• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 17 ) الحكمة من ابقاء بنيامين .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 17 ) الحكمة من ابقاء بنيامين

 ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ 
مر في الحلقة السابقة ان ابقاء بنيامين في مصر لم يكن فيه عقوقاً ليعقوب (عليه السلام) على الرغم من الالم الذي سببه بعد بنيامين عنه اذ جمع عليه الم الفراق والسمعة السلبية لاحد اطهر ابناءه.
والذي نحاول ان نقف عليه هنا هو الحكمة من ابقاء بنيامين، فإن مما لا شك فيه ان السبب لم يكن محض اشتياق يوسف (عليه السلام) لأخيه وتعلقه به، اذ يمكن لبنيامين ان يعود اليه في أي وقت آخر، مع ما في بعد بنيامين عن يعقوب (عليه السلام) من وجد وحزن والم.
ان هناك عدة امور محتملة في هذه الخطوة التي اتخذها يوسف (عليه السلام) منها:
1. ان اخوة يوسف (عليه السلام) لا زالوا على بغيهم وحسدهم ليوسف (عليه السلام) على الرغم من السنين الطوال التي فصلتهم عنه، والذي كشف عنها قولهم الذي حكاه عنهم القران الكريم:
﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ 
وهذا يعني ان اخوة يوسف (عليه السلام) بحاجة الى فترة من الترويض لتقبل الوضع الجديد الذي سيتعرفون فيه على يوسف (عليه السلام) ليتعاطوا معه على الاسس الصحيحة.
2. ان ما عليه اخوة يوسف (عليه السلام) من الحقد والحسد ليوسف (عليه السلام) ليس من المستبعد ان يدفعهم الى ارتكاب جريمة بحق بنيامين فيما اذا افتضح امرهم، فكان ابقاء بنيامين في مصر حفاظاً عليه وابعاداً للمخاطر لحين تنظيم الامور وسلب روح العدوان من قلوب اخوته.
3. تمهيد الامور لاعتراف بني اسرائيل بخطيئتهم بحق يوسف (عليه السلام) امام ابيهم لرأب الصدع الذي ولده ارتكابهم الجرم الكبير بحق اخيهم وابيهم.
4. التدرج في كشف المخفي عن بني اسرائيل كي تنكشف لهم حقيقة ان الامور بيد الله يصرفها كيف يشاء وان ليس للإنسان الا التسليم لإرادة الله تعالى، ليتحولوا من الحالة السلبية تجاه يوسف (عليه السلام) واخيه الى الحالة الايجابية تمهيداً للمرحلة اللاحقة من حياتهم في مصر.
5. تمهيد الامور اجتماعياً في ارض كنعان لانتقال ال يعقوب (عليه السلام) الى مصر، لان الانتقال المفاجيء من شأنه ان يترك تساؤلات في الوسط الاجتماعي عن اسباب مفارقة النبي يعقوب (عليه السلام) لهم مع تعلقهم به.
6. تمهيد الامور لانتقال ال يعقوب (عليه السلام)  الى ارض مصر لتحقيق القبول الشعبي والرسمي لاستقرار اعظم رموز التوحيد والدعوة الى الله، سليل النبي ابراهيم (عليه السلام) الذي عرفته مصر قبل عشرات السنين عندما جاءها داعياً للتوحيد وعاد منها وقد اهدى اليه ملكها السيدة هاجر لتكون امة للسيدة سارة، ثم بعد ذلك لتكون اماً للنبي اسماعيل (عليه السلام)، فبين المجتمع المصري وبين ال ابراهيم (عليه السلام) علاقة قديمة، لابد من اثارتها في نفوس ابناء المجتمع تمهيداً للمرحلة الجديدة التي سينهض بها ال يعقوب (عليه السلام) في بث روح التوحيد في ارض وادي النيل بعد ان نشر ابراهيم وبنوه (عليهم السلام)  تعاليم السماء في ارض كنعان وشبه جزيرة العرب وبلاد وادي الرافدين، وانتشرت منها الدعوة الى الله الى مختلف بقاع المعمورة.
ويمكن ان يستفاد من الآية 76من سورة يوسف ان ابقاء بنيامين في ارض كان لتحقيق غاية الهية عبرت عنها الآية الشريفة ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾، وقد جاء هذا التعبير بعد ان تحدثت الآية عن التدبير الالهي في مساعدة يوسف (عليه السلام) في اخذ اخيه، اذ ظاهر الآية الكريمة ان قانون مصر  لم يكن يعاقب من تثبت عليه السرقة بالعقوبة التي صدرت بحق بنيامين،  مع ملاحظة ان الآية الشريفة عبرت عن العقوبة بالأخذ لكن هل الأخذ بمعنى الاسترقاق كما ذهب اليه بعض المفسرين ودلت عليه بعض النصوص ام الاستخدام ام السجن، لم تشر الآية الشريفة الى أي واحد من هذه المعاني فأخوة يوسف حكى القران الكريم قولهم:
﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾
والقران الكريم اشار الى ان العقوبة في القانون المصري لم تكن كما كان يريد يوسف (عليه السلام) الا ان الله تعالى كاد له ودبر له الامر بحيث اخذ اخاه بنيامين بإقرار من اخوته بأن تكون عقوبته بالنحو الذي اراده يوسف (عليه السلام).
فإذن ابقاء بنيامين في مصر كان مقدمة لتحقق رفعة بالدرجات لمن اراد الله تعالى لهم ان ترتفع درجاتهم، وكان ابقاءه تمهيداً لعودة لكشف حقائق جديدة عن عمق علم يعقوب (عليه السلام) وعظيم ادراكه لحقائق الامور، الامر الذي كشفت عنه الاحداث اللاحقة التي وقعت بين بقاء بنيامين في مصر هجرة ال يعقوب (عليه السلام) اليها.
لمتابعة مقالاتنا على التلكرام يمكن الانضمام عبر الرابط
https://t.me/abdulsettarquranstudys
٠




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154389
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29