• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : علامات الظهور (3): شرطيتها ووقوع البداء فيها .
                          • الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي .

علامات الظهور (3): شرطيتها ووقوع البداء فيها

هل يمكن أن يتحقق الظهور المبارك من دون تحقق العلامات الثابتة بروايات صحيحة؟ سؤال ربما يراود كثير منكم، وللجواب عليه لابد من مقدمة مختصرة عن مسألة البداء:

تدل النصوص على أن القضاء على قسمين: محتوم وموقوف، ومنها قوله تعالى: " لكل اجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" الرعد: 38- 39 . ففي كل حادثة له تعالى كتاب (قضاء) لكنه يمحو (يُلغي) من تلك الكتب ما يشاء ويُثبِت (يغير) لما يشاء وفوق كل ذلك لديه أم الكتاب التي فيها الآجال كما هي لا يطرأ عليها محوٌ ولا تغيير فذلك الكتاب القابل للمحو والتغيير هو الأجل الموقوف وهو ظرف البداء وأما أم الكتاب الذي لا يقبل محواً ولا تغييرا فهو الأجل المحتوم وهو مصدر البداء.

وهذا ما يعرف عند الإمامية بعقيدة البداء، أي ظهور الشيء بعدما كان خفياً، ولاشك في أنّه خفي بالنسبة للمطلع على لوح المحو والإثبات التي هي ظرف البداء وليس بالنسبة لله تعالى المحيط علمه بكل شيء، وأما ما ذكره الفخر الرازي وغيره في المقام من أن الإمامية يقولون بوقوع البداء في علم الله تعالى فلا يُصغى إليه ولو أحصينا افتراءات هؤلاء على الإمامية لخرجنا بموسوعة من عشرات المجلدات، فلا تأخذنَّ رأي الإمامية إلا من مصادرهم وعلمائهم .

إذا اتضح ذلك فإن علامات الظهور الواردة في الروايات شأنها شأن سائر الأحداث لها مستويان، أولهما ناظر الى ام الكتاب فلا بداء فيه والثاني ناظر الى لوح المحو والإثبات فيكون قابلا للبداء ومن هنا تنقسم علامات الظهور الى قسمين:

أولاً: العلامات المحتومة

وهي مجموعة علامات لا يصح أن يقع فيها التغيير فضلاً عن الإلغاء (البداء) لأنه خلاف الحتمية والوارد من هذه العلامات بروايات معتبرة، خمس علامات جمعتها عدد من النصوص منها:

معتبرة عمر بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "قبل قيام القائم خمس علامات محتومات اليماني ، والسفياني ، والصيحة ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء" كمال الدين: 650

ولا يناقش في سندها من جهة الحسين بن الحسن بن أبان لأن توسطه بين ابن الوليد وابن سعيد لا يضر من جهة رواية ابن الوليد عن كتب ابن سعيد بخطه أنظر في ذلك القبسات: السيد محمد رضا السيستاني (مد ظله):ج1/ 226. نعم يمكن المناقشة فيها من جهة عمر بن حنظلة حيث فيه أكثر من رأي ولكن الرواية معتبرة من جهة أن الروايات في هذه العلامات الخمسة كثيرة إن لم تكن متواترة فهي مستفيضة وبعضها كالخسف مروي في صحاح أبناء العامة أيضا، ويُلاحظ أن هذه الخمسة المحتومة كلها قريبة من يوم الظهور او مواكبة له.

على أن الثابت من هذه العلامات في الغالب عناوينها وليس تفاصيلها كما سبق بيانه في المقالة الأولى من هذه السلسلة.

وهناك أخبار آحاد نصت على حتمية علامات أخرى منها مثلاً طلوع الشمس من المغرب واختلاف بني العباس، المنصوص عليهما في خبر أبي حمزة الثمالي في غيبة الشيخ الطوسي: 266 ولكن بالاضافة الى كونه خبر آحاد هو مدخول من جهة وقوع علي بن محمد بن قتيبة في سنده، وفي خبر الحلبي: "إختلاف بني العباس من المحتوم..."روضة الكافي: ح484 وهو ضعيف وكيف كان فان اختلاف بني العباس فيه أخبار أخرى وهو سهل المؤونة حيث أنها علامة دل الواقع على صدقها وقد تحققت كما رسمه اهل البيت ع وسبقت الاشارة الى ذلك في هذه السلسلة.

وفي خبر عبد الله بن سنان: ذكر المحتومات الخمسة السابقة وأضاف قائلا: " وكف يطلع من السماء من المحتوم" غيبة النعماني:262 لكن سندها ضعيف أيضا.

