيات له إن لم يصغِ لنداء الفطرة ويهتدِ بنورها ، وإلا فهي مقتضيات للخير وموصلة إليه .
وقد يستشكل في ذلك بمثل قوله ( تبارك وتعالى ) : { وَ نَفْسٍ وَما سَوَّاها * فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها } بتوهّم أنّ إلهام الفجور يعني إيجاد نزعة الشر في جبلّة الإنسان .
ولكنّ هذا الإشكال غير وارد ، فإنّ المراد بهذه الآية - وأمثالها - هو ما ذكرناه من تزويد الإنسان بنور الفطرة الذي يميز به طريق التقوى وطريق الفجور ، فيكون معنى الآية أن الله تعالى قد خلق الإنسان وألهمه ما به فجوره وما به تقواه ، ولهذه الآية نظائر أخرى في القرآن الكريم ، كقوله تبارك وتعالى : { وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ } ، وقوله : { إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً } .
فاتضح مما ذكرناه أن أساس الإشكال ساقط ، وعليهِ فما بُني عليه مثله في السقوط وعدم الصحة .
والحمد لله رب العالمين
|