• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع :  المرض النفسي... مفهومة وأسبابه..! .
                          • الكاتب : د . زاهر تاصر زكار .

 المرض النفسي... مفهومة وأسبابه..!

 يمكن تعريف المرض النفسي بأنه:"اضطراب وظيفي في الشخصية نفسي المنشأ، يبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة،تؤثر في سلوك الإنسان مما يعوق توافقه النفسي،ويعوقه عن ممارسة حياة سوية".
كما يمكن تعريفه بأنه:"اضطراب يصيب شخصية الفرد،نتيجة حدوث أعراض أثرت عليه، وجعلته غير قادر على التحكم بطبيعة الانفعالات والتصرفات التي تصدر منه".
كذلك يعرف المرض النفسي بأنه:"حدوث خلل في الوظائف المتعلقة في شخصية الإنسان،ويحدث هذا الخلل نتيجة حدوث انحراف عن السواء،وفي هذه الحالة يصاب الإنسان بضيق،وعدم قدرته على القيام بأي عمل يتعلق به،ويؤدي إلى الشعور الداخلي لدى الفرد بأنه يكره نفسه ولا يتقبلها".
والمرض النفسي أنواع ودرجات،فقد يكون بسيطا يضفي بعض الغرابة على شخصية الفرد وسلوكه، وقد يكون شديداً،يدفع الإنسان المريض إلى الانتحار أو القتل،كما يتباين المرض النفسي تباينا كبيراً من المبالغة في الأناقة إلى الانعزال والانفصال عن الواقع،والعيش في عالم خيالي.
وتختلف درجة تأثير المرض النفسي على المصاب من البساطة إلى الشدة،ويعتمد حدوث المرض النفسي عند الشخص على عوامل محفزة له،وقد يشفى منه المريض بشكل كلي بغياب تلك العوامل، وكلما تم التعامل بشكل دقيق مع المريض النفسي،ساهم ذلك في علاجه وإعادته إلى الحياة الطبيعية.
أسباب المرض النفسي:
المرض النفسي لا يتعلق بالنمو العقلي والثقافي للإنسان،بل ينتج بشكل أساسي من أحداث يمر بها الإنسان في حياته،وفي كثير من الأحيان تكون أحداث مؤلمة وصعبة ومعقدة،مما يجعله غير قادر على القيام بحل أي مشكلة تواجهه في حياته،وبالتالي تفاقم هذه المشاكل،ودخول الفرد في حالة من الاكتئاب والتوتر واليأس من الحياة،وكثير من الأشخاص الذين يلجئون إلى الانتحار والموت عند تفاقم المرض النفسي لديهم.
وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالمرض النفسي نذكر منها:
1ـ أسباب وراثية فسيولوجية: لا شك أن للأسباب الوراثية،دور كبير في إصابة الإنسان بالمرض النفسي،وذلك لأن بعض الأشخاص يتمتعون بحساسية مفرطة مقارنة مع غيرهم،وهذه الحساسية تتواجد عندهم بالفطرة،وتأخذ بالتطور والنمو مع مرور الوقت،وتراكم الأحداث وتفاقمها،ويتأثر الجهاز العصبي لدى هؤلاء الأشخاص بشكل أكبر من غيرهم،مما يؤدي إلى حدوث أمراض نفسية لدى هؤلاء الأشخاص.
2ـ أسباب نفسية بيئية: إن التربية داخل الأسرة لها دور كبير في التأثير على نفسية الشخص،وإصابته بالمرض النفسي،والذي ينتج من السيطرة الديكتاتورية المفروضة على الشخص،وطريقة العقاب والتأنيب المفرطة والزائدة عن الحد الطبيعي،والمشاكل التي تحدث بين الزوج والزوجة والتي تنتهي بالطلاق،فكل هذه الأمور لها دور كبير في حصول المرض النفسي للشخص.
3ـ الصدمات الانفعالية: يتعرض الإنسان في مراحل حياته الأولى إلى العديد من الصدمات،والتي يكون لها تأثير قوي على نفسيته وانعكاسها في المراحل المتقدمة في حياته كمرحلة المراهقة،وعدم القدرة على نسيان هذه الصدمات، مما يؤدي إلى تكون العقد النفسية داخله،وبالتالي الإصابة بالمرض النفسي المدمر.

