• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في الذكرى رقم 100 ، ثورة العشرين في العراق .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

في الذكرى رقم 100 ، ثورة العشرين في العراق

الجزء الأول : شرارتها الأولى
إن مصطلح الشرارة الأولى للثورة يدل على حقيقة معينة مفادها : أن الأوضاع في العراق كانت مهيأة للثورة بشكل يحتاج الى شرارة واحدة تقدح النار في اجواء مشحونة ضد الحالة المزرية التي خلفها الاحتلال البريطاني للعراق ، سواء على مستوى الاجرام العسكري او الاقتصاد المتردي او الشعور الوطني والقومي المتصاعد أو المسؤولية الدينية في مواجهة الأستعمار ومقاومته منذ لحظاته الأولى ..

فعندما نعرف : أن الشيعة بعلمائهم وعشائرهم اتخذوا مواقفاً صارمة ونهائية في الوقوف الى جانب الدولة العثمانية المسلمة ومواجهة دولة الاستعمار البريطانية الكافرة ، وتُرجم ذلك عملياً في فتاوى ومواجهات دامية منذ أول قدم للأحتلال في البصرة من عام ١٩١٤ م نتجت عن تقديم ما يقرب ال ٣٠٠٠ شهيد .

وأنّ ثمّة نضوج سياسي متصاعد نتجت عنه معارضة سياسية شيعية هدفها استقلال العراق واجلاء المحتل تكللت في تشكيل جمعية سرية في النجف الاشرف عام ١٩١٧ م بإسم ( جمعية النهضة الاسلامية ) برئاسة الشيخ محمد جواد الجزائري ونائبه محمد علي بحر العلوم .. وذلك بعد أن اكملت بريطانيا احتلال بغداد وبدأت تزحف الى الشمال .. وأنّ اولى الخطوات الميدانية لهذه الجمعية كانت في ١٩ اذار ١٩١٨ وبعد ان اجتمع الحاج نجم البقال - قائد المجاميع العسكرية في الجمعية - بأفراد مجموعته وقرروا قتل الحاكم البريطاني في النجف الاشرف الكابتن ( مارشال ) وفعلاً استطاعوا اقتحام دار الحكومة وقتله ..

وعلى اثر قتل مارشال تمت محاصرة النجف من قبل القوات البريطانية والهجوم على المدينة بكثافة في صباح ٧ نيسان ١٩١٨ ، تمكنوا في النهاية من السيطرة على المدينة وتنفيذ حكم الاعدام على ١١ ثائراً ..

ثمّ بعد ثورة النجف الطالبة للأستقلال تكللت خطوة عملية واجرائية متقدمة وهو البحث عن تشكيل حكومة عراقية ، رضخت بريطانيا لهذا الطلب وبدأت تُعقد اجتماعات مكثفة من قبل علماء وأعيان العراق حول تفاصيل وشكل الحكومة والشخصية التي سترأسها وسعة حكمها .. الى الدرجة التي اضطر بها الاستعمار الى اجراء استفتاء شعبي في ذلك ..

تمخّض عن الاستفتاء موقفان مهمّان ، الأول : اتفاق الشيعة على حرمة ومنع تعيين حاكم للعراق غير عربي ولا مسلم .. الثاني : اقتناع لدى بعض السنة وشخصياتهم بإمكانية الرضوح تحت سلطة حاكم غير عربي ولا مسلم وعلى رأس المؤيدين لهذا الرأي هو عبد الرحمن النقيب .. حيث يمثل رغبة الاستعمار وعدم جديتهم في استقلال العراق في ادارة نفسه فضلاً عن تحريره بالكامل ..

بعد ذلك حصل تحوّل مهمّ في الموقف العام للمعارضة الشعبية وذلك بعد أنّ توفي في نيسان ١٩١٩م المرجع العام للشيعة السيد كاظم اليزدي وانتقلت المرجعية الى الميرزا محمد تقي الشيرازي الاكثر حركية ، والذي اصدر فتوى - كأول عمل قام به بعد تسنم المرجعية العليا - تقضي بتحريم انتخاب غير المسلم ، وفي ١٩٢٠ اصدر فتوى ثانية تقضي بحرمة العمل في الدوائر البريطانية ، وكانت الاستجابة لكلتا الفتوتين قوية ..

