• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آداب مجالس الذكر والعبادة..الله بالخير!!! .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

آداب مجالس الذكر والعبادة..الله بالخير!!!

منذ أن بدأت أذني تعي الكلام وتميزه كانت عبارة ( الله بالخير) هي أكثر عبارة أسمعها في المجالس الحسينية  لدرجة أني كنت أظن أنها آية من القرآن الكريم يستحب تكرارها في مجالس الوعظ وسرادقات العزاء. بعضهم يحاول تجنب الوقوع في الإشكال اللغوي فيقول: مساكم الله بالخير، صبحكم الله بالخير، فهي تعد عند الكثيرين من اساسيات آداب المجالس وبدونها لا يكون للمجلس أي وقار ويضاف إلى ذلك (كاسات الشاي) أو (القوجرات) أو القهوة في مجالس التأبين. هذه هي اهم بنود آداب مجالسنا التي علينا مراعاتها والتمسك بها: الله بالخير وأنت ترتشف فنجان القهوة والمقرء يقرأ القرآن. سأتحدث عن هذا الموضوع دون تحفظات أو مجاملات لأنه مهم جدا وخطير جدا، لا نستمع للقرآن وهو يُتلى علينا ونجامل في الله بالخير!!! 
مجلس الفاتحة..
ذهبت مع احد أرحامي إلى مجلس تأبين أحد المتوفين رحمه الله في إحدى محافظات العراق فرأيت هناك العجب العجاب. مجلس مكتظ بالحضور ودخان السجائر كأنه بخار حمام تركي لا تكاد ترى الجالسين لكثافته، وأصوات الله بالخير تعلو وتتداخل فلا تكاد تسمع آيات الله وهي تقرأ. وإذا دخل أحد المعارف وجلس بعيدا عن أحدهم فيقوم واقفا ويصرخ بأعلى صوته: الله بالخير حجينا والمقرء يقرأ القرآن. بعد أن يستقر بك المجلس يبادرك من يجلس بجوارك بالسؤال عن الحال وبعدها بالسؤال عن العيال ثم بالسؤال عن الوضع ـ كل الوضع ـ سياسيا واجتماعيا وأسريا وكل ما خطر ببال وجال بذهن، ليبدأ بعد ذلك مشوار النقاشات والجدالات التي هي إنّما للترويح عن النفس وهدر الوقت الثمين وحسب، وربما تنتهي أحيانا بالقطيعة والخصام، فليس من ثقافتنا أن نحترم من نختلف معه ومهما يكن ذلك الإختلاف، حتى لو كان في أنه يفضِّل اللون الأزرق وأنا أفضِّل اللون الأخضر. سنكتب عن هذا في قابل الأيام بمشيئة الله وعونه. يستمر الحديث عن الدنيا وأهلها وحالها وزخرفها ومالها وتجارتها إلى أن ينتهي المجلس. أمّا الحديث عن الآخرة وأهلها ومنازلها وحسابها وثوابها وعقابها فقد تجاوزناه وأجلناه وربما نسيناه. قلت لأحد الخطباء المحترمين وقتها: أين كفى بالموت واعظا في هذه المجالس يا سيدي؟ فقال: لقد تطرقنا كثيرا لهذا الموضوع لكن دون جدوى فمن شب على شيء شاب عليه.
ومجلس التعزية..
لا فرق بين المجلسين من حيث الآداب فهي واحدة وموروثة ولا يمكن المساس بها أو التعرض إليها لأنها من القاليد. ومن التقاليد وجوب قول الله بالخير في حضرة القرآن المجيد. أتساءل: أليس هذا من باب عدم التأدب في مجالس ذكر الله وعدم إحترام القرآن المجيد؟ حتى في صلاتنا اليومية علينا أن نجلس جلوس العبد بين يدي سيده، يعني جلوس "المگدي بباب الملك". أي علينا مراعاة التأدب عندما نجلس للصلاة أو الدعاء أو قراءة القرآن. من المفارقات العجيبة أننا ربما ننصت لأي متحدث أو خطيب ونظهر له حسن الإستماع والمتابعة لكننا لا نفعل مثل هذا عند تلاوة القرآن! والحق سبحانه وتعالى يأمرنا بالإستماع " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ". كان خادمكم محمد صادق يرتل القرآن في احد المجالس