• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أثر الدعم الغيبي في خلود فاجعة كربلاء .
                          • الكاتب : السيد اسعد القاضي .

أثر الدعم الغيبي في خلود فاجعة كربلاء

لقد حفلت مصادر التأريخ الإسلامي ـ على اختلاف هوى مؤلفيها ـ بذكر سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) عموماً وفاجعة كربلاء على وجه الخصوص، فلا تكاد تجد كتاباً تأريخياً يخلو من اسمه (عليه السلام)، ومن حكاية موقف من مواقفه، خصوصاً رفضه البيعة ليزيد، وما تبعه من حوادث، والتي أدّت إلى استشهاده (عليه السلام) هو ومن معه، وسبي عائلته، وما كان بوسعهم أن يُنكروا شيئاً مما جرى عليه من قِبل مناوئيه، بل لم يشكّكوا في ذلك، في حين نرى أن للإنكار والتشكيك مجالاً واسعاً، وفائدة جديرة، ذلك لأن التشكيك يصبّ في حفظ ماء وجوه ساداتهم، لئلا تشوّه صورتهم أمام الأتباع المغفّلين.

 

ولما رأوا أنّهم لا يمكنهم إنكار الفجائع التي حلّت بالإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه، دلّهم تعصّبهم الأعمى على توجيه حركاته (عليه السلام) ومواقفه، وتفسيرها بالشكل الذي يتناسب مع مبادئهم، ويتماشى مع تقديسهم لمن يقدّسون، فهم (جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً).

 

إن المؤرخين والكتّاب مهما حاولوا تخطئته (عليه السلام) في قراراته، ورميه بالتسرّع وعدم الحنكة في حركته، فإن تلك التوجيهات والتفسيرات لا تصمد أمام الدعم الغيبي الذي شاهدوه عياناً، حيث لا يمكنهم تأويله أو إنكاره، كالتغيّر الكوني الذي رآه القريب والبعيد، من حضر الواقعة ومن غاب عنها، فكما لم يكن لهم مجال لإنكار أصل الواقعة، بل ولا جزئياتها، كذلك لم يشفع لهم رميه (عليه السلام) بعدم الحكمة في تحركاته ومواقفه، بعد أن أصبح موقفه (عليه السلام) مدعوماً بالغيب الذي لا يحابي ولا يجامل، لذا حاولوا أن ينسبوها إلى الأذناب، كابن زياد، ويوهموا المغفّلين بأنه تصرّف فردي، لم يكن ليزيد فيه أي يدٍ أو أمر أو إشارة، كلّ هذا لئلا تمسّ كرامة ساداتهم، وأنّى لهكذا محاولة أن تنجح بعد أن قامت الدلائل الكثيرة على تورّط يزيد بمقتل سيد الشهداء (عليه السلام)، ولست بصدد التفصيل في هذا المجال.

 

فالذي يقرأ الإمام الحسين (عليه السلام) من زوايا مختلفة يجد أن للغيب يداً طولى في بيان شرعيّة موقفه المبارك، ومعلوم أن الغيب والكرامة تارة تكون بمحضر من الناس ومرأى، وأخرى لا تتراءى للناس، بل يخبرنا بها المعصوم (عليه السلام) الذي أطلعه الله على غيبه، وكلاهما حصل لسيد الشهداء (عليه السلام)، فالكرامات والغرائب التي حُفّت بها شهادته لا تقف عند حدّ، يرويها الخاص والعام، والمحبّ والمبغض، ولم تكن في زمانه (عليه السلام) فحسب، بل امتدّت إلى يومنا هذا، بل لا تزال تُلمس إلى أخر يوم في الدنيا، وأما القسم الآخر من الكرامات والغيبيات فكتب الحديث طافحة به، رواه الثقات عن المعصومين (عليهم السلام)، الذين حباهم الله فكشف لهم عن غيبه الذي لا يُطلع عليه إلا من ارتضاه واختاره.

إن من ينظر في أحاديث المعصومين (عليهم السلام) التي تتحدّت عن كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين (عليه السلام) يتجلّى له أمر مهم، وهو أن الأئمة (عليهم السلام) أقلّوا من نقل الحوادث والقصص عن حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، حتى القصص التي تتعلق بالفاجعة، وصبّوا اهتمامهم في نقل الغيبيات التي احتفّت بها الفاجعة، كزيارة الأنبياء (عليهم السلام) والملائكة ونوح الجن، وفضل الحائر الحسيني، وأهميّة الاستشفاء بترابه الشريف، وما أعده الله تعالى لزائره (عليه السلام) والباكي عليه، وغير ذلك مما لا يمكن معرفته إلا من خلال المعصومين (عليهم السلام).

 

وهذا يعطينا انطباعاً عن أن هذا الجانب ـ وهو جانب الغيبيات ـ أهمّ بكثير من الجوانب الأخرى في حياة سيد الشهداء (عليه السلام)، بالرغم من أن حياته (عليه السلام) تتضمن العبر الكثيرة، إذ هو الحجّة والقدوة، وسيرته هي الأولى أن تُتّبع، وأثره هو الأجدر أن يُقتفى، إلا أن هذا الجانب ـ وهو الغيب الذي أحاط بالفاجعة ـ له الأهمية الكبرى، فمن المظنون قويّاً أن المعصوم (عليه السلام) رأى أن تخليد الإمام الحسين (عليه السلام)

 

وإبقاء اسمه حيّاً في الضمائر ـ بما فيه من فوائد جمّة لا مجال للتعرّض لها ـ إنما يتمّ عن طريق التثقيف لهذا الجانب، وتعليم أتباعهم ـ بل حتى غيرهم ـ ما لسيد الشهداء (عليه السلام) من الفضل عند الله تعالى، من أجل إنشاء قاعدة شعبية كبيرة تهتمّ بإحياء ذكره (عليه السلام) في مختلف المجالات، اهتماماً يورّثه الآباءُ أبناءَهم، كي تبقى جذوة عاشوراء وكأن الفاجعة التي مضى عليها دهر طويل حلّت بهم اليوم.

 

وتترسّخ عندنا هذه الفكرة حينما نرى الإمام (عليه السلام) يُسأل سؤالاً شرعياً فيجيب عنه ويربط الجواب بعاشوراء، والشواهد على ذلك عديدة.

 

وإنّما اختص هذا الأمر بالإمام الحسين (عليه السلام) لأنه الشخص الوحيد الذي أُتيح له الظرف فوقف بوجه طاغية زمانه ورفض بيعته وأنكر شرعيته، وزعزع كيان رجالات السقيفة وأذنابهم، ولم تشأ إرادة الله تعالى أن يكون هذا لغيره (عليه السلام)،

لا من سبقه ولا من لحقه.

 

ومن الواضح أنه كما كان موقفه (عليه السلام) سبباً في تضعضع كيان أرباب السقيفة وفضحهم، كذلك فإن ذكر اسمه (عليه السلام) ـ بل خصوص المرتبط بموقفه وشهادته ـ يصبّ ـ بنسبة معيّنة ـ في نفس الغرض، ونجني فيه بعضاً من تلك الثمار.

 

وبديهيّ أنه ليست غاية المعصومين (عليهم السلام) هي إيصال المعلومة لأصحابهم فحسب، ولم يقف غرضهم عند هذا الحدّ، دون أن يقوم أولئك الأصحاب بنقلها وحكايتها والتحديث بها، لتنتقل من جيل إلى جيل، ولتصبح ثقافةً يشبّ عليها الوليد، وتنشأ عليها أجيال من الناس، من أجل أن تُثمر أكثر فأكثر.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=147511
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28