بدأ الميرزا الشيرازي ايضاً بتأييد وتشجيع الحراكات المعارضة المنتشرة في العراق ويوصيهم بالوحدة والتماسك والعمل المشترك ، ومثلها الى رؤساء العشائر ، كما سعى الى توحيد الكلمة والموقف بين الشيعة والسنة .. وقد وثّق التاريخ كل تلك الاستفتاءات والمكاتبات ..

ظلَّ التحرك الشيعي يُطالب بالأستقلال وعلى رأسه المرجع العام الميرزا محمد تقي الشيرازي ، وفي ١٦ نيسان من عام ١٩٢٠ عُقد اجتماع مهم في النجف الاشرف حضره عدد من العلماء وشيوخ العشائر ، وكان الشيخ محمد رضا ابن الميرزا الشيرازي احد الحاضرين ..

طُرحت في الاجتماع مسألة الثورة المسلحة ضد الانگليز ، وأُتفق على تأجيلها مع تصعيد المعارضة السياسية وتهيئة الاجواء اكثر للمواجهة المحتملة ..

في ٥/٢ من عام ١٩٢٠م وبمناسبة الزيارة الشعبانية ، عُقد اجتماع آخر في كربلاء في منزل ورئاسة الميرزا الشيرازي ، وأُتخذ القرار النهائي بشأن الثورة المسلحة .. ويُذكر في هذا الاجتماع ان رؤساء العشائر كانوا اكثر استعجالاً في قيام الثورة ، غير أنّ الميرزا الشيرازي لازال يريد أستعمال اقوى ضغط ممكن على الاستعمار لتلبية المطالب قبل اعطاء ساعة الصفر للثورة ..

على أثرها أرسل الميرزا الشيرازي رسالةً الى جميع المدن والمناطق يدعو بها الى تشكيل وفود تتوجه الى بغداد لتلتحق بحراكات العاصمة ومطالباتهم المشروعة بالاستقلال وتشكيل حكومة عراقية نابعة عن ارادة الشعب ..
أهملت سلطة الاحتلال هذه المطالبات الشعبية ، وطلب الميرزا الشيرازي من حاكم الحلة مقابلته فرفض الاخير فأرسل اليه رسالة شديدة يحذّره من خروج الاوضاع عن حالتها السلمية ..
في ٧/٢٩ اجتمع رؤساء الفرات الاوسط في منطقة المشخاب ، وقرروا اعلان الثورة المسلحة .. الا ان الرميثة وقبل وصول خبر اعلان الثورة وبسبب اعتقال الشيخ شعلان ابو الجون من قبل الانگليز ، ثارت عشيرة الظوالم فيها بأمر من شيخها المعتقل واستطاعوا اطلاق سراحه في ٣٠ حزيران ١٩٢٠ ..
فكانت الشرارة الأولى الفعلية للثورة في الرميثة ولكن بعد ان نضجت الآراء حول قيامها واستنفذت جميع الطرق السلمية وتهيأت ظروفها في اوساط الشعب كافة ..
اتسعت رقعة المواجهة واصدر الميرزا الشيرازي على اثرها فتوى يقول في ذيلها ( يجوز لهم - العراقيين - التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع الانگليز من قبول مطالبهم ) .. على أثر ذلك أصبح الاستعمار تحت نيران الثوّار في اكثر من مكان وتعددت ساحات المواجهة وتعددت خططها في تفصيل وسرد ليس في هذا المقال محلّه حيث أردنا أن نبيّن إرهاصات الثورة وشرارتها الأولى .. رحم الله جميع الشهداء وحفظ العراق وشعبه من شرّ كل طامع وظالم ..
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=145155
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 06 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20