84
4ـ الإحباط في الطفولة: إن تعرض الإنسان في مرحلة الطفولة للإحباط والحرمان أو فقدان العاطفة وغيرها من الأمور،يؤدي إلى حدوث أضرار نفسية في هذا الإنسان،ويجعل منه شخصا ذا طبيعة حساسة للكثير من الأمور وخاصة في سن المراهقة،وبالتالي يكون أكثر عرضة للإصابة بالمرض النفسي.
5ـ تعرض الشخص للعديد من المواقف الصعبة: يؤدي تعرض الإنسان للعديد من المواقف الصعبة إلى إصابته بصدمة نفسية،كحدوث خسارة مالية فادحة،او فقدان إنسان عزيز عليه،او خسارة منصب او مركز اجتماعي،او حدوث تغييرات مفاجئة وغير متوقعة في حياة الشخص،وتؤدي إلى دخوله في حالة نفسية سيئة وإصابته بمرض نفسي حاد.
وتوجد مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى المعاناة من المرض النفسي،تتمثل فيما يلي:
1ـ الوراثة: ويقصد بذلك جميع مسببات المرض النفسي،التي تنتقل عبر الجينات الوراثية بين أفراد العائلة،وتؤثر على الجهاز العصبي،وتجعل المريض يعاني من مرض نفسي مشابه للمرض الذي أصاب أحد أفراد العائلة سابقاً.
2ـ البيئة: تعد العوامل المحيطة بالإنسان ذات تأثير مباشر،بتعرضه للإصابة بأحد أنواع الأمراض النفسية ،ومن هذه العوامل التربية القاسية،حيث يتعرض المريض النفسي في طفولته لتربية قاسية،او إهمال وعدم الرعاية الكافية،والعيش ضمن عائلة مفككة.
3ـ الإصابة بالصدمات النفسية: لا شك أنه عندما يتعرض الإنسان لصدمة نفسية قوية،ومؤثرة عليه من الممكن أن تصيبه بمرض نفسي.
4ـ الشعور بالإحباط:بعض الأشخاص يفشلون في القيام بشيء ما،قد يسبب ذلك لهم إحباطا كبيراً، يؤثر على نفسيتهم بشكل مرضي.
5ـ الأزمات:تعرض الفرد للأزمات كالخسارة المالية(مثلا)أو وفاة شخص عزيز عليه،يؤدي إلى الإصابة بأمراض نفسية ذات تأثير صعب جداً.
أعـراض المرض النفسي:
يعتمد ظهور أعراض اوعلامات أو عوارض المرض النفسي على المريض،بناء على الحالة النفسية التي يعاني منها،ولكل نوع من أنواع الأمراض النفسية علامات خاصة فيه،ولكنها تتشابه بعدة صفات أو خصائص مثل:عدم الاتزان الفكري(العقلي عند المريض،وصدور تصرفات او سلوكيات غير طبيعية منه، والميل إلى الهدوء التام أو العدوانية في التصرف مع نفسه أو مع الآخرين.
أنواع المرض النفسي:
توجد العديد من أنواع الأمراض النفسية،والتي تؤثر على حياة المريض بشكل كبير ومنها:
ـ اضطراب الشخصية.
ـ الاعتقاد بالإصابة بالأمراض مثل(الهيبفرينيا،الاكتئاب،فصام الشخصية(شيزوفرينيا)،جنون العظمة والهستيريا)0
علاج المرض النفسي:
إن علاج المرض النفسي عند تشخيص المرض من قبل الطبيب النفساني، يعتمد على عدة عوامل وعوارض او علامات ظاهرة على المريض،لتحديد درجة تأثير المرض على نفسية المريض،ومعرفة العلاج المناسب له.
ويتوقف علاج المرض النفسي على عدة عوامل،أهمها نوع المرض وحدته،حيث تعالج بعض الحالات من خلال مراجعات للمعالج النفسي،فيما تحتاج حالات أخرى على دخول المستشفى.
ويعمد الطبيب المعالج إلى عقد جلسات تأهيلية للمريض،تتضمن الحوار معه لمساعدته في التخلص من المرض النفسي ،وقد يصف الطبيب له دواء مهدئا،والذي يساعد على تخفيف وقع الأعراض المرضية عليه.