ثانياً: العلامات الموقوفة

وتشمل الأعم الأغلب من العلامات فهي جميع ما تبقى منها بعد استثناء الخمسة او السبعة المحتومة السابقة، وقد أجمع العلماء على امكان وقوع البداء في هذا القسم من العلامات محواً (إلغاء العلامة) أو إثباتا (التغيير في تفاصيلها)، ولا يُخِلُّ ذلك بإخبار الأئمة عليهم السلام حيثُ أعْلَموا بها الظهور المبارك، وذلك لأن هذه الأخبار ناظرة الى لوح المحو والإثبات كما سبق بيانه، فهي إخبار عن حدود المقتضي بغض النظر عن الشروط والموانع، فإذا وقع مانع او تخلّف شرطٌ يكون الأمر موردا للبداء محواً أو اثباتا من دون أن يضر بصحة الخبر الناظر للمقتضي وهو أمرٌ متعارف متعاهد في حياتنا لا حاجة للإطالة فيه .

ومن كل ما سبق نخلص الى أن القدر المتيقن من العلامات التي لا مناص من تحققها هو خمس علامات فقط وهي: " اليماني والسفياني، وقتل النفس الزكية والصيحة والخسف" وأما سائر العلامات فإن تحققت فبها ونعمت وإن لم تتحقق فلا موجب لانتظارها .

ولكن بقي الإشارة الى أمر مهم خلاصته: ثمة رواية نصت على وقوع البداء في المحتوم من هذه العلامات أيضا وهي خبر داود بن القاسم عن الإمام الرضا ع بعد إن جرى ذكر السفياني وأنه من المحتوم قال داود: هل يبدو لله في المحتوم؟ قال الإمام ع: نعم، فقالوا: نخاف أن يبدو لله في القائم ع؟ فقال الإمام ع: إن القائم من الميعاد والله لا يُخلف الميعاد" غيبة النعماني: 303. فبدوا البداء يناقض حقيقة الحتمية فكيف أمكن وقوعه في المحتوم ؟!

في مقام الجواب هناك ثلاثة آراء أذكرها باختصار تلافياً للإطالة!:

الرأي الأول: يستحيل أن يقع البداء في المحتوم الثابت في أم الكتاب لترتب عدة محاذير على ذلك وهذا هو رأي السيد الخوئي قدس سره في كتابه: البيان في تفسير القرآن: ص379 وعلى هذا المبنى يمكن القول في جواب الرواية الآنفة أنها ضعيفة السند بمحمد الخالنجي فلا يؤخذ بها بل حتى لو فرضنا صحة سندها فهي خبر آحاد لا يعارض النصوص الكثيرة التي يُستفاد منها عدم البداء في المحتوم، فضلا عن المحذور العقلي الذي يترتب على القول بمضمونها .

الرأي الثاني: ما ذكره العلامة المجلسي في البحار: ج52/ 251 من ان المراد وقوع البداء في تفاصيل المحتوم لا في أصله، وهو مردود بأن الرواية صريحة بوقوع البداء في أصله.

الرأي الثالث: وهو ما تبناه بعض الأعلام من حمل الرواية على معنى آخر من البداء غير المعنى الذي سبق ذكره من المحو والإثبات وهو أن يكون البداء في المحتوم بمعنى أن يكون لله فيه المشيئة، ويدل على ذلك خبر حمران بن أعين حيث سأل الإمام الباقر ع: ما المحتوم؟ فقال ع: "الذي لله فيه المشيئة" ثم ذكر ع ان السفياني من المحتوم، غيبة النعماني: 312 ، لكن الخبر ضعيف بمحمد بن خالد الأصم وغيره وقد اعتمد هذا الجواب السيد الجليل جعفر مرتضى العاملي رحمه الله في كتاب دراسة في علامات الظهور: 48 - 49 . ومثال ذلك ان القوانين الطبيعية من المحتوم الذي لله فيه المشيئة إذ يُبطلها إن شاء بالمعجزة .

ويمكن تعضيد هذا الجواب بخبر حمران الآخر في شأن ما يتجدد من القضاء في ليلة القدر وفيه: " .. فما قُدِّر في تلك السنة وقُضي فهو المحتوم، ولله فيه المشيئة" الكافي: ج7، 625

وثمة روايات أخرى أيضا يمكن أن يُستفاد من مجموعها أن المحتوم على ضربين:

 الأول منهما ما كان لا يقع فيه البداء ولكن لله فيه المشيئة فهو محتوم من جهة المقتضي والشرائط وارتفاع الموانع ولكن مع ذلك لله فيه المشيئة مثل القوانين الطبيعية.

والثاني منهما ما كان لا بداء ولا مشيئة فيه فلا تتعلق مشيئة الله تعالى بتغييره –مع قدرته على ذلك - وهو من قبيل الوعد بالجنة والنار وغيرها كالوعد بخلافة الأرض بظهور الحجة ابن الحسن ع ولا تتعلق المشيئة بخلافه لأن خُلف الوعد قبيح يستحيل صدوره من الواجب والى هذين المعنيين أشار السيد العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسيره الميزان: ج18/ 134.

والذي يهمنا هنا هو من أي الضربين من المحتوم علامات الظهور الخمسة المذكورة آنفاً؟

الجواب: إذا افترضنا تمامية خبري داود وحمران فعلى أقل التقادير يكون السفياني من قسم المحتوم الذي لله فيه المشيئة غير انّ الخبرين ضعيفان كما سبق بيانه .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=143909
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29