• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في ذكرى ولادته الشريفة :الأمام الصادق (ع) والمرحلة الراهنة .
                          • الكاتب : عبد الهادي البابي .

في ذكرى ولادته الشريفة :الأمام الصادق (ع) والمرحلة الراهنة

 إن سيرة أهل البيت (عليهم السلام) سفر جامع لكل ما تحتاجه البشرية من آراء ومواقف وحلول وبرامج عمل لمختلف القضايا التي نواجهها، ولا عجب في ذلك فإنهم عدل الكتاب العزيز وصنوه وقد وصف القرآن الكريم نفسه بأنه: ( فيه تبيان كل شئ) و (وما فرطنا في الكتاب من شئ)، فهم عليهم السلام كذلك...
وبمناسبة ذكرى ولادة  الإمام الصادق (عليه السلام) نريد أن نستلهم من حياته بعض المعالجات لمشاكلنا ونتعلم منه (عليه السلام) كيف نصمد أمام التحديات التي تحاول تقويض شخصيتنا ومسخ هويتنا، ونعرض ذلك بأختصار من خلال عدة نقاط:
الأولى:  إن الفترة التي نعيشها اليوم تشابه الفترة التي عاشها الإمام الصادق (عليه السلام) من حيث أنها شهدت ضعف وإنحلال الدولة الأموية وظهور دولة جديدة وهي الدولة العباسية، فكان أهم عمل قام به الأمام عليه السلام في هذه الفترة الإنتقالية والتي خفت بها  قبضة الظالمين عنه هو نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتثبيت الركائز الفكرية والعلمية الرصينة لهذه المدرسة حتى نُسب المذهب إليه فقيل المذهب الجعفري، لأن جهده (عليه السلام) كان هو الأوضح في تأسيس هذا الصرح الشامخ، وقد قطع الإمام شوطاً واسعاً في هذا المجال، فقد تخرج على يديه أربعة آلاف عالم في مختلف العلوم والفنون، فأبو حنيفة النعمان شيخ أئمة المذاهب من تلاميذه (عليه السلام)، وله كلمة: ( لولا السنتان لهلك النعمان )، وجابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء من طلابه (عليه السلام) وغيرهم كثير، وقد إنتشر هؤلاء في الأمصار ونقلوا معهم ما تعلموه، وكان (عليه السلام) يحث على طلب العلم ويقول: ( لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا )!!
وخاطب (عليه السلام) أصحابه: ( عليكم بالتفقة في دين الله ولا تكونوا أعراباً فأنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظرالله إليه يوم القيامة ولم يُزك له عملاً ).
ونحن إذ نعيش اليوم أيام مابعد سقوط النظام الجائر الذي حرمنا من كثير من حقوقنا ونشوء دولة جديدة، فيكون من أولوياتنا تأسيس المراكز العلمية والمدارس الدينية والمؤسسات الثقافية في جميع أنحاء البلاد لخلق واقع جديد من إنتشار مراكز العلم والمعرفة يكون أساساً تبنى عليه الحياة الجديدة.
النقطة الثانية: بيان وتوضيح المعالم الصحيحة لشخصية المسلم بعد أن مسخها الحكام الظلمة بما كانوا يصورون للأمة من جوانب مخزية لشخصيتهم ،وبما كانوا ينشئون في حياة المجتمع الإسلامي من واقع فاسد من فسق وفجور وخيانة وجور وإنكباب على الدنيا والتقاتل من أجلها وعدوان على أهل الحق،وكان وعّاظ السلاطين السائرون في ركابهم يرقعّون لهم هذه المخازي بضلالاتهم، فضاعت الصورة الحقيقية للمسلم خصوصاً عن الأقوام التي دخلت الإسلام جديداً وليس لها عمق تاريخي فيه، وحرموا من التعرف على أئمتهم الحقيقيين، فنهض الإمام (عليه السلام)بمسؤولية هذا التعريف، وكان يركز أهتمامه أكثر على شيعته باعتبارهم طليعة هذه الأمة التي عرفت الحق وأتبعته فتكون المسؤولية عليهم أكبر قال(عليه السلام):
 ( كونوا لنا دعاة صامتين )...ولما سأله أحدهم مستغرباً: يابن رسول الله كيف ندعو إلى الله ونحن صامتون؟ فقال (عليه السلام): تعملون بما أمرناكم به من طاعة الله وتعاملون الناس بالصدق والعدل، وتؤدون الأمانة ،وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ،ولا يطلع الناس منكم إلا على خير، فإذا رأوا ما أنتم عليه علموا فضل ما عندنا فعادوا إليه ).
النقطة الثالثة: الوقوف في وجه التيارات الفكرية التي تنشأ من داخل المجتمع المسلم أو تفد عليه من الخارج والتي تهدد عقيدة الأمة وسلوكها، ومثال على ذلك :
 عندما نشأت شبهة القول بالجبر وقالوا [بأن الله قد قهر العباد على أفعالهم] وساهمت السلطات الحاكمة على ترويجها لتبرير ظلمهم للعباد، وقف الإمام (عليه السلام) بحزم لتنفيذها وخصص عدداً من أصحابه للحوار والجدال، وإنتشرت كلمته التي تعبر باختصار عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وهي: ( لا جبر ولا تفويض وإنما أمر بين أمرين ).
وكذلك وقف (عليه السلام) بقوة ضد الفقهاء الذين بدؤا العمل بالقياس لأستنباط الأحكام الشرعية، وحذرهم مغبة عملهم وقال لهم: ( إياكم أن يقف الناس يوم القيامة فيقولون: قال الله ورسوله وتقولون قسنا ورأينا؟ ألم تعلموا إنه إذا قيست السنّة مُحق الدين؟ ). وأثبت (عليه السلام) بطلان العمل بالقياس، ولولا هذه الوقفة الشجاعة لكانت الأحكام الشرعية الآن مخالفة تماماً لما أراده الله ورسوله، بحيث تؤدي إلى محق الدين كما عبر الإمام (عليه السلام)، وتأسياً بالإمام الصادق (عليه السلام) يجب على العلماء والمفكرين والخطباء والمثقفين التصدي للشبهات والتيارات الفكرية والأجتماعية التي تهدد كيان الأمة.
النقطة الرابعة: حرصه (عليه السلام) على وحدة المسلمين والتأليف بين قلوبهم، فبالرغم أنه (عليه السلام) وأهل بيته ظُلموا وغُصبت حقوقهم، إلا إنه لم يدعو إلى  فتنة، ولم يشارك في خلاف ، وسالم من أجل أن تسلم أمور المسلمين كما قال جده أمير المؤمنين (عليه السلام): ( لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة ).
 
النقطة الخامسة: الأهتمام بأمور المسلمين وقضاء حوائجهم، ومساعدة ضعفائهم بحيث يصل إلى درجة التعبير عمن لم يهتم بأمور المسلمين بأنه ليس منهم،  وقد مرّ المعلى بن خنيس وهو من خواص أصحاب الإمام (عليه السلام) بمسلمين يتنازعان على مال، فدفع منه مالاً يرضيهما ،ولما أستغربا من عظيم صنعه قال: ( والله ليس هو من مالي وإنما وضعه عندي سيدي ومولاي جعفر بن محمد للمساعدة في إصلاح الخلافات بين المؤمنين وحل نزاعاتهم )، بهذه النشاطات الكبيرة والمتعددة التي كان يؤديها الإمام (عليه السلام) نجح في إدامة الروح الدينية في الأمة وتوعيتها وبناء الأسس الرصينة لشخصيتها، لذا حضي بتقدير الأمة بجميع طبقاتها، وصدرت منهم أعلى كلمات الثناء والإطراء.
 قال مالك بن أنس: ( ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادةً وورعاً )،وقال أبو حنيفة النعمان بن ثابت: ( ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ). وقال عمر بن المقداد: ( كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين ). وقال عنه إبن تيمية في منهاج السنّة: ( إنه من خيار أهل الفضل والدين والعلم ). وكان المنصور العباسي على شدة عداوته للإمام (عليه السلام) يقول: ( إن جعفر بن محمد من السابقين بالخيرات ومن الذين أصطفاهم الله من عباده وأورثهم الكتاب ).
فالسلام على الصادق جعفر بن محمد يوم ولد ويوم عاش هادياً مهدياً، ويوم مات ،ويوم يُبعث حياً ..وجزاه عن أمة الأسلام خير الجزاء.
 
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=14062
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29