• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحسين ثورة انبعاث الروح .
                          • الكاتب : د . عاطف عبد علي دريع الصالحي .

الحسين ثورة انبعاث الروح

  الثورة الصحيحة هي الاحتجاج النهائي الحاسم على الواقع المتردي , فبعد أن تخفق جميع الوسائل الاصلاحية في تطوير الواقع والمجتمع تصبح الثورة قدراً حتمياً لا بد منه , إذ كانت المسلمات الأخلاقية تحول بين الإنسان والثورة خلال سنين خلت , إذ إن القوانين الأخلاقية تقول : حافظ على ذاتك , حافظ على عطائك , حافظ على منزلتك الاجتماعية ... !!! الى أن جاءت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وقدمت للإنسانية أخلاقاً جديدة تقول له : لا تستسلم للطغاة , لا تساوم على إنسانيتك , لا تعبد الأصنام البشرية , لا للطائفية , ناضل قوى الشر ما وسعك , ضحِ بكل شيء في سبيل إعادة المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام ورسوله الكريم ..... !!!!!!  
      حين تكون الروح النضالية هامدة والشعوب مُستسلمة لِحكامها عابدةً لأصنامه البشرية يشعر حكامها آنذاك بالأمان فيفعلون كل شيء ويرتكبون ما يشاؤون دون أن يحسبوا حساب أحد هذا من جهة الحاكمين أما المحكومون فنلاحظ أنه كلما أمتد الزمن بهمود الروح النضالية سهل التسلط على تلك الشعوب واستشرت فيه روح التَّواكل والخنوع والاستعباد وأستمر الرضا بحياته القائمة ولم يعد يُرجى منه القيام بِمحاولة جدية لتطوير واقعه وأثبات وجوده أمام حاكميه , ممّا يجعل إصلاحه وتغييره أمراً بالغ الصعوبة , وهنا نشاهد خليفة المسلمين الأمام علي (عليه السلام) كان حريصاً على أن تبقى روح النضال حية نامية في المجتمع لتبقى له القدرة على الثورة حين تدعوا الاحوال لها . نعم كان الإطار الديني الذي أحاط بالمجتمع الاسلامي أبان السنين التي حكم بها معاوية وأبنه يزيد يحول بين المجتمع وبين أن يثور , فجاءَت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) حينما أعلن آلية الاستراتيجية التي استخدمها ابتداءً من أصداره الأول عن نهضته إذ قال لمن أراد منه أن يبايع يزيداً خليفة للمسلمين في بعض جوابه ((..... وإن يزيد شارب الخمور ورأس الفجور وقاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله )) بدءً من ذلك حتى استشهاده على ثرى كربلاء , لقد كانت معركة مصيرية حاسمة ولعل الكثير يقول إن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يحقق النصر في ساحة الحرب بل أستشهد , فكيف نعد استراتيجيته ناجحة في تأدية الغرض الذي أعدت من أجله ؟ والجواب على ذلك يقودنا الى إن النصر الذي أراده الحسين (عليه السلام) لم يكن نصراً دنيوياً مؤقتاً يمكث سنون ثم يرحل .
       نعم بالمفاهيم المادية الملموسة يزيداً كان منتصراً واستطاع جيشه أن يقضي على الجيش المقابل , ولكن كم كانت لذة النصر ؟ وكم دامت آثاره ؟ والمتتبع لحياة يزيد وقادة جيوشه يجدهم لم يتحسسوا حلاوة النصر بل عاد نصرهم المادي وبالاً عليهم , أما الإمام الحسين (عليه السلام) فقد حقق نصراً باهراً لازال وبعد مرور 1442عام هجري نجد طراوة نهضته وحرارة شهادته تأخذ كل القلوب والمشاعر وتلامس الروح , وأنقذت رسالته الاصلاحية الأمة من تعسف السلطة الحاكمة وظلمها أضافة الى البقاء العقائدي والوجداني في ضمائر الأجيال المُتلاحقة وحطمت إطار الظلم والفجور وفجْرت ينابيع التوحْد وكسْرت أصنام الشرك والضلالة وكشفت حقيقة الحكم الجاهلي البعيد عن قيم السماء والانسانية جمعاء وبيْنت أنه حكم جاهلي لا إنساني يجب تغييره وأرست لدى أبناء الأمة الغيارى روح النضال والتضحية من جديد بعد فترة طويلة مُظلمة من التسليم والخضوع والاستعباد والتحزب والطائفية المقيتة , إذ كانت الآفات النفسية والاجتماعية تحول بين الإنسان وبين نضاله عن ذاته وانسانيته , فجاءت ثورة الروح وحطمت اللات والعزّة ومناة الثالثة وكل حاجز يقف بوجهها وأصبحت مُعجزة من مُعجزات الزمان وصارت دماء الشهداء مناراَ للإنسانية وطوق نجاة وعنواناً صريحاً لقيم الثبات على المبادئ السامية , ولولاها لكان الإسلام الى الآن يركن في ظاهر الرؤوس لا كما غدا بعدها يستوطن أعماق الصدور وأيماناً مُترعاً في وجدان كل مسلم ومؤمن غيور فكانت ثورة الطف رمزاً لضمير الأنسان الحيّ على مر السنين وروحاً لامست كل الأرواح الطاهرة التي استشهدت في سبيل ارجاع قيم السماء الى المجتمع الاسلامي والعالم بأسره وعنوان صريح لقيم الثبات على مبدأ التوحد وحب العقيدة .  




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=147733
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29