كيفية التعامل مع المريض النفسي؟:
عند الجلوس مع مريض نفسي،يجب على الطبيب المعالج توخي الحذر،واختيار الكلمات
والتصرفات المناسبة أثناء التعامل مع المريض،ومن الأساليب التي تساعد على ذلك مايلي:
ـ تجنب الاختلاط مع الناس لوقت طويل:عندما يأتي أشخاص لزيارة المريض النفسي،يستحسن ألا يجلس (المريض)معهم لوقت طويل،وذلك لتجنب صدور أي تصرف من أحدهم ،قد يؤدي إلى التأثير على حالته النفسية.
ـ متابعة المريض دون أن يشعر بذلك:عند الاهتمام بالطبيب النفسي،ومتابعة سلوكه وتصرفاته،يجب ألا يشعر بأنه مراقب،حتى لا يسبب ذلك في إصابته بحالة من العصبية،ومن المفيد تخصيص وقت خاص فيه إذا كان يحب الجلوس وحده،ولكن يجب إزالة أي أدوات حادة قد تجعله يؤذي نفسه.
ـ عدم توجيه الإساءة للمريض:بعض الأشخاص يتعاملون بانفعال شديد مع المريض النفسي،وهذا التصرف خاطئ،فمن المهم تقبله كما هو أي(المريض)حتى يتخلص من حالته المرضية،ويعود طبيعيا.
ـ منح المريض الثقة الكافية:عندما يشعر المريض النفسي بثقة الأشخاص الذين يعيش معهم، يساعده ذلك بشكل كبير على تجاوز حالته المرضية بنجاح.
ـ عدم الإلحاح على المريض:يطلب بعض الأشخاص من المريض النفسي،أشياء تكون فوق طاقته، كأن يتغير للأفضل،ويسعى للشفاء من حالته المرضية،وهذا شيء خاطئ،لأن كثرة الإلحاح تزيد من سوء حالة المريض،ولا تقدم له أي دعم للتخلص منها.
ـ الحرص على مساعدة المريض:عندما يشعر المريض النفسي،بأن الأشخاص الذين يحيطون به حريصون على مساعدته في العلاج من مرضه،يساهم ذلك في جعله يتحسن يشكل ملحوظ.
والحقيقة أن التعامل مع المريض النفسي ليست بالمهمة السهلة على الإطلاق،ويعتمد الأمر كثيرا على نوعية الفعل،ورد الفعل،من ومع المريض النفسي.
ان التعامل مع المريض النفسي من ضمن الآداب والثقافة،التي يجب أن يمتلكها جميع الناس في تعاملهم مع بعضهم،ولكن"للأسف" ليس كل الناس على علم بقيمة هذا التعامل،والكثير من الناس نجدهم يفعلون تعديات في حق المرضى النفسيين بطريقة بشعة،وقد يصل الأمر إلى
الاغتصاب والاستغلال،والرمي بالحجر،وهذا السلوك كان في ثقافات العالم القديم اجمع.
إن الذي يعاني من خلل نفسي،يدعى أنه"مجنون" ويترك في الشارع، ونجد الأطفال يركضون حوله،وهم يلقون بالحجارة،أنه تعامل غير آدمي،وقد نجد هذا الشيء في البيئة العربية حتى اليوم.
ولكن هناك أيضا مرضى نفسيين يكونون في البيوت، وأهلهم يعلمون بحالتهم النفسية السيئة ولا يجيدون التعامل معهم،بل بنوع من عدم الرحمة يرجمونهم،والكثير من الأخطاء يفعلها الأهل من خلال التعامل مع المريض النفسي،دون أن يدرون أن حساسية مثل هذا الشخص نفسيته تختلف كثيرا عن الشخص المعافى نفسياً،لدرجة ان بعض المرضى تزداد حالتهم سوءا بسبب التعامل السيئ مع الأشخاص المتخلفين عقلياً.
وهناك طرق للتعامل مع المريض النفسي منها:
- لا تحتقر المريض نفسيا
-لا تسخر من المريض نفسيا
-لا تستفز المريض نفسياً
-لا تستغل المريض نفسياً
- تتجاهل المريض نفسياً.
