• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آفاق قرآنية هكذا يجعلني القرآن حوارياً! .
                          • الكاتب : علي الخفاجي .

آفاق قرآنية هكذا يجعلني القرآن حوارياً!

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت}الصف/14
ما معنى الحوار، ومن هو الحواري؟ الحوار هو المراجعة، والحوار في الكلام: النقاش (يُقال جاوبه وراجعه الكلام) ومنه يُقال حار أي: رجع، ومن لم يُحر جواباً أي: لم يرُدّ جواباً..  والحواري هو: القصّار، لتحويره- أي تبييضه الثياب- لأنه يرجعه إلى أصل الناصع.. ومن هنا يُطلق الحواري على الناصح المخلص، والناصح الوفي النقي السريرة. 
تجد هذا النمط في أنصار الأنبياء والأئمة (عليهم السلام).. سُموا بذلك لمحاورتهم لهم وانفتاحهم عليهم، فهل في أعلى درجات الإيمان بالله، والإخلاص للدين، والوفاء للرسالة.
وإذا عرفنا أن الأرواح والأنفس مركبة لا بسيطة، وتأملنا في أفراد الإنسان، وجدناهم يختلفون في الملامح والصفات، وفي الفكر والمزاج، قال تعالى:{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} نوح/14، وهذه الاختلافات تنعكس على تعامل الأفراد مع بعض الأشياء والأحداث، وفي تعامل الناس مع بعضهم، وكأنما شاء الله تعالى أن يخلق كل شيء متميزاً، قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} طـه/50، وجاء الأنبياء لهداية الإنسان، وتصحيح مسار حياته، وتعليمه طبيعة الكلمة التي تعالج مشاكله وتحل مشكلاته:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } الأنعام/48، وفتحوا له الباب في أن يناقش ويحاور.. في أن يشُكّ ويعترض، وتدرجوا معه في إيصال الكلمة واستيعاب الحكمة.. فكان نبينا (ص) يحاور كل صنف بالمنطق الذي يقنعه ويهديه السبيل، وإن كان المنطق وحده لا يكفي، بل لا بد من كسب الناس باللين، وخفض الجناح، وحسن الإصغاء:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الشعراء/215.
وصبر النبي (ص) كما صبر الأنبياء من قبله، على محاربة الإنسان للرسالة، فكانت الكلمة الطيبة الوديعة والهادئة تقابل بالكلمة الجافة والعنيفة:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل/125. كان الحوار أسلوب الأنبياء مع الناس- رغم تمرده وعناده- في تبليغ رسالاتهم، وما زالت الحياة تحمل في رحمها الرحمة، وتحتضن في مرابعها- الحوار، ذلك أنه زرع الله وكلمته ألقاها إلى رسله:{كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} إبراهيم/24.
ولكي تستمر الحياة بصفائها وكدرها، فلا بد من الحوار..
إنه الجسر الذي ينتقل عبره طالبو الحقيقة إلى الضفة الأخرى، إنه البرق الذي يخطف الأبصار لمن يحدوقون النظر في الأفق الغائم.. إنه الطريق الذي يقرب المسافة بين الإنسان وأخيه... بين الإنسان والحقيقة، والقرآن الكريم جاء يعلم الإنسان كيف يكون الحوار، لا تتبعوا الهوى والظن فيضلكم عن سبيل الله:{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} الإسراء/53.
كن حوارياً.. لا تكن كرجع الصدى لا تسمع إلا صوتك..
لا تكن في عزلة لا ترى فيها إلا ظلك. أخرج من عزلتك واصغ ِ إلى الآخرين:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } الزمر/18، لا تكن كسيل العرم، واعلم أن للبحر مدا وجزرا. كن صورة مشرقة لمسلم رباه القرآن.. لا تكن سباباً، فالسب لا يحقق هدفاً ولا يكسب وداً، إنه يضيع أهدافك، ويعرض مقدساتك للإهانة، قدم لأخيك زهرةً ولا تحمل سكيناً، ولأنك المرآة التي يتملًى بها أخوك عندما ينظر إلى وجهه، احمل له الكلمة الطيبة. فكلًـنا أبناء هذه الأم- الأرض- التي مازالت تحتضننا بحنانها ويغدقُ علينا سماؤها خيراً وعطاء.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154505
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19