• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لا تكن إمَّعة / الجزء الثاني .
                          • الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي .

لا تكن إمَّعة / الجزء الثاني

عن فضل بن يونس عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "أبلِغ خيرا وقل خيرا ولا تكن إمَّعة . قلت : وما الإمعة؟ قال: لا تقل : أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس" تحف العقول: 424.
يُشيرُ هذا النص الى مغزى أبعدُ ممَّا كان في النص السابق حيث لم يَعُد المعيار هنا مجرد معرفة موارد الأخبار والآراء وصحتها وإنما هو قِيَم الخُلُقِ الفاضل، حيث ينقسم ما تسمعه من أخبار وآراء على قسمين: خيرٌ وشر، ولا يريد الدين للانسان ان يتشبث بالنوع الثاني منها حتى إن كانت صحيحة وثابتة في نفسها.
ولهذه الرؤية أساس قرآني تمثَّلَ في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وقوله جلّ شأنه: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقُولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الألْبَـابِ} بل تتحدث هذه الآية عن طورٍ وراء طور التقسيم على الخير والشر، إذ تم تقسيمها فيها على ثلاثة أصناف: قبيح، وحسن، وأحسن، والذي ينبغي للمتدين إشاعته هو خصوص القسم الثالث.
فمجرد ثبوت صحة الخبر او الفكرة لا يُعدُّ من وجهة نظر النص الديني والقيَم الاخلاقية مسوِّغاً كافيا لإشاعته بل ينبغي:
أولا: مداراة الناس في ذلك مالم تكن هناك مفسدة في المداراة تطغى على مصلحتها.
وفي ضرورة المداراة نصوص صحيحة متضافرة لا أعرفُ سببا وجيها لإهمالها من قبل بعض المتدينين بحجة التحمس لهذه الفكرة او تلك .
ثانياً: حتى إذا قررتَ عدم المداراة لسبب تعتقد انه مسوِّغاً لذلك لا يكفي هذا المقدار لركوب سبيل القباحة وترك اتباع أحسن القول وأحكَم الطرق، لأنَّ قوله تعالى {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ناظر لهذه المرحلة على وجه التحديد، فلا أرى أن في الأمر بعد ذلك أيَّ مندوحة لركوب القباحة.
وكيف كان فإنَّ هذا التوجيه الديني والأخلاقي كفيل بحلِّ كثيرٍ من مشاكلنا الاجتماعية بل والثقافية في الوقت الراهن لوضوح أن التزام قول الخير او أحسن الكلام واتباع أحكَمَ الطُرُقِ من شأنه تجنيب المجتمع أغلب مزالق الانهيار والتمزق التي غرقت البشرية في وحلها ولاسيما عندنا في العراق حيث تشيع الى حدٍ ما ثقافة (حشرٌ مع الناس عيد) وهو ما عبَّر عنه الامام في النص السابق (لا تقل : أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس) فالناسُ لا اليوم ولا غدا لن يتحملوا عنك تَبِعَات أعمالك حتى إن جعَلْتَ نفسك قطرة في أمواجهم .. لابُدَّ من ان تأتي تلك الساعة التي تتحمل فيها تلك التَبِعَات أنت لوحدك .
غير أنّه بقي هنا تنبيه مهم خلاصته أنَّ ما سبق لا يعني ابدا أن يصمُت الإنسانُ عن مواجهة الظلم والقباحة بحجة المداراة وإنما المراد أن لا يكون الانسان نفسه ظالما وقبيحا في سلوكه فعلى سبيل المثال لا يعني ذلك ان تُعرِض عن مواجهة حكومة فاسدة ظالمة بحجة المداراة او التمسك بإشاعة ما هو حسن فقط وإنما المراد أن تكون أنت في معارضتك لها نزيها غير ظالم ولا قبيح المسلك وشتان بين الاثنين وقد قال تعالى {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِمَ} لا بمعنى الكذب والتدليس على الظالم وانما بمعنى فضح ظلمه والوقيعة به بالمقدار الذي يضمن استيفاء الحقوق منه .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=146710
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28