• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : استذكارات مقاتل.. فك الحصار عن مدينة سامراء .
                          • الكاتب : سعد الربيعي .

استذكارات مقاتل.. فك الحصار عن مدينة سامراء

 مضت ٤٨ ساعة على معركة المحطة، وهي فتح الحصار على قضاء بلد باتجاه العاصمة بغداد ،ومازال آمر سرية الدبابات حائراً؛ كونه لا يمتلك قيادة عسكرية تقوده؛ بسبب تراجع جميع القطعات في ذلك القاطع، وعليه الارتجال لجميع الأوامر العسكرية.

هذه من جهة ومن جهة اخرى مازالت اصداء مجزرة سبايكر تدوي في الاوساط العالمية، ومازالت سامراء التي تحتضن مرقد العسكريين تحت الحصار، وهي الشغل الشاغل للحكومة العراقية ومرجعية النجف.
فقد مضت نحو ١١ يوماً على سقوط الموصل وسامراء تحت الحصار، ولم يصلها اي امداد عسكري، فضلاً عن البساتين التي تحيط بقضاء بلد التي ملئت بالدواعش، وبدؤوا يدكون القضاء بالهاونات.
كل هذه الظروف تخلق جواً من الارباك.. إلا ان جاء احد قادة فصائل الحشد وأخبر آمر السرية بأن الحكومة تضغط عليهم بفتح طريق سامراء خلال ٢٤ ساعة؛ لأن هناك جيشاً كبيراً قد تجهز في معسكر التاجي ينتظر البشرى ليتحرك نحو سامراء.
صدم آمر السرية من الكلام وقال له: انت تعرف جيداً أن طريق (بغداد – سامراء) يحتاج الى اقل تقدير ثلاثة أيام لتطهيره؛ كونه مليئاً بآليات الجيش المحروقة، وقد نسفت جميع القناطر، والعبوات كثيرة، وان الدواعش يحيطون به من جهتين..!
ضحك قائد الحشد وقال: ما شاء الله، معلوماتك دقيقة جداً، لكننا سنفتح الحصار عن سامراء بطريق آخر فرعي وزراعي تم استطلاعه بجهد استخباري، وجمعنا معلومات من المدنيين عنه، والمهم أن العدو لا يتوقعنا ان نخوض حربا فيه؛ بسبب المحددات التي عليه...
استبشر خيرا آمر السرية، وذهب الى مقرهم لدراسة المعركة على الخريطة وتم تحديد ساعة الصفر، يوم ٢٠/٦/٢٠١٤م.
رجع وجهز دبابتين لتقدم المعركة وجهز منظومته الادارية من العتاد والوقود وفعلا في ساعة الصفر فتح الطريق الذي كان مغلقا من اهالي بلد، وانتشر مقاتلو الحشد داخل ابساط العنب الكثيفة من جهتي الطريق وبمحاذاة ساقية.
اصدر اوامره لدبابة المقدمة بتنفيذ رميات نار متوقعة لتمشيط العدو، وكشف اماكن تواجده، وفعلاً فتحت النيران باتجاه قطعاتنا لكنها بسيطة نوعا ما.
بدأ التقدم جيدا مع غطاء جوي للسمتيات، كان الطيار حينها بطلا ومغوارا، ابطال الحشد لم يتركوا الدبابة وحدها، كانوا ينسقون حركتهم داخل الاشجار الكثيفة بموازاتها وهي على الشارع المرتفع عنهم.
وصلوا الى استدارة في الطريق بعد حوالي٣ ساعات وهناك توجهت النيران الكبيرة حيث تجمع العدو هناك بعد مفاجأته بهذا المحور، وعرف انه اذا خسر طريق الشلالات فانه سيخسر مدينة سامراء، وعليه فقد قاتلوا قتالا شديدا الا ان بسالة وصمود مقاتلينا كانت تدحرهم ساعة بعد ساعة.
 آمر دبابة المقدمة ضابط من اهالي ذي قار نادى امر سريته وقال: بدأت أرى الشلالات وهي قريبة مني، استبشر الجميع خيراً، وقال له امره: المهم عندي هي سلامتكم، والتنسيق مع قائد المشاة في الحشد الشعبي حتى لا تتوغل كثيرا دون اسنادهم.
جاء النداء من الطيار بأن وقوده نفد، وعليه العودة للقاعدة لملء خزاناته بالوقود، واخبرهم بأن اعدادا من العجلات تتجمع خلف الشلالات وغادر سماء المعركة.
 اصدر آمر السرية اوامره لقائد دبابة المقدمة بأن يتأكد من المعلومة حتى تتم معالجتهم بسرعة، فجاء النداء منه: نعم هم يتجمعون لكن معهم عوائلهم النساء والاطفال ويركبون سياراتهم لمغادرة المكان.. حينها اصدر الآمر بتركهم وعدم معالجتهم؛ بسبب وجود العوائل فيما بينهم.
احد المستشارين قال له: انهم يخرجون عوائلهم ثم سيعودون اليكم.. فقال له: نعم اعرف ذلك، لكنني لا اصدر امراً بالرمي مادام النساء والاطفال معهم...
وبعد ساعة واحدة، وقفت الدبابة على اخر نقطة في الطريق، وجاء نداء البشرى بذلك مع طلب عتاد اضافي للدبابة...
فرح قائد الحشد كثيرا وعبر الموقف الى بغداد ومباشرة صعد الى العجلة التي قد هيأها امر السرية لنقل العتاد للذهاب الى خط الصد، الا ان آمر السرية منعه من صعودها وقال له: انت قائد ومن الخطأ ان تركب مع سيارة العتاد انتظر لآخذك انا معي بعد دقائق.
 وبعد مشادة كلامية اقتنع بكلامه وركب معه في عجلته وفور وصولهم للمكان فتحت عليهم نيران كثيرة من جانب الايسر ادت الى احتراق عجلة العتاد بكاملها، فقد توغل الدواعش داخل ابساط العنب، وتمكنوا من نصب كمين للقوة المهاجمة، ادى ذلك الى استشهاد البعض منهم، رجل كبير بالسن من اهالي بغداد كان يحمل سلاحه بالقرب من عجلة العتاد، وبهذا كان لزاما على الجميع الاختباء لحين تحديد مصدر النار والرد عليه.
واثناء ذلك دخل وقت صلاة الظهر.. فقام الرجل الذي كان مستشارا لقائد الحشد بالوضوء وقد اسبغ وضوءه جيدا ووقف لأداء الصلاة وهو غير مكترث للرصاص الذي يأتينا كالمطر!!!
قال احد الجنود لآمر السرية: سيدي انت ملتزم بتوقيتات الصلاة، لماذا لا تصلي مع الأخ؟ فأجابه: كلا لا استطيع انتظر الوقت لأذهب واجلب العتاد بدل هذا الذي احترق، وهناك اصلي...
وعندما اكمل المستشار صلاته، رجع الى مكان الاختباء، فقال له امر السرية: عجبا اديت الصلاة واقفاً، والآن تختبئ، فقال: الصلاة بوقتها يا اخي وان لي ذنوبا كثيرة تلك التي منعتني من الشهادة في معظم الحروب التي خضتها، وهي تمنعني من لقاء ربي.. واني أخاف أن أعود الي بيتي من جديد...
فقال له: نحن عكسك تماما عندما نعود الي اهلنا نقول: ان الله يحبنا اذ ارجعنا سالمين الى ديارنا... فضحك وقال: ادعوا لي بالشهادة يا اخي...
وبهذه الاثناء كان الضابط قد دخل دبابته وبدأ يعالج الاعداء بالأسلحة المتوسطة التي لديه فخف تأثيرهم.. وركب امر السرية عجلته وذهب لإحضار العتاد مرة اخرى.
 ادى صلاة الظهر وحمل العتاد وعاد بسرعة الى منطقة الشلالات تم تحميل الدبابتين والمباشرة بإكمال الواجب الى ان فتح الله لهم قبل صلاة المغرب وصولا الى الطريق العام (بغداد – سامراء).
تم التثبيت والمبيت والمباشرة في صباح اليوم التالي باتجاه سامراء...
جاء اتصال من القيادة في بغداد لآمر السرية عندما تلتقي بعميد فيصل، امر لواء في الشرطة الاتحادية، زف لنا البشرى بوصولك الى سامراء، وفعلا تم اللقاء مع السيد العميد في ناحية الاسحاقي، وهو يقود اول عجلة بلوائه باتجاه بغداد وكان لديه علم بتحرك امر سرية الدبابات باتجاه سامراء.
التقت القوتان وسط الفرحة والبهجة فسجد شكرا لله على نصره وتشرفه بفتح طريق الامامين العسكريين، ثم زف البشرى لبغداد بأن الطريق قد تم تطهيره بالكامل وتم اللقاء بعميد فيصل (رحمه الله) الذي استشهد بعد ذلك في معارك تحرير تكريت. وفعلا في اليوم التالي تحرك ذلك الجيش الجرار الذي وصلت طلائعه قضاء بلد، ومازال الذيل الاداري له واقفا في التاجي.
وكانت طلائعه عبارة عن كتائب الدبابات (ابرامز) التي عبرت الطريق الملتوي الذي جهز وطهر لهم بصعوبة بالغة باتجاه سامراء.. الا ان صهاريج الوقود لم تتمكن من مواصلة المسير، فتم بقاؤها في مقر آمر سرية الدبابات لحين احضار عجلات اصغر، وتوزيع الوقود عليها ومن ثم اللحاق بالرتل.
ووصل الخبر المفرح بأن مضيف الامامين العسكريين (عليهما السلام) قد استقبل الجيش وقدم الطعام للجميع وفتح الحصار عن مدينة العسكريين (عليهما السلام) وبعد ايام يباشر القادة بوضع خطة تحرير تكريت.
بدأت الاحداث تتسارع بعد تهديم ساحات الذل والمهانة في الانبار والجيش يقاتل الخونة والتنظيم في مركز الانبار والفلوجة والخالدية والبو بالي...
بينما النقيب آمر سرية دبابات (ابرامز) يعتصر يوما بعد يوم لعدم قدرته في ابادة هؤلاء الخونة؛ كونه مكلفاً بحماية العاصمة بغداد... لكن الأيام تمضي ويشتد القتال هناك في المدن الانبارية الضيقة والمزارع الكثيفة الاشجار.. وفجأة يتحقق حلم آمر السرية ويصدر الامر بإرسال سريته الى الرمادي لقمع المخربين كان ذلك في يوم اجازته فيرفضها ويجهز قوته ليتحرك في اليوم التالي الى الانبار.
في ليل منتصف شباط عام ٢٠١٤ يصل الى معسكر (الورار) ويشاهد كمية الدمار الكبيرة هناك... مباشرة يقوم بتهيئة مكان جنوده واطعامهم ثم النوم؛ لأن الطريق استمر ١٠ ساعات تخللتها مناوشات بسيطة مع العدو اثناء التنقل.
جاء الصباح واصدر الامر بتهيئة نصف القوة للمباشرة مع جهاز مكافحة الارهاب لتحرير منطقة البو ذياب.
الى أن تم تسليم الشهيد الى قيادته، رجع امر السرية الى مقره واتصل بأصحابه في كربلاء يخبرهم بإخلاء الجثة ...
وبعد ايام تم تطهير منطقة السيد غريب (شمال الدجيل) بالكامل، ثم جاءت قطعات كبيرة من الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي وامتلأ قضاء بلد بالجند والاليات واخيرا وضعت خطة تحرير كامل محيط قضاء بلد من مجرمي داعش، وتم توزيع القطعات على جميع المحاور، وكانت حصة آمر السرية هي اسناد الحشد في محورين اولهما: محور تحرير ناحية يثرب والثاني محور تحرير جنوب القضاء في قرية سعود اي خلف مرقد السيد محمد (عليه السلام)، وبدأت العملية فجر يوم 28 / 12/ 2014م وتقدم بدباباته في يوم ممطر لم تمنعه الامطار ولا التربة الطينية من مواصلة تقدمه، وسحق العدو الذي تقهقر سريعا نتيجة بسالة المقاتلين .
وكان لآمر سرية الدبابات صديق عزيز عليه من اهالي تكريت عمل مصدرا للمعلومات في توجيه بوصلة القتال نحو داعش، وقبل بدء العمليات بيومين فقط قام امر السرية بنقل عائلته الى بغداد، فعلم داعش بذلك فقاموا باعتقاله صباح يوم بدء العمليات، وبقيت زوجته في البيت لوحدها فاتصل اخوه بآمر السرية وقال: ان اخي قد اعتقله داعش من بيته، فاذا اتصل بك لا ترد عليه لاحتمال الدواعش يختبرون معرفتك به، حزن كثيرا واتصل بالحشد المسؤول على تحرير منطقته، وطلب منهم الاسراع في تقدمهم عسى ان يتم انقاذه، وفعلاً كسر الساتر الاول لمنطقة عزيز بلد، وهزم الدواعش وعبروا نهر دجلة مذعورين وتركوه معصب العينين في دار القضاء المزعوم، فقام بالاتصال بآمر السرية وطلب منه مساعدته في عبوره الى بغداد تحت ظل القتال وسرعة تقدم قواتنا، لكن امر السرية انكر معرفته له وقال: اني لا اعرفك..! ظنا منه ان الدواعش يختبرونه وقطع الاتصال قام بمعاودة الاتصال وسماه بكنيته وهي ابو زهراء فقال له: ابو زهراء وحق السيد محمد الدواعش انهزموا وتركوني، وحاليا انا وزوجتي اطلب مساعدتك للخروج من ساحة المعركة بأمان الى بغداد، حينها صدقه وحمد الله على سلامته واعطاه التعليمات للعبور لمكان آمن .
وقبل غروب الشمس، فتح الله عليهم بالنصر المبين ووصلوا الى جسر الرادار وتم اللقاء بالمحور الجنوبي القادم من يثرب وقطعات الحشد القادمة من قاعدة بلد الجوية، وكان لانتهاء العمليات فرحة كبيرة لا توصف وخاصة للبلداويين الذين قاموا بعد أيام بتنظيم احتفالية كبيرة ومسيرة رائعة تحركت من مركز المدينة باتجاه مرقد السيد محمد (عليه السلام) حاملين صور شهدائهم وشهداء الحشد الشعبي وقواتنا الامنية وهم يحمدون الله على التفاف جميع ابناء العراق وحضورهم الى مدينتهم لتحريرها .
وطبعا كانت الفرحة اضعافا مضاعفة لآمر سرية الدبابات وذلك الاعلامي ذو الفقار البلداوي اصحاب الفكرة في ارسال المعلومات الى ممثلي مرجعيتنا الدينية العليا .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154056
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28