• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من العباس (عليه السلام) إلى الحشد .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

من العباس (عليه السلام) إلى الحشد

  لا شيء في الوجود أعز وأنفس من الروح، الروح جوهرة يسعى الإنسان للحفاظ عليها بكل الوسائل والسبل المتاحة، لدرجة أنه يبتكر أحياناً أساليب للغش والخداع، بأمكر طرق الحقارة والدناءة، لمجرد أن يحافظ عليها، وكم من إنسان ضحى بأهله وماله من أجل الحفاظ على روحه، مع أنه يعرف مثلما يعرف غيره أن لمكوث الروح في هذا العالم وقتاً معلوماً، لا تتقدم ولا تتأخر عنه قيد أنملة، وأنها أولاً وأخيراً سوف تُسلب غصباً عنه، سواء كان نبياً أو سلطاناً أو سفاحاً مجرماً أو بغياً.

 وقد خاطب الله تعالى نبيه وهو أحب الخلق إليه، سيدنا محمداً (ص) بقول: "إنك ميتٌ وإنهم ميتون". فالموت هو المحصلة النهائية للتجربة الحياتية، مهما طال بها الزمان، ولكن الإنسان يغفل عن هذه الحقيقة، أو ربما يتغافل عنها، أملاً في أن لا يتذكره الموت، مع أن من عاش طويلا، تمر في حياته من تجارب الموت قصصٌ تستفز ذاكرته طويلا. 
 وأنا بعد أن تجاوزت السابعة والستين من العمر، وبعد كل الذي تعرضت له خلال هذا العمر الطويل، بدءً من الاعتقالات الصدامية الإجرامية المتكررة التي تراءى لي الموت خلال كل واحد منها شاخصا ينتظرني في أركان الزنزانات الانفرادية، مرورا بالأيام السوداء، أيام الحرب الطائفية الغبية التي شنها النظام البعثي ضد الجارة إيران، حيث ساقونا عنوة وقسرا لنقاتل عبثا دون هدف، فكان الموت يتراءى لنا في كل خطوة نخطوها، وكم من مرة، تشظت أجساد المحيطين بنا أمام أعيننا، لنبقى على قيد الانتظار الممل..! 
 بعد كل هذه الأحداث والتجارب والخيبات التي عشتها، وأنا أحرَصُ على روحي من روحي، خوف أن يتخطفها الموت، لم أشعر يوما أن هناك في زماننا المعاصر من هو على استعداد للتضحية بروحة دفاعا عن قضية، حتى ولو كانت مقدسة، ولكني حينما شاهدت أبطال الدفاع الكفائي، رجال الحشد الشعبي المقدس، يتسابقون إلى الموت بوجوه باسمة مشرقة، يتدافعون بالمناكب، وكل منهم يتقدم صاحبه ليسبقه رغم أن الأعداء يحيطون بهم، أدركت مقدار توهمي، وأيقنت أن الفتوى التي استنهضت هؤلاء الفرسان، كانت على يقين أن في كل يوم عاشوراء، وفي كل أرض كربلاء، وأن كل واحد من رجال كربلاء الحاضر مهيأ للموت سبعين مرة من أجل الدفاع عن عقيدته وقيمه ووطنه وشرفه، مثلما كان أصحاب كربلاء الأمس؛ لأن هؤلاء الرجال الذين نختهم المرجعية فانتخوا، إنما خرجوا لينصروا حسين عصرهم، على أرض كربلائهم، ولأنهم يتفيؤون بظلال تضحية العباس (عليه السلام)، ويحملون بين جنباتهم روح الشهيد الخالد سعيد بن عبد الله الحنفي الذي خاطب الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً: "والله..! لو علمتُ أني أقتل، ثم أحيا، ثم أحرق، ثم أذرَّى، يُفعل بي ذلك سبعين مرة، ما فارقتك، حتى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك؟ وإنما هي قتلةٌ واحدة، ثم الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً". 
حينها فقط، أدركت أن الخوف وهم، والوهم خدعة، والخدعة زيف، وأن زيف الخدعة، تكشفه مواقف الرجال الذين يسعون وراء الشهادة نصرة للحق، وأن الشهادة أمنية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم من هذه الأمة، وأن أمة تقودها قامات فتوى الدفاع الكفائي أمة منصورة، وأن في مجتمعنا شهداء حقيقيون يسيرون على الأرض، لا يغريهم الذهب والجاه، ولا الأمل بطول العمر؛ لأنهم يتشبهون بموقف الإمام العباس في كربلاء، وأن روح الإمام العباس (عليه السلام) لا زالت ترفرف مع رايات نصرهم، وأن رايات ترفرف معها روح العباس، وتحملها كفوفه المقطوعة، وهي تشخب تضحية وإيثارا، تسعى للتمهيد للدولة المهدوية، والراية التي تمهد للمهدوية لا يمكن أن تنهزم، وسيكون النصر حليفها في كل حين، فالنصر منا وإلينا ونحن أهله.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153499
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29