ما هي أنواع المرض النفسي؟:
ــ من الناحية المبدئية،يجب أن تتعلم بعض الأشياء عن المرض النفسي بصفة عامة،والتي ستجعلك تميز بين المريض نفسيا والمعافى،او القادر على التعامل بطريقة عادية نفسيا مع الآخرين،وأن النوع الأول يكون مريضا نفسيا بأمراض شخصية مثل التوحد أو الانطوائية المفرطة،ومثل هذا المريض النفسي من الممكن أن تطلق عليه"مريض نفسي غير مؤذي"أي بمعنى أن صاحب هذا المرض"غير عدواني"ولا يتعرض للغير بأي نوع من أنواع الأذى،ولكنه فقط لا يتعامل مع الناس بالطريقة العادية.
ــ أما النوع الثاني:فهو النوع المؤذي مثل الأمراض السيكوباتية أو العدوانية،والتي من خلالها ممكن أن تصل حالة المريض النفسي أن يؤذي نفسه والآخرين،لمجرد انه لا يعرف كيف يتحكم في نفسه،وهنا في كلا الحالتين،يجب أن نفهم كيفية التعامل مع المريض،أي كان النوع الذي يعانيه من المرض النفسي بطريقة ذكية وحكيمة وليست عنصرية،ولا تحمل داخلها الشفقة والعطف.
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، أننا كلنا مرضى نفسيين،وهذه المعلومة يجب أن تدركها أيها
القارئ الكريم،قبل أن اطرح أي طريقة في التعامل مع المريض النفسي حتى تفهم قيمة المشكلة.فحقيقة الأمر هو،أنه بالفعل كل الناس يعانون من مرض نفسي،ولكن بنسبة ضئيلة مثل البكتيريا الغير ضارة في جسم الإنسان التي تعيش معنا بدون أي ضرر،ونجد هذه الأمراض في صورة العصبية المفرطة أحيانا،او في صورة الحزن الشديد والاكتئاب،أو في بعض المواقف التي تجعل الأشخاص يخافون بطريقة هستيرية من بعض الأشياء التي لا تخيف،مثل الأماكن العامة،والأماكن المغلقة،لكنها أمراض نفسية،ولكنها في الحقيقة خاملة ولا تضر سوى في إطار ضيق جداً.
والأمر الهام جداً، هو عدم احتقار المريض نفسيا،فطريقة التعامل معه لا تجب أن تحتوي على نوع من التحقير،والذي على الجميع أن يعلموا أن هذا المرض النفسي هو ليس للمريض ذنب فيه،وما يرى من أعراض سيئة توحي لمن حول المريض، انه مجنون أو غير متزن لا يجعلهم يحتقرون منه، والتعامل مع هذا المريض على أنه شخص نكرة و نوع أدنى من البشر،لأن ما لا تعلمه هو أن المريض النفسي هو أكثر حساسية تجاه تعامل الناس معه من الشخص العادي،حتى لو لم يكن يظهر ذلك،ولكن هذه هي الحقيقة.
وفي نفس الوقت لا أقول للآخرين،أنكم مجبرون على التعامل مع شخص مريض نفسي أي كان نوع هذا المرض،ولكن-على الأقل-لو وجدتهم احتكاك بينكم وبين شخص مريض نفسيا،حاولوا أن تعاملوه على أنه شخص طبيعي،ولا تتعالون أو تتكبروا عليه،لأنه سيشعر بذلك.
كما لا يجب،أن تسخر أو تستهزئ من مريض نفسي،وهذا النوع من السلوك الشائع في البلدان النامية،وهو أن يعامل المريض نفسيا على أنه مجنون،أو حتى المجنون فعليا،فالناس تتعامل معه بمبدأ السخرية والاستهزاء، حيث نجد الكبار والصغار ملتفين حوله،ويحاولون أن يجعلوه يتكلم حتى يضحكون على ما يقول، لأنهم يتوقعون بأنه سينطق كلام غريب مضحك طبعا،هذا لا يليق أبدا بطريقة التعامل مع المريض النفسي،لذا رفقا بالناس وبالأمراض،فهذا الخلل النفسي الذي في هيئة"الجنون"لا يعطي بقية البشر الحق في أن يلتفوا حول هذا الإنسان ويسخرون منه ويشتمونه ويسألونه أسئلة غير أدمية..!.وخاصة لأن الناس من حوله تريد أن تضحك،ولو وجدت أخي القارئ في هذا الموقف،حاول أن تجعل هؤلاء الناس يبتعدون عنه ويعطونه مساحة،أو على الأقل لا تشارك هؤلاء الناس في طريقة تعاملهم السيئة التي تهين آدمية هذا المخلوق أو هذه المخلوقة.