فكان كلّما دخل شخص المجلس تتعالى صيحات الله بالخير الله بالخير،  فيضطر خادمكم أن يتوقف إلى أن يعم الهدوء ثانية ليكمل التلاوة، لكن بعد لحظات يدخل آخر فيضطر مرة أخرى للتوقف وهكذا دواليك ثالثة ورابعة وعاشرة إلى أن قال احدهم للمقرء خادمكم: عليك أن تستمر بالتلاوة ولا تتوقف فلن تستطيع أن تمنعنا من أن نسلم على بعضنا. فقال خادمكم: لا يا سيدي ليس من حقي ان أمنعك عن السلام وعموم الكلام لكن ليس عندما تسمع آيات الله تتلى على مسامعك وان استمر الحال على هذا المنوال فلن أكمل القراءة وفسوف أختم! قال له: احسنت سيدنا أختم أفضل لك ولنا. وفعلا ختم ولم يقرأ القرآن في المجالس منذ ذلك الحين.
الله يتكلم..
لا أظن أن الذي يلغو في القرآن يعلم أن الله يتكلم فيتأدب وكما قال أهلنا سابقا ـ ادبا حضوريا ـ فهو في حضرة الله تعالى. اعرف ان هذا الطرح لا يعجب البعض كما لم يعجبهم محمد صادق وهو يتلو ايات الذكر الحكيم في ذلك المجلس الموقر. منذ أكثر من ثلاثين سنة وأنا لم ارد على من يقول لي الله بالخير وآيات الله تتلى. قلت لكثير اللغو في القرآن: لا أحد يجبرك أن تحضر مجلس القرآن لكن إذا حضرت فإستمع وإن لم تستمع فإلتزم الصمت واسكت فسوف لن تستطيع أن تغير آداب مجالسنا مهما كنت نشطا في الكلام، ولن نكون مذمومين عند الله بسببك. بعض الخدمة في روضة النبي ص والائمة الأطهار عليهم السلام ينهون الزوار من النوم في الأروقة إحتراما وتأدبا لأصحاب تلك المقامات صلوات الله عليهم أجمعين، لا بل حتى في حضرة الوالدين والأقربين نجلس بإحترام وتأدب كبيرين. كيف يجب أن يكون جلوسنا في حضرة المولى الكبير المتعال!... لو علم الذين يلغون في مجالس الذكر أن الله هو الذي يتكلم لشعروا بالحياء من الله المنعم المكرم قبل خوفهم من عقابه واليم عذابه. "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ". الذي لا يسمع أنّى له أن يستمع ومن ثم يخشع! أليس الخشوع معناه التواضع والتذلل وخضوع القلب وانكساره لله تعالى. يقول المفسرون "أن ذكر الله عز وجل إذا دخل إلى أعماق الروح وسمع آيات الله سبحانه فإنها تكون سببا للخشوع". وإذا خشعت الجوارح سكنت والجلود إقشعرت والقلوب وجلت وخافت واضطربت، وكما يقول العلماء بأن التأدب هو جسمي وروحي. بمعنى أن نستمع للقرآن بتأدب وسكينة ووقار وطمأنينة " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".
 هل في هذه الأجواء الروحية والإنقطاع إلى الله تعالى عند الإستماع لكلام الله يقوى أحد أن لا يذكر الله تعالى أو يشغل بسواه؟!. إن كان الجواب بالإيجاب فذلك يعني الغفلة والإعراض عن ذكر الله تعالى والعياذ بالله ونحتاج إلى مراجعة حالنا ووضعنا وإصلاح ما فسد منه وهجرانه. وإن كان الجواب بالنفي فلم لا نستمع للقرآن؟! 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ، ألا لا خير في قراءة لي فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه". الكلام ليس في أصل مساكم الله بالخير وصبحكم به وإنما المقصود الهرج والصراخ وعدم الإلتزام بآداب مجالس الذكر والعبادة. 

نسأل الله العافية
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=148088
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 09 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20