• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الفقرُ ليسَ قَدَرَاً .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

الفقرُ ليسَ قَدَرَاً

من الفلسفات القديمة التي تعرّضَ لها بعضُ الماديين فيما يخص أصل ونشأة الدين :

هو أنّ الدّين نشأ عن حاجة بشرية لفك الصراع الطبقي الحاصل بين الأغنياء والفقراء على طول خط الزمن ، حيث قام الأغنياء - حسب ادعائهم - بإبتكار الدين حمايةً لأنفسهم وثرواتهم وذلك من خلال اقناع الفقراء بأن فقرهم هو قَدَر مكتوب عليهم وأنه خاضع لفلسفةٍ وحكمةٍ دينية غيبية لا تقع معادلتها بأيديهم ، وهذا ما قرّره كارل ماركس - مثلاً - في نظريته الاقتصادية ، وهكذا تُسّطح فكرة الدين بكل سذاجة عقل ..!!

وفي الواقع أنّ هذا الفهم لفلسفة الفقر في الدين مجزوءة إن لم نقل أنه تدليس واضح ، وهو ناتج عن اتّباع منهج الإفراط في النظرة المادية للأشياء .

فالدين يقرر بأن الفقر قَدَرٌ ، قال تعالى : ( إِِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) الإسراء/30 ، نعم ولكن متى ..؟ عندما يبذل المرء جهده ويسعى سعيه ويستثمر جميع قواه الجسدية والعقلية من أجل تأمين معيشته وتحسين حاله ، وعندما تتبع المجتمعات نظاماً اقتصادياً دقيقاً وناجحا ..وإذا فشل كل ذلك واستنفذ الفرد - أو المجتمع - كل ما لديه من امكانيات وقابايات .. يُقال عند ذلك بأن الفقر قدر وله حكمة ولا بد من التكيّف معه وتحمّله والصبر عليه بدل أن يصار الى حلول أخرى تضر بنفس الفقير او مجتمعه ، كالسرقة او الاحتيال او حصول حالة الاكتئاب والانتحار .. الخ

فالنصوص الشرعية الإسلامية الحاثة على العمل والمُقدِّسة له أشهر من أن تُذكر وأكثر من أن تُحصر ، فقد ورد عن الرسول محمد ص واله مثلاً غي هذا الصدد : ( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ .. ) .

ونحن هنا لا نريد التحدّث عن جزئيات الاقتصاد الديني ولا نصوصها الشرعية بقدر ما نريد إبعاد التهمة التي يوجهها أعداء الدين ضدّه وبقدر ما نريد رفع حالة الخمول التي قد تصيب البعض - أفراداً او مجتمعات - بحجة أن الضيق الإقتصادي الذي يحاصرها هو قَدر حتمي ..

هل يعلم الماديون أن خط الفقر في الإسلام - خاتم الأديان وأكملها - بالنسبة للفرد هو ذلك الذي لا يمتلك ( يؤمّن ) قوت سنته ..؟ وهل يعلموا أن الضمان والتكافل الإجتماعي في الإسلام على أعلى مستويات الرقي والرحمة ..؟ وهل اطلعوا على النظام الضريبي في الإسلام وهل قرأوا قوانين العمل والسوق والمكاسب عموماً في فقهه وشريعته ..؟ هل عاشوا في تجربة اقتصادية دينية حقيقية ورأوا النتائج ..؟
كل هذه الاسئلة وغيرها إجابتها معروفة ، وبالتالي فهو امّا جهل منهم أو تعنّت .

ولا بد من القول أن استغلال فكرة الدين من قبل الأغنياء لإبعاد خطر الفقراء عنهم هو استغلال خاطىء وماكر ولا يعني هذا أن الدين هو من صناعتهم ، بل على الفقراء ان يتمسكوا بالدين أكثر من الاغنياء لأن الدين قد فرض لهم حقوقاً في أموال الأغنياء واجبة الدفع ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=140364
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19