وأخيرا نوجز ونقول،ان التعامل مع المريض النفسي يحتاج إلى الإنسانية،وكلما كنت جيد في التعامل مع المريض النفسي عموما،والناس من حولك كلما كان تواصلك مع الناس ايجابي.
طرق التعامل مع المرضى النفسيين:
يعاني الكثير من الناس من الحيرة والارتباك،عندما يواجهون بالتجربة الأولى في المعاملة مع المرضى النفسيين،وثمة طرق للتعامل مع المريض النفسي هي:
-ـ ما هو شعورك مع المرضى النفسيين؟:هل أنت خائف من المريض؟وهل تخشى أن يؤذي أحد أفراد أسرتك؟وهل تخشى أن يؤذي نفسه؟إذن عليك أن تتكلم عن خوفك مع الطبيب المعالج أو مع الأخصائي الاجتماعي،فهو سيكون صادقا معك إذا سألته..إذا كان هناك أي سبب للخوف فسوف يخبرك عنه،وكذلك سوف يساعدك لاتخاذ احتياطات ذكية ضد هذه المخاطر..ولكن إذا لم يكن هناك سبب كبير للخوف-وهذا هو الغالب-فإن طمأنته لك سوف تساعد في تهدئة المخاوف التي لا داعي لها.
كما أن التكلم مع الطبيب حول الأفكار التي تراودك مثل:هل تشعر بالذنب تجاه المريض لبعض الأسباب؟..وهل تشعر بأنك بطريقة ما تسببت في حدوث المرض؟..وهل تخشى انك تسببت في إضافة ما جعله مريضاً؟..انك (بالتأكيد)لا تساعد المريض بلوم نفسك والنظر في الأشياء التي فعلتها خطأ...كل هذه الأفكار يجب عليك ان تتحدث عنها مع الطبيب المعالج أو الأخصائي النفسي أو الاجتماعي.
-ـ عند عودة المريض من المشفى إلى البيت: عند عودة المريض من المشفى للبيت،وأثناء فترة النقاهة،تكون هناك مشاكل عديدة يجب مواجهتها ،ان أي مريض سواء حجز بالمشفى بمرض نفسي او عضوي،يكون عادة غير مطمئن عند مغادرته المشفى،وان الخروج من جو المشفى الآمن والهادئ يكون مجهدا للمريض،لأنه في أثناء العلاج بالمشفى،كان الانفعال والتوتر بسيط بحيث يمكن تحمله،ولذلك في خلال الأيام والأسابيع الأولى في المنزل،يجب على الأسرة ان تحاول أن تعطي قدرا من الحماية التي كان يحصل عليها(المريض)في المشفى،وان تعود نفسها(الأسرة)على تفهم متطلبات المريض،فالأشياء التي قد تبدو بسيطة مثل الرد على الهاتف،ومصافحته للناس أو التخطيط للواجبات، قد تكون مقلقة للشخص المريض الذي خرج حديثا من المشفى،وكذلك فإن للأقارب دور هام في مرحلة النقاهة..اذ عليهم أن يلاحظوا أن علاج المشفى،يشفي الأعراض المرضية التي تقعد المريض،ولكن من الجائز ألا يشفى المرض نفسه،وهذا لا يعني أن المريض لا شفاء له،ولكن يعني أنه لم يشف تماماً.
وخلال الأيام الأولى للمريض في البيت يكون متوتراً،ومن الممكن أن تظهر عليه بعض أعراض المرض مرة أخرى إذا تعرض المريض لضغوط شديدة،ولذلك يتوجب على عائلة المريض أن تلاحظ هذا،وتعد الأشياء بحيث لا تكون ضغوط الحياة اليومية فوق طاقة المريض في حالته الحالية..ليس من السهل أن تعرف الحد الأدنى والأقصى الذي يستطيع المريض تحمله،ولكن يمكنك أن تعرف ذلك بالتعود.
