• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : علامات الظهور (2): سعة المفاهيم والاسقاطات الخاطئة .
                          • الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي .

علامات الظهور (2): سعة المفاهيم والاسقاطات الخاطئة

المفاهيم التي تضمنتها نصوص علامات الظهور في الغالب تبدو محفوفة بمجموعة من القيود والمحددات ولكن ليس بالمقدار الذي يحقق الوضوح اللازم و يرفع الشك عن مصاديقها لتكون متشخصة بما فيه الكفاية ولاسيما مع الأخذ بالاعتبار أنها لا تتحدث عن مصاديق قائمة فعلا وإنما تتنبأ بما سيقع، ويمكن ارجاع هذا الشك في مقام التشخيص والتطبيق بالتأمل والاستقراء الى ثلاثة أسباب:

1- ان الأحداث بطبيعة الحال عند وقوعها تكون متفاعلة مع بيئتها الخاصة مما يجعل إمكان تجريدها من جميع العوامل الدخيلة والتفاصيل غير الأصيلة للنظر بعد ذلك في صلاحيتها للاندراج تحت ذلك المفهوم أمرا شبه متعذر .

2- إمكانية توالي الأحداث بوقع متشابه وبفوارق ضئيلة مما يجعل المفهوم يبدو وكأنه يقبل الانطباق على غير واحد منها مع ان المطلوب منها فرد واحد وهذا المنشأ جارٍ في خصوص العلامات الجارية على سنن الطبيعة من دون إعجاز فهي قابلة للتكرار دون الاعجازية كما هو واضح.

3- كثيرا ما يكون هذا الشك لا ينتمي الى مرحلة التطبيق وإنما هو شك سارٍ لها من مرحلة تحديد المفاهيم حيث بينّتُ في المقال السابق أنه في الغالب تكون قيود ومحددات هذه المفاهيم (كالسفياني واليماني وغيرها) غير قابلة للإثبات القطعي وانما المتواتر منها هو خصوص أصل العناوين العامة وأما محدداتها ففي الغالب إما واردة بأخبار ضعيفة او أخبار آحاد إن صحت لا توجب غير الظن وهذا المقدار كفيل بجعل المسألة برمتها ظنية سواء أخذنا بتلك المحددات أو أهملناها كما هو واضح .

نعم الذي لا يمكن انكاره أن هناك بضعة علامات جاءت محفوفة بالقرائن الكافية لكشف الغبرة عن مصداقها في مقام التطبيق منها:

1- من العلامات البعيدة سيناريو سقوط الخلافة العباسية حيث تنبأ به أهل البيت عليهم السلام وتم تدوينه في الكتب قبل تحققه بأكثر من قرنين من الزمن وربطوه بالظهور المبارك فتحقق فعلا كما هو مرسوم في الأحاديث من تسبب الخلاف الداخلي (خلاف بني العباس) بانهيار الخلافة في نهاية المطاف وهذه في الواقع احدى كرامات أهل هذا البيت الطاهر .

2- من العلامات القريبة بل المعاصرة للظهور الصيحة من السماء حيث وردت في روايات كثيرة محفوفة بمجموعة من القرائن التي تبعد عنها اي تفسير غير كونها صيحة حقيقية باسم الامام عليه السلام .

3- من العلامات القريبة أيضا الخسف في البيداء بجيش الظالمين فمفهومه واضح ورواياته صحيحة ومصداقه لا يتكرر لأنه إعجازي .

ولكن إذا تساءلنا كم هو عدد العلامات التي تحظى بهذا الوضوح في مقام التطبيق؟ في حدود تتبعي ليس في الوسعِ حتى إضافة علامة رابعة لهذه الثلاثة، وإذا ما جدّ واجتهد أحد في كشف الإبهام عن علامة أو علامتين بالمقدار الكافي لإلحاقها بتلك الثلاثة فإن المجموع يبقى لا يساوي حتى عُشر مجموع العلامات المذكورة في الروايات ، والتي تفنن بعض المعاصرين في تطبيقها على أحداث العراق وسوريا والعالم كما تفنن من قبلهم في تطبيقها على أحداث عصره ، بل جازف بعضهم بارتكاب التوقيت المنهي عنه وصار يُخبر الناس بأن هذا هو عصر الظهور بناء على اجتهاداته الظنية في تطبيق علامات الظهور .. نعم جميعا نرجو أن يكون هذا هو عصر الظهور كما نرجو أن يكون الظهور اليوم قبل الغد كما كان من قبلنا يرجو ذلك ولكن الجزم والعمل على تبليغ الناس وطباعة الكتب في تحديده يُعد من ابرز مصاديق التوقيت المنهي عنه .

ولأجل أن تتضح مداخل الشك في هذه التطبيقات نأخذ هذا النموذج مع مراعاة الاختصار:

- خروج الرايات السود كنموذج تطبيقي

حيث الأخبار الدالة على خروج هذه الرايات قبل الظهور المبارك من خراسان متظافرة عند الفريقين (السنة والشيعة) وجاء في تطبيقه:

1- طبقه صاحب كتاب الأنوار النعمانية: ج2/ 76 -77، على الدولة الصفوية فقادتها خرجوا من تلك الناحية واعتقد المؤلف - ونسب ذلك لصاحب البحار - ان دولتهم ستستمر حتى تدفع الراية الى الامام الحجة عليه السلام وهذا رأي قد اتضح فساده بمرور الأيام فضلا عن كونه مجرد تطبيق لمفهوم عام من دون الاستناد الى اي دليل .

2- طبقه في الموسوعة المهدوية ج2/ 456، على ثورة أبي مسلم الخراساني التي أطاحت بالأمويين وقامت عليها خلافة العباسيين واستشهد لذلك برواية ضعيفة عن الامام الصادق ع ، وفي الواقع كان العباسيون يعتقدون بانطباق العلامة عليهم ايضا فقد روى الطبري في تاريخه: 6/ 84 من خطبة السفاح (أول خليفة عباسي) عندما دخل الكوفة قال : إن هذا الامر فينا وليس بخارج منا حتى نسلمه الى عيسى ابن مريم . انتهى

وهو أيضا مجرد احتمال وإن ارتقى فهو اجتهاد ظني، ليس عليه اي دليل بل هو مدخول من جهة الرواية التي نصت على أن الرايات السود تدفع رايتها للإمام المهدي عليه السلام فلا يلغي ضعف هذه الرواية احتمال صدورها كما سبق في المقالة الأولى ، وصاحب الموسوعة صرح بأن هذا التطبيق مع تبنيه له لا يخرج عن كونه مجرد ظن .

3- يُفهم من كلمات صاحب كتاب عصر الظهور: ص219 تطبيقها على الثورة الايرانية وهو الثالث مجرد تخمين لعدم وجود الدليل على نفي انطباق هذه العلامة على قوم من السابقين او ممن سيأتي في مقتبل السنين .

ومن ثم فإن جميع هذه التطبيقات مدخولة من جهة إمكان تكرار من تنطبق عليه العلامة لأنه مصداق طبيعي وليس إعجازي فما الدليل على ان الفرد المقصود بالعلامة هو هذه الحركة دون الأخرى ؟

هذا مجرد مثال قس عليه سائر العلامات فمثلا النفس الزكية طبقها في الموسوعة على محمد بن عبد الله الثائر زمن المنصور وطبقها آخرون على السيد الشهيد نفسه بناء على ضعف رواية ان قتله يكون بين الركن والمقام وطبقها غيرهم على السيد الشهيد باقر الحكيم بناء على رواية ضعيفة ان النفس الزكية تقتل في ظهر الكوفة ولا يزال الأمر قابلا لتطبيقات جديدة هي الاخرى لا دليل عليها سوى كونها تخمينات وظنون شخصية .

ألا يكفي كل هذا درسا في عدم ادخال الأمة في معمعة ظنون وتخمينات شخصية .. حتى صار البعض اليوم متخصصا متفرغا لمثل هذه التطبيقات فقط وفقط !!، أعتقد أن الجواب يعتمد على مقدار الوعي العام في هذه القضايا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=143643
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 04 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28