• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أحبابٌ.. تحت التراب ! .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

أحبابٌ.. تحت التراب !

بسم الله الرحمن الرحيم
 
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنَا طُولَ الْأَمَل‏ !
 
كلماتُ الإمام زين العابدين، دعاءٌ ليكفيَ الله عبادَه المؤمنين طول الأمل.
ومِن قَبلُ كان أميرُ المؤمنين عليه السلام يخافُ على المؤمنين منه فقال: أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَة.
 
ومِن قبلِهما نَبَّهَ رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك بقوله:
 
أَيُّكُمْ مُتَّثِقٌ [يَثِقُ‏] بِبُلُوغِ شَهْرِ رَمَضَانٍ قَابِلٍ ؟!
 
صُومُوهُ صِيَامَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يَصُومُ بَعْدَهُ أَبَداً، فَكَمْ مِنْ صَائِمٍ لَهُ عَاماً أَوَّلَ أَمْسَى عَامَكُمْ هَذَا فِي الْقَبْرِ مَدْفُوناً، وَأَصْبَحَ فِي التُّرَابِ وَحِيداً فَرِيداً، يُنَبِّهُكُمُ اللَّهُ مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ، وَغَفَرَ لَنَا وَلَكُمْ يَوْمَ الدِّينِ (فضائل الأشهر الثلاثة ص117).
 
هُوَ طولُ الأمَل، يأخذُ بأَلبابِ المؤمنين، ويُصَيِّرُهُم من الغافلين، فيُنَبِّهُهُم الله تعالى بأحبابهم ومَن فقدوا!
 
بمَن صام معنا ثم: (أَصْبَحَ فِي التُّرَابِ وَحِيداً فَرِيداً) !
كَم مِن حبيبٍ وعزيزٍ على القلب افتقدنا، ولا زلنا نَصومُ شهر الله كأنّا سنصوم كلَّ الشهور والدُّهور !
 
إنّها (رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ) !
الغافلُ الذي لا يُنزلُ الموتَ حقَّ منزلته، وإن أيقَنَ أنّهُ قادمٌ إليه لا محالة.
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: مَا أَنْزَلَ الْمَوْتَ حَقَّ مَنْزِلَتِهِ مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ !! (الكافي ج‏3 ص259).
 
إتمامُ صومِ اليوم الذي نحيا فيه غيرُ مضمونٍ للإنسان، فالكُمَّل قد استعدّوا للموت، وعَرَفَ الصائم منهم أنّ إفطاره في يومه هذا قد لا يكون في هذه الدنيا !
 
فما عدّوا قادم الأيام من آجالهم، ومَن كان كذلك، كان صومُه لساعته التي هو فيها كأنّها آخر ساعةِ صومٍ في حياته !
 
فَكَم تُغَيِّرُ هذه العقيدةُ والقناعةُ الراسخةُ في المؤمن! فـ (مَا أَطَالَ عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَل‏).
 
الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً: فلا يَعرِفُ المؤمن ساعة منيّته، وما مِن عهدٍ مِنَ الله تعالى بالحفظ لعباده، بل عَهدُه تعالى هو الموت، وهو تعالى يحصي علينا أنفاسنا، قال تعالى: (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا).
 
ولما سئل الصادق عليه السلام هل يعدُّ الله لهم أيامهم؟ قال:
إِنَّ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ يُحْصُونَ ذَلِكَ، لَا، وَلَكِنَّهُ