أتينا إلى هذه النّشأة - الحياة الدنيا - لهدفٍ وحكمة ، وكيف لا يكون ذلك والخالق حكيمٌ مُطلق ..

والحكمة من هذه الحياة هي ما أقرّته الآية المباركة ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ، وأيّ عبادة ..! تلك التي لا يحتاجها المعبود البتة ، بل هي حاجة العابد الفقير في كل شيء لعبادة الغني في كل شيء .

عبادة الله تعالى مفهوم كبير لا ينحصر بتلك العبادات الاسلامية الواضحة والتي ركّزت عليها الشريعة كونها تمثّل خط الشروع العبادي والفيصل بين الكفر والايمان لدى الانسان ، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وما يقابلها من تروك .. وانما تتعدى العبادة وتتسع باتساع الله في هذا الكون الذي ( وسع كرسيّه السموات والأرض ) من جانب وباتساعه جلّ وعلا في النفس البشرية التي امتلأت بعلامات وجود الله ودلائله ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ ) في الجانب الآخر .

تغليب العقل على الهوى وتقديم الله على الشيطان وأتّباع صوت الضمير الانساني وترك الشهوانية الغريزية والتعاطي مع هذا الكون بمقدّراته وجميع أبعادهِ بإتّزان وايجابية هو من المفهوم الواسع للعبادة التي أرادها الله منّا ولنا ..

والعفاف أو العفّة - موضوعنا في هذا المقال - يتسيّد كلتا المساحتين العباديتين معاً ، أي العبادة الرسمية الواضحة كما أسميناها ، وعبادة الله في الساحات الاخرى لهذه النشأة ، الآفاقية منها والأنفسية . ويتخذ مكاناً سامياً في كليهما ويتسع باتساعهما حتى اصبح العمل في كليهما تدور زكاته وتنقيته مداره ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام ( بالعفاف تزكو الأعمال ) ، وورد ( العفّة رأس كلّ خير ) .

ولهذا فإنّ مسؤولية العفاف باعتباره عبادة عظمى لله تعالى تتوقف زكاة باقي العبادات عليها لاتقع على المرأة وحدها - كما هو المعروف والمتبادر - ولا على الرجل وحده ، وكذلك لا تؤدّى هذه العبادة بصورةٍ فردية وانما لا تنهض بها الاّ الشعوب والمجتمعات البشرية بكامل طواقمها ، وتتكاتف كل هذه الجهود لتستطيع اداء هذه الفريضة الكونية المقدسة ..

العفاف يعني الترّفع عن كل ما يُسيء لإنسانية الإنسان والتجّمل بكل ما يقرّبه من أهدافه العليا ، والعفاف حكمة حياة ومنهج عبادة وفلسفة وجود .

مبارك لكم ولادة آيقونة العفاف المحمّدي ، العقيلة زينب بنت علي ابن ابي طالب في الخامس من جمادى الأولى ، طابت أعيادكم ..