وهناك بعض الأشياء التي يجب تجنبها مثل:
1ـ الاختلاط المبكر مع عدد كبير من الناس:يحتاج المريض النفسي للوقت،للتعود على الحياة الاجتماعية الطبيعية مرة أخرى،ولذلك لا تحاول أن تحث المريض على الاختلاط مع الآخرين ،لأنه سوف يضطرب أسرع بهذه الطريقة،ومن الناحية الأخرى لا تتجاوز المعقول،وتعزل المريض عن كل الاتصالات الاجتماعية.
2ـ الملاحظة المستمرة على المريض:اذا كان المريض مشغولاً ببعض الأعمال،لا تحاول مراقبته باستمرار،لأن ذلك يجعله عصبياً وهذا ليس مطلوباً.
3ـ التهديد والنقد للمريض:لا تحاول تهديد المريض بعودته إلى المستشفى،ولا تضايقه وتنتقد تصرفاته باستمرار وبدون مبرر مقنع.

4ـ الثقة في استعداد المريض للعودة للمنزل:عليك أن تثق في المريض،وتحترم رأي الطبيب المعالج في إمكانية عودة المريض على المنزل.
ــ ظهور التوتر والتحسن أثناء فترة النقاهة: من المحتمل ان تواجه العائلة تصرفات غير متوقعة من المريض،وهذا أحد الفروق الهامة بين الأمراض النفسية والجسمانية،فالمريض الذي كسرت ساقه(مثلا)يحتاج إلى فترة علاج بسيطة يعقبها فترة نقاهة،ويعود بعدها للحياة الطبيعية.
ولكن المريض النفسي،يبدو يوما ما طبيعيا ولا يعاني من التهيؤات المرضية،ثم في الفترة التالية مباشرة،يمكنه أن يشكو من المرض ثانية..متهما(مثلا)زوجته أو غيرها بأشياء يتخيلها..شاكيا انه لا يحصل على العدل في عمله او انه لا يحصل على النجاح الذي يستحقه في الحياة.
وبالنسبة لأقارب المريض كل هذه التصرفات من المريض معروفة لهم،فقد لاحظوه من قبل في الفترة الحادة لمرضه،والآن تعود مرة ثانية من شخص المفروض انه تحسن،وعندئذ فإن الألم والحيرة تجعل بعض أفراد الأسرة يأخذ موقفا سلبياً لأي محاولة لعودة المريض للإحساس الطبيعي..ولكن ببعض كلمات هادئة لشرح الحقيقة،وتغيير الموضوع بطريقة هادئة،ثم العودة فيما بعد لشرح الحقيقة سوف تمنع المرارة وتساعد المريض على تقبل الواقع.
ان فترة النقاهة،تحدث فيها نوبات من التحسن والقلق خصوصا أثناء المرحلة الصعبة الأولى للنقاهة، بينما المريض يتعلم كيف يلتقط الخيوط للعودة للحياة الطبيعية مرة أخرى،لذلك يجب على الأسرة ان تتحمل وتصبر،إذا ظهرت تصرفات مرضية مفاجئة في مواجهة حادث غير متوقع.
-ـ لا تطلب من المريض أن يغير تصرفاته:لا جدوى من أن نطلب من المريض أن يغير تصرفاته..انه يتصرف كما يفعل لأنه مريض عقلياً، وليس لأنه ضعيف أو جبان أو أناني أو بدون أفكار أو قاس..فهو لا يستطيع،كما لا يستطيع المريض الذي يعاني من الالتهاب الرئوي أن يغير درجة حرارته المرتفعة،فلو كان عنده بعض المعرفة عن طبيعة مرضه(ومعظم المرضى يعلمون بالرغم من أنهم يعطون مؤشرات قليلة عن معرفتهم للمرض)فإنه سيكون مشتاقا مثلك تماما،لأن يكون قويا وشجاعا ولطيفا وطموحاً وكريما ورحيما ومفكرا.
ولكن في الوقت الحالي لا يستطيع ذلك،وهذا الشيء هو أصعب بكثير،لذا يجب على الأقارب أن يتفهموا المريض ويتقبلوه..ولا عجب أنه يأخذ جهدا كبيرا منك لكي تذكر نفسك أنه"المرض" عندما تكون(مثلا)الهدف لعلامات العداء المرضية من الأخت..أو عندما تكون الوقاحة والخشونة والبرود هو رد أخيك لكل ما تقدمه وتفعله له.ولكن يجب أن تذكر نفسك دائما أن هذا هو جزء من المرض.
ــ مساعدة المريض أن يعرف ما هو الشيء الحقيقي: يعاني المريض النفسي، من عدم القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي،وربما يعاني كذلك من بعض الضلالات(أي الاعتقادات الخاطئة)فربما يعتقد(المريض)أنه شخص آخر،وان شخصا ما مات منذ فترة ما زال حياً،أو أن بعض الغرباء يريدون إيذاءه،انه يدافع عن هذه المعتقدات الخاطئة بالطريقة التي قد يدافع بها أي شخص منا بعناد ومكابرة عن شيء ما غير متأكد من صحته...ومن وراء دفاع المريض النفسي حيرة ما بين الحقيقي وغير الحقيقي...انه يحتاج لمساعدتك لكي تظهر له الحقيقة ثانية أمامه.ويحتاج أيضا،ان نجعل الأشياء من حوله بسيطة وغير متغيرة بقدر الإمكان.
وإذا ظل المريض يراجعك مرة بعد مرة عن بعض الحقائق الواضحة،عندها يجب أن تكون مستعدا وبسرعة وبصبر لكي تشرح له الحقيقة مرة أخرى.
ويجب ألا تتظاهر بقبول الأفكار المرضية والهلاوس كحقيقة واقعة،وعلى الجانب الآخر لا تحاول أن تحث(المريض)على التخلص منها،وببساطة قل له أن هذه الأفكار ليست حقيقية ودع الأمر عند هذا الحد من المناقشة.
وعندما يفعل المريض أشياء لا تقبلها لا تتظاهر بقبولها..وإذا تضايقت من سلوكه قل له ذلك بصراحة ،ولكن وضح له انك متضايق من سلوكه وليس منه شخصياً،وعندما يقوم(المريض)بسلوك لا يجانب الواقع يجب أن تكافئه عليه.
ولكي تساعد المريض النفسي على معرفة الحقيقة،يجب أن تكون صادقا معه،فعندما تشعر أو تحس بشيء ما،لا تخبره بأنك تحس بشيء آخر،وعندما تكون غاضبا لا تقل(للمريض) أنك لست غاضباً...!.
وعليك تجنب خداع المريض حتى في الأشياء البسيطة،من السهل خداع هؤلاء المرضى،ولكن كل خدعة تجعل التعلق الضعيف بالحقيقة اقل يقينا..،وإذا لم يجد المريض النفسي الحقيقة والواقع بين هؤلاء الذين يحبوه فأين يجدها؟.
ــ كيف تخرج المريض النفسي من عالمه الداخلي؟: يرغب المريض النفسي دائما في العزلة التي تبدو له سهلة وأكثر أمانا،فالمشكلة التي عليك مواجهتها هي أن تجعل العالم من حوله أكثر جاذبية...وهذا يتطلب تفهما وإدراكا من جانبك،وإذا ابتعدت عن المريض وتجاهلته، أو تكلمت في وجوده كأنه ليس موجودا،عندئذ فإنه سوف يكون وحيدا ولن يجد في نفسه حافزا حتى يشارك في الحياة من حوله...وفي الجانب الآخر إذا دفعته في وسط الحياة الاجتماعية،بينما هو يشعر بالخوف من ملاقاة الناس الذين لا يعرفهم،وإذا لم يستطع التحمل فإن ذلك سوف يدفعه للعودة إلى عالمه الداخلي والانطواء مرة أخرى،لذا يجب عليك أن تنتظر لتأخذ الإشارة منه أولا،مثلا،إذا أراد زيارة الأهل والأصدقاء،فيجب ان تسمح له بذلك،ولكن بدون اندفاع..وإذا دعا(المريض)بعض الأقارب للزيارة وتناول الغذاء،وهو وعد بتلبية هذه الدعوة،وانك وجدت أنه غير مستعد لهذه الدعوة،فيجب عليك أن تتدخل بهدوء لمساعدته في التخلص من هذه الدعوة بدون أي إحراج له.
وعليك أن تذهب معه إلى الأماكن العامة الهادئة،وافعل الأشياء التي لا تكون مثيرة أو قلقة أكثر من اللازم،مثل:مشاهدة مباراة كرة القدم في التلفزيون بهدوء وبدون انفعال،وحلول تشجيعية على متابعة الهوايات والمشاركة فيها إذا رغب في ذلك.
ــ قدم للمريض جرعات تحفيزية صغيرة : يجب إعطاء المريض حوافز بصورة منتظمة،مثل (بعض كلمات التشجيع أو بعض الهدايا البسيطة)إذا بدأ(المريض) يخرج من عزلته،ولكن يجب أن تكون الحوافز مستحقة،فإنك عندما تكافئ شخصاً غير جدير بهذه المكافأة،فإن هذه المكافأة تكون مؤذية ومهنية..وربما يفرح بهدية لا يستحقها في البداية،لكنه بعد ذلك سوف يفقد الثقة حتى إذا كان يستحق المكافأة فعلا..
وهناك بعض الخطوات للتعامل مع المريض نفسيا،فالمريض النفسي يجب معاملته بطريقة طبيعية تماما،لأنه مريض مثل أي مريض آخر يعاني من أي مرض قد يصيب الإنسان العادي،وينصح أطباء النفس بضرورة أن يكون من يتعامل مع المريض النفسي طبيعيا في معاملته له،ولا يجعله يشعر بأنه غير باقي الناس أو انه مختلف عن أي مريض آخر.
وينصح أهل المريض ان يكونوا مساندين له بشدة،ولكن بطريقة طبيعية ولا ينبذونه أو يبعدونه عن محيطهم،ويجب على الأهل أن يعاملوا المريض مثلما كانوا يعاملونه من قبل ان يصاب بالمرض،وان يقوموا بالتحدث معه بشكل طبيعي،وان يكون على صلة بالطبيب المعالج وألا يتركوه،وان يكونوا أكثر تفهما لمرضه وغير منغلقي الفكر،ولا يعتبرونه شخصا لا يتم التعامل معه،وإنما يجب مساندته بكل قوة.
كيف تجعل المريض يتقبل الذهاب للطبيب النفسي؟:
عندما يكون هناك شخصا يعاني من الاكتئاب،وأنت تريد مساعدته خاصة،انه لا يتقبل فكرة الذهاب لطبيب نفسي،فيكون الدعم النفسي هو الحل،وان كان مؤقتاً،حتى تذهب به إلى اقرب مركز متخصص في الأمراض النفسية،ويمكن من خلال خطوات بسيطة أن تقدم له الدعم بدلا من مواساته لبعض الوقت،ثم تركه على حالته وهذه الخطوات هي:
1ـ يجب أن يكون هدفك الأول من الدعم النفسي،هو أن تقنع الشخص الذي يعاني من الاكتئاب للذهاب إلى طبيب متخصص،لأنه قد يكون حل مشكلته ليست في يديك،ولكن في مضادات الاكتئاب المختلفة.
2ـ يمكنك أن تتحدث معه(المريض)من مدخل، أنه عندما يصاب جسميا يذهب لطبيب من أجل أن يكتب له وصفة طبية،فلماذا لا يفعل هو ذلك عندما يصاب بأحد الأمراض النفسية التي تحتاج أيضا لرعاية طبية.
3ـ تحدث مع المريض واجعله على علم بأنك بجانبه،وإذا احتاج أن يتحدث عن أي مشكلة،ستكون دعما له،وكذلك الحال اذا أراد أن يذهب للطبيب ستكون أول المرافقين له.
4ـ كن دائما على اتصال مع المريض سواء بمكالمة تليفون أو زيارة له،فيجب ان تشاركه في الأنشطة التي يقوم بها يوميا،وان كان لا يريد الحركة ويفضل الوحدة والعزلة،فعليك بتقديم الدعم المناسب لجعله يشارك في الأنشطة المختلفة.
5ـ ركز على الأهداف الصغيرة في التعامل معه وتشجيعه،فعليك وضع قائمة من الأمور التي يجب ان يحققها يوميا ومحاولة تحفيزه من خلال المكافآت.)

عن كتاب: الشامل في الطب النفسي ـ للكاتب نفسه ـ اصدار مركز الإشعاع الفكري للدراسات والبحوث ـ فلسطين)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=149090
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 10 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29