• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أبو طالب.. ناصرٌ حيثُ لا ناصر ! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

أبو طالب.. ناصرٌ حيثُ لا ناصر !

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (محمد7)
 
كيف ينصُرُ المؤمنُ ربَّه؟!
أليس الله تعالى هو الغنيُّ الحميد؟! أليس هو الإلهُ القدير؟!
أليس ربُّنا القاهرُ فوق عباده؟!
 
لا ريب في أنَّ نَصرَ المؤمنِ لله تعالى يعني نَصرَ دينه، وأبرزُ مصاديقه نَصرُ أنبيائه ورُسُله، المبلِّغون لرسالات السماء، فَمَن نَصَرَ رُسُلَ الله تعالى صار لله ناصراً، وأثابَهُ الله نَصراً من عنده وثباتاً حين تزلّ الأقدام.
 
وليس نَصرُ الرُّسُلِ على طَرزٍ واحد، وسِنخٍ فارد، فليس المُخلِصُ في نصرته والصادق فيها والباذل مهجته كالناصر طَمَعاً، أو كالمؤمن كَرهاً.
 
وليس يصحُّ عند ذوي الألباب أن يُقرَنَ بين السابقين السابقين، الذين جعلهم الله من المقرَّبين، وبين المتردّية والنطيحة من المنافقين!
 
فَمَا حالُ السّابقين في الذبّ عن خيرِ رُسُل الله تعالى؟ وأيُّ مرتبة من القُربِ منه عزّ وجلّ ينالُ هؤلاء؟!
 
ثمَّ ما حال من كان ناصراً حيث لا ناصر ؟! ومُعيناً حيثُ لا معين ؟!
 
ذاك شيخُ بني هاشم، وفَخرُ قُرَيشٍ والعَرَب، عبدُ مناف بن عبد المطلب، أبو طالبٍ، وأبو عليّ بن أبي طالب !
 
وهو الغنيُّ عن شهادة الخلق بعد شهادة الخالق له!
أيحتاجُ أبو طالبٍ لشهادة الناس في مكانته بعدما شهد الله تعالى له بالنُّصرة لرسوله على لسان ملائكته المقرَّبين؟!
 
قال الإمام الصادق عليه السلام:
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ الله (ص) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ، فَلَيْسَ لَكَ فِيهَا نَاصِرٌ (الكافي ج‏1 ص449).
 
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام:
وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِسَنَةٍ، فَلَمَّا فَقَدَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ص سَئِمَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ، وَدَخَلَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ، وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَشَكَا إِلَى جَبْرَئِيلَ ع ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: اخْرُج‏ مِنَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها، وَهَاجِرْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ نَاصِرٌ.. (الكافي ج‏1 ص340).
 
يُستفادُ من هذين الخبرين الصحيحين أمور:
 
1. أنّ هذه الأيام كانت أيامَ (حزنٍ شديدٍ) لرسول الله صلى الله عليه وآله، لفقد اثنين من أعزّ الناس على قلبه، سيدتنا خديجة وسيّدنا أبو طالب عليهما السلام، وحُزنُ الرَّسول عليهما كاشفٌ عن عظيم مكانتهما عنده صلى الله عليه وآله، وهو الذي لا يوالي ولا يعادي إلا في الله تعالى، فسَكَناتُه وحركاته وفرحه وحزنه وأحوالُ نفسه لا تخرج بحالٍ عن رضا الله عزّ وجل.
 
2. أنّهما كانا قد فَرَّجا عن النبيّ صلى الله عليه وآله كربته في مكة أثناء حياتهما، وبفقدهما (سَئِمَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ).
 
3. أنَّ النبيّ رغم كلّ المخاطر والأذى ما كان مُشفِقاً على نفسه من قريش بل كان آمناً إلى أن فَقَدَ أبا طالب.
 
4. أنّ أبا طالبٍ خيرُ ناصرٍ للنبي صلى الله عليه وآله في مكة، بل أنّه (عُنوان نُصرة رسول الله) في مكة، وعِماد خيمة الذَّبّ عنه، وأبرزُ مِصداقٍ لقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ).
وبفقده فقدت الخيمة عمادَها، فغادر النبي مكة.
 
ثمّ إنّ لهُ في نُصرة النبي (ص) سهمان: أوّلُهما: النَصرُ بنفسه، وثانيهما: بابنه عليّ بن أبي طالب !
 
الأول: نَصرُهُ النبيَّ بنفسه !
 
لَقَد أكرَمَ الله رسوله صلى الله عليه وآله بأن جعله في أكرم منبتٍ وأعزّ أَرومَةٍ، فأخرجه من شجرة الطّهر والنقاء، وهذا جدُّه عبدُ المطّلب كان مؤمناً به مُذ كان غلاماً، فكان يُجلسُه على فراشه ويقول: إِنَّ لَهُ لَشَأْناً عَظِيماً، إِنِّي أَرَى أَنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ وَهُوَ سَيِّدُكُمْ!
 
ولطالما أوصى عبد المطّلب به عمّه أبا طالب بقوله: إِنَّ لِهَذَا الْغُلَامِ لَشَأْناً عَظِيماً، فَاحْفَظْهُ وَاسْتَمْسِكْ بِهِ، فَإِنَّهُ فَرْدٌ وَحِيدٌ، وَكُنْ لَهُ كَالْأُمِّ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِشَيْ‏ءٍ يَكْرَهُهُ !
 
حتى إذا حضرته الوفاة: بَعَثَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدٌ عَلَى صَدْرِهِ، وَهُوَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَلْتَفِتُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَيَقُولُ:
 
يَا أَبَا طَالِبٍ انْظُرْ أَنْ تَكُونَ حَافِظاً لِهَذَا الْوَحِيدِ الَّذِي لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ أَبِيهِ، وَلَا ذَاقَ شَفَقَةَ أُمِّهِ، انْظُرْ يَا أَبَا طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَسَدِكَ بِمَنْزِلَةِ كَبِدِكَ، فَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ بَنِيَّ كُلَّهُمْ وَأَوْصَيْتُكَ بِهِ !!
 
ليست هذه الوصيّة إلا وصيّة السماء، ليست وصيّة جدٍ يفضِّلُ ابنَه لعاطِفَةٍ جيّاشةٍ فقط، إنّما خصّه بهذه الرعاية لأنّه أعلَمُ الناس بمكانته عند الله تعالى، حيث قال لأبي طالب:
 
يَا أَبَا طَالِبٍ إِنْ أَدْرَكْتَ أَيَّامَهُ فَاعْلَمْ أَنِّي كُنْتُ مِنْ أَبْصَرِ النَّاسِ وَأَعْلَمِ النَّاسِ بِهِ: الأمم تترقب ظهور آخر نبيّ، وعبد المطلب يحمله منذ صغره على صدره ويحوطه ويرعاه ويعلم شأنه وفضله وقدره، ثم يوصي أبا طالب به قائلاً:
 
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَتَّبِعَهُ فَافْعَلْ، وَانْصُرْهُ بِلِسَانِكَ وَيَدِكَ وَمَالِكَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ سَيَسُودُكُمْ وَيَمْلِكُ مَا لَمْ يَمْلِكْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آبَائِي !
 
سارَع أبو طالب لقبول وصيّة عبد المطلب، وأشهَدَ الله تعالى ذلك، فاطمأنّ عبد المطلب، لِما يعلم من خِصال أبي طالب، وأنّه أهلٌ للوفاء بذلك، وسُرعان ما ظهر عمله بالوصية جلياً، حينما: ضَمَّهُ أَبُو طَالِبٍ إِلَى نَفْسِهِ لَا يُفَارِقُهُ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، وَكَانَ يَنَامُ مَعَهُ حَتَّى لَا يَأْتَمِنُ عَلَيْهِ أَحَداً (كمال الدين وتمام النعمة ج‏1 ص172).
 
فعمل أبو طالب بوصية الله التي صدرت عن لسان عبد المطلب، فكان ناصرَ النبي بلسانه ويده وماله، بل وولده !
 
الثاني: نَصرُهُ النبيّ بعلي !
 
لقد تعهد أبو طالب بأن يكون النبيّ من جسده بمنزلة كبده! فيدفع عنه بكلّ ما يملك.
لكنّه دَفَعَ عنه حتى بأعزّ أولاده إليه، وأحبّهم إلى قلبه، عليّ بن أبي طالب، فأيُّ معرفةٍ هذه التي كانت تحتضنها نفس أبي طالب، وأيّ مودةٍ كان يحويها قلبه.
 
تُشير الأخبار إلى مبيتِ أمير المؤمنين عليه السلام مكانَ النبي ليلة مضى (ص) إلى الشعب، فضلاً عن المبيت المشهور ليلة خروجه إلى الغار!
 
فإنّه صلى الله عليه وآله استشار أبا طالب حينها، فأشار عليه بذلك:
 
ثُمَّ تَقَدَّمَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) لِيَقِيَهُ بِنَفْسِهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا نَامَتِ الْعُيُونُ جَاءَ أَبُو طَالِبٍ وَمَعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع)، فَأَقَامَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَأَضْجَعَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) (الفصول المختارة ص58)
 
فكان أبو طالب هو صاحبُ التخطيط والتدبير في المبيت الأول، وبه حَفِظَ النبي صلى الله عليه وآله بعلي، حيث تقدّمَ إلى ابنه عليّ عليه السلام ليبيت مكان الرسول صلى الله عليه وآله، ثم قال له:
 
اصْبِرَنْ يَا بُنَيُّ فَالصَّبْرُ أَحْجَى * * * كُلُّ حَيٍّ مَصِيرُهُ لِشُعُوبٍ‏
قَدْ بَذَلْنَاكَ وَالْبَلَاءُ شَدِيدٌ  * * * فِدَاءِ النَّجِيبِ وَابْنِ النَّجِيبِ‏
 
فصَبَرَ على بلاء التضحية بأحب أبنائه إليه، فداءً لخير الخلق محمد صلى الله عليه وآله.
 
وما كان أعجبَ منه إلا جواب ابنه علي عليه السلام:
 
أَ تَأْمُرُنِي بِالصَّبْرِ فِي نَصْرِ أَحْمَدَ  * * * وَوَ اللَّهِ مَا قُلْتُ الَّذِي قُلْتُ جَازِعاً
وَلَكِنَّنِي أَحْبَبْتُ إِظْهَارَ نُـصْرَتِي * * * وَتَعْلَمَ أَنِّي لَـمْ أَزَلْ لَكَ طَائِعـاً
وَسَعْيِي لِوَجْهِ اللَّهِ فِي نَصْرِ أَحْمَدَ * * * نَبِيِّ الْهُدَى الْمَحْمُودِ طِفْلًا وَيَافِعاً
 
هكذا هم أركان هذه الأسرة المباركة.. يتوارثون الكمال كابراً عن كابر، ويرثُ عليٌّ نصرةَ محمدٍ من أبيه أبي طالب، فيصير خيرَ ناصرٍ ومعين.
 
سلام الله عليك يا أبا طالب يوم ولدت ويوم تموت ويوم تُبعث حياً، سلامٌ عليك قبيل يوم وفاتك.. حشرنا الله معك ومع آبائك في جوار رسول الله صلى الله عليه وآله.
 
 
والحمد لله رب العالمين
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154423
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28