• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحلقة الرابعة من كتاب( معاً إلى القرآن ـ منهج تدبري لكتاب الله من خلال قراءة واعية في سورة الشعراء) .
                          • الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي .

الحلقة الرابعة من كتاب( معاً إلى القرآن ـ منهج تدبري لكتاب الله من خلال قراءة واعية في سورة الشعراء)

 قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24)

المعـنـى التدَبــُّري              
قول موسى(ع) في هذه الآية جواباً على استفهام فرعون وفيه : 
1- جاء على هيئة خطاب ألقاه على مسامع الجمع الذي يُحيط بفرعون بدلاًلة ضمير المخاطبة(كنتم)،والسبب في ذلك هو أنه(ع) مأمورٌ بإتيانهم شروعاً بهذه المواجهة التاريخية الكبرى : أن ائتِ القوم الظالمين؛ قوم فرعون الآية. ومعناه أنهم المخصوصون بهذا الخطاب الربوبي، أن فرعون يتقوّم بهم،ويشتدّ عزمه بوجودهم معه ،هم دعامته الأولى ويده الباسطة ظلماً على الإسرائيليين؛ ألا ترى أن موسى(ع)لم يقل في جوابه بنحو: إن كنت موقناً يا فرعون؟هذا ما يُعطيه ظاهرالآية. 
2-خطابٌ طافحٌ ببراعةٍ في البيان، وبساطةٍ في التركيب ؛ليس فيه زيادةٍ مُمِلَّةٍ ، ولا نقيصةٍ مُخِلَّةٍ حتّى تتم الحجّةُ على أهل المشهد الفرعوني: ربّ السماوات والأرض وما بينهما ،فتلك حقيقة لا تمتنع العقولُ من إدراكها، وهؤلاء لا شكّ أنهم أصحاب عقول وحواسّ تؤهِّلهم إدراكاً لهذه الحقيقة. ثُم ما في هذا النظام المترامي من مخلوقات يرى بعضها البشر ذوو العقول ،أنها لا يُمكن أن تظهر هكذا إلاّ بتدبيرٍ لها من مدبّرٍ صانعٍ حكيمٍ . فيبقى عليهم أن يتساءلوا : هل أن  فرعون يمتلك أدنى صُنعٍ  وتدبيرٍ لهذا النظام المحسوس في أقلّ تقدير؟
 هذا خلاصة ما أراده موسى(ع) في خطابه الذي جاء بصيغة الجملة  الشَرطيّة: إن كنتم موقنين الآية، لكنّ جواب الشرط فيها محذوفٌ لفظاً مقدَّرٌ دلالةً، فلا يسعهم إنكار هذه الحقيقة، لأنهم  يُدركونها على وجه القطع واليقين. ومَن كان هكذا أيقن بمربوبيّة نظام السماوات والأرض وما بينهما لربّ العالمين؛ ربّ موسى وهارون(ع)، لا إلى فرعون .
 قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ( 25)
المعـنـى التدَبــُّري                       
خطابُ فرعون هذا حذا فيه حذو موسى(ع) حينما خاطبَ الملاء الذين حوله بقوله:ألا تستمعون،وكأنه أراد أن يقف حاجزاً يمنع تأثّرهم بما يعرضه موسى(ع)من حقائق يبدو أنه أحسّ بخطورتها عليهم،فيمكن أن يكون مآل قوله ألا تستمعون : هو عدم الاعتداد بما ذكره موسى(ع) من ربوبيّة السماوات والأرض لربٍّ العالمين .
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
المعـنـى التدَبــُّري              
خطابٌ آخر إلى قوم فرعون الذين هم حوله ،ورد متفرّعاً عن خطاب الآية الرابعة والعشرين، الذي انصبّ الحديث فيها عن مربوبيّة النظام الكوني لربِّ العالمين، وذلك بذكر بعض أفراده(السماوات والأرض وما بينهما)كمقدّمة لما أراد موسى(ع) عرضه عليهم في هذه الآية .
وحيث إن أبناء البشر الأولين منهم والآخرين، هم من أفراد هذا النظام المترامي، فأن ربوبيّة فرعون المدَّعاة لا يُمكن أن تكون كذلك، أي بمعنى:لو كان فرعون هو ربُّ الحاضرين من البشر،فَمَن ربُّ الأولين منهم ؟ 
بعبارة أخرى: إن فرعون كائنٌ حادث كبقيّة الكائنات، والحادث لا يكون ربّاً لكم،لأن ربّكم الحقيقي أزليٌ، وفرعون ليس كذلك .  
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
المعـنـى التدَبــُّري              
خطابٌ من فرعون إلى قومه فيه : 
1-تَهَكُّمٌ شديدٌ على موسى(ع) يظهر من قوله لهم:رسولكم و أُرسل، فقد نسبه إليهم لا إلى غيرهم ،بمعنى أن الخطر بسلب الربوبيّة منه إنما تقع آثاره عليهم لأنه أكبر من أن يتأثَّر به ،ولكنه في الحقيقة أراد استنهاضهم أما قوله :أُرسل إليكم ،فإن فيه تهكماً واستهزاءاً كبيرين، فقد جعل الفاعل للإرسال مجهولاً،  إنكاراً للحقائق التي عرضها أمامهم .
2- اعتداءٌ ينمُّ عن عجزٍ بالتعامل مع الحقائق الجوهرية التي نطق بها موسى؛إذْ كان على فرعون أن يُذعن لما استمع إليه ،بدلاً من أن يتفوّه بكلامه  هذا الذي وصف فيه موسى(ع)بالجنون من دون مسَوِّغٍ ظهر في هذا الحوار يستدعي إيراد هذه الصفة ؛إلاّ العتوِّ والتجبّر والعدوان. 
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
المعـنـى التدَبــُّري              
 واصل موسى(ع)ذكر أفراد النظام الكوني ومربوبيّتها لربّ العالمين،إبطالاً لربوبيّة فرعون التي يدَّعيها،ولم يكن مقصوده من هذا العرض التعداد المجرّد للمخلوقات التي خلقها الله تعالى،فهو لم يُرد أن يذكر لهم أن هناك مشرقٌ ومغربٌ وما بينهما لأنهم يعرفون ذلك،بل أراد أن يبيّن لهم ربوبيّة ربّ العالمين على نظام الكون فقد تغيب هذه الحقيقة عنهم،لاقتصار نظرهم على مملكة مصر وما جاورها،الأمر الذي يجب أن لا يغيب عن أحد من الخلق المكلّفين عند إثارة انتباههم للنظر خارج هذه الدائرة الضيّقة التي اقتصر نظرهم عليها .
فأراد موسى(ع)من خلال إيراده لهذه الحقيقة،أن يٌحرر عقولهم ممّا تغلغل فيها من أفكارٍ صنميّة تصديقاً بفرعون الذي لابُدّ له من أن يتعمّد تغييب الحقائق عن الأقباط،ولذا اختتم المقام بقوله:إن كنتم تعقلون الآية استحثاثاً لهم أن يُعملوا عقولهم التي جعلها الله لهم واسطة للتفكّر والتأمل .
فأهل العقول في كلّ زمان ومكان،هم المكلّفون بإدراك حقيقة مربوبيَّتهم لربّ العالمين وحده، وقد منَّ الله تعالى على خلقه أن بعث إليهم الأنبياء وأرسل الرسل(ع)تبياناً للحقائق التي يتعمّد الفراعنة تغييبها عن العباد . قال تعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 157] .
وللمفسِّرين في هذا أقوال ، فمن ذلك ما ذكره العلاّّمة الآلوسي في تفسيره:«.أي إن كنتم تعقلون شيئا من الأشياء أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن الأمر كما قلته وأشرت إليه فإن فيه تلويحا إلى أنهم بمعزل من دائرة العقل وأنهم الأحقاء بما رموه به عليه السلام من الجنون»( [1]).ومثله قاله الأستاذ محي الدين الدرويش:« .. قال أولاً :إن كنتم موقنين؛ لأن المقام مقام تدليل وإقناع ؛ثم لما يئس واشتد اللجاج غالظهم وقابل لجاجتهم ونسبتهم إياه إلى الجنون بمثلها ،فنفى عنهم العقل الذي يمكنهم من التمييز بين الأمور»( [2]) . 
وهو كما ترى ليس بسديد ،لأن ما ذكره الأستاذ الدرويش من يأس موسى(ع)،لا شاهد له من السياق بأجمعه،وإن اشتدَّ اللجاج وتفاقمت المغالظة ،لأن ذلك واقعٌ في حسبان موسى(ع)( [3])،ثُم كيف يئن لموسى أن  ينفي العقل عنهم وهم مكلَّفون بهذا الأمر الربوبي ؟ 
أضف إلى ذلك أن حاصل قوله : (إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ) الشعراء : 15 ،   يجعل موسى(ع)مطمئناً غاية الاطمئنان من أنَّ اللهَ تعالى سينصره على خصومه في هذه المواجهة، فلا لزوم من التكلّم بما يُمليه عليه الموقف الحاضر ويجعل الاعتقادَ أنه يتكلم بانفعال وتكلّف من نفسه ،وكيف وهو الحريص على إيصال رسالة ربّ العالمين إلى المخاطبين بها، قبل حرصه على نفسه ؟( [4]).
 
 
بحث دلالي
جاء في نص زيارة الوارث u :« السَّلامُ عليكَ يا وارث موسى كليمِ الله»وهو نصٌّ يبعث على التساؤل:ما الّذي ورِثه الإمامُ الحسـين u من موسىu ؟ وللإجابة أقول:إن الوراثة في المقام تعني عِدة أشياء، يكون أبرزها وأظهرها هو أن فرعون موسى كبَّلَ عقول الأقباط بمنظومة منَ القِيَمِ وأضفى عليها قُدسيَّة ًجعلتهم يدينون بها على أنّها تحقق إنسانيَّتهم؛فكانوا عبيداً له يُفرِغون جامَ غضبِهم وغطرستهم على أبناء جنسِهم منَ الإسرائيليين الّذين يعيشون بين ظهرانيهم. قال تعالى:( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) [إبراهيم : 6]
بعدما كان آباؤهم وكبراؤهم مُذعنينَ غاية الإذعان ليوسف بن يعقوب(إسرائيل)عليهما السلام حينما عصفت بهم البلوى،فكان على موسى(ع) أن ينقذهم من هذه الجَهالة وذلك بإنارة الطريق أمامهم ومجادلتهم بالحكمة والموعظة الحسنة .
كذلك فإن بني أُميَّة َ جعلوا المسلمين الذين لا يوالونهم ،عبيدا ً لهم، وأرجعوا الناس إلى ما قبل الإسلام ،وصار دين الإسلام تراثا ً من تراث العرب تتداول مُنتحلاتِهِ ألسن القصّاصين في مجالسهم ، فتبدَّلت الأَحكام،وتغيَّرت السُّنن الإلهيّة،وتعطَّلت الحدود ، حتى ماتت إرادة المسلمين، فخنعوا لظلم الظالمين، وصار الإسلام أُلعوبة بأيدي المخنَّثين،فتوجَّهت عبادة المسلمين إلى الأوثان التي نصبوها في أذهانهم ،بدلاً من أن يتوجَّهوا لعبادة المعبود الحق سبحانه وتعالى ، فانبعث الإمام الحسينu في نهضته المباركة ، طلبا ً للإصلاح في أُمّة جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله باذلاً مهجته من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا ّ الله، وكيف وهو القائل : «قد نزل ما ترون من الأمر وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها واستمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون الحق لا يعمل به ،والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله ،وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما وأنشأ متمثلا لما قصد الطف :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه *   وفارق مذموما وخالف مجرما
أقدم نفسي لا أريد بقاءها  *      لنلقى خميسا في الهياج عرمرما
فان عشت لم أذمم وإن مت لم ألم *كفى بك ذلا أن تعيش فترغما »( [5]).
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
المعـنـى التدَبــُّري              
قول فرعون هذا فيه عدولٌ من لفظة(ربّ)التي قام عليها الحوار إلى لفظة (إله)،وقد صدر منه ذلك بعناية والتفات شديدين، بعدما تلمَّس من موسى(ع) شدَّة انجذابه وَوَلَهِهِ بربِّ العالمين،وهذا يعني أيضاً صدقيّة كفره بربوبيَّتِهِ التي ادّعاها .
فإن قلت: هل أن كلام فرعون هو إقرار منه بتعدد الآلهة،لتكون الغَيريّة في المقام هو أنه أفضل وأحقّ الآلهة، أم هو إقرار بنفي الأُلوهيِّة  عن غيره  تماماً ؟  
قلت: إن فرعون أراد منَ الغَيرية في كلامه نفي وجودِ إلهٍ آخر على الإطلاق،لِما قد سبق له القول أن عِلْمَهُ في ذلك نافذٌ ،كما جاء التعبير عنه في سورة القصص بقولها :( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [القصص : 38]
ومهما يكن؛ فأنَّ كلامه هذا تهديدٌ حقيقيٌّ لموسى(ع)بأن يجعله في جملة المسجونين في سجونه المعروفة .
وبحسب مجرى الحوار، فإن على فرعون أن يُودعَ موسى(ع) السجن، لما عرف منه الكفر بربوبيته وعلى نحو كبير من الوضوح،وهو أهم شيءٍ يشغله، لارتكاز تسلّطه على العباد على هذا المدّعى دون غيره ،وهذا هو حال الفراعنة على مرّ التاريخ،لكنه عدل إلى التهديد دون الفعل نتيجة الخطأ في حساباته السياسيّة فيما بين أن يضعه في سجونه مباشرة،وبين أن قال له في أول الحوار: ألم نربّك فينا وليداً...إلخ. وهذا يعني في جملة ما يعنيه:إنّ الله حال بينه وبين أن يقوم بهذا الفعل الشنيع،وعداً منه تعالى بتسديد ونصرة رُسله(ع) . قال تعالى : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر : 51]
ثم كيف لا يكون ذلك وهو القائل له:فاذهبا بآياتنا إنّا معكم مستمعون،وهذا ليس بعجيب، فقد كانت الحيلولة الإلهية ناجزة حين ولادته(ع)في ذلك العام الَّذي خصّصه ليبقر بطون الإسرائيليات الحوامل .
 
  قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
المعـنـى التدَبــُّري              
لم يتكلّم موسى(ع) مع القوم كما كان يفعل عند بدء المواجهة ،وإنما تكلّم مع شخص فرعون ،بعدما هدّده بجعله من المسجونين لديه . 
فإن قلت : لماذا عبّر بالمبين ،أوَ لم يكن الذي ذكره قبل هذا مبينا ً؟ 
قلت : إن ما ذكره موسى(ع)من المخلوقات في السموات وفي الأرض قد يستطيع أن يدَّعي المدَّعي بنسبة مربوبيَّتها إليه،وذلك في ظلّ تفشي الجهل في أذهان الأغلبيّة الساحقة من الناس،فتكون نتيجته غفلتهم عن التأمل في الحقائق الجوهرية،واعتيادهم على التفكير المتواصل في توفير الأسباب المباشرة لمعاشهم اليومي،ممّا يُتيح المجال للفراعنة إشغالهم فيها عن طريق بسط سيطرتهم التامّة على أسباب تحصيلها من مصادرها، وهنا يسهل على هذا الفرعون أو ذاك بنسبة هـذه الأسباب إليه،فمن تلكم الأسباب منظومة العقائد التي لابُدَّ للإنسان أن يتبناها في حياته،بلحاظ أن الناس جُبلوا على اعتناق عقيدة يرون أنها حق، لتكون الفرصة سانحة لهم في نشر وترسيخ العقائد الوثنية في أذهان الملايين باستخدام وسائل الترغيب والترهيب؛ليُقال عند ذلك:لولا هذا الفرعون لكنّا من الهالكين،وهنا لابُدّ من اختراق هذا المألوف الفرعوني بوسائل لم يسبق لهم أن اعتادوا عليها أو حتى سمعوا بها،فتكون الحاجة ماسّة لوقوع المعجزات الإلهيّة الأمر الذي لوَّح إليه موسى(ع) في كلامه .
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (33)
المعـنـى التدَبــُّري              
الآيتان تظهران وقوع معجزتين خارقتين لما هو مأنوس عند البشر جميعا، ًحيث إن عصا موسى(ع)استحالت إلى ثعبان فجأة ،والتعبير بالمبين يعني أن هذا الثعبان هو ثعبانٌ حقيقي لا يشكّ أحدٌ في كينونته كذلك، ويده السمراء صارت بيضاء للناظرين، بعدما توفَّرَ المقتضي لوقوعهما،وهو تخلّف الأسباب الطبيعية عن أن تُثني عزمَ فرعون على جعل حجّة الله موسى بن عمران(ع)من جملة المسجونين لديه ،وان عدم وقوعهما يعني تمكّن فرعون من إجهاض الأمر الإلهي، ولو حصل ذلك فهو خلاف الحكمة من الإرسال . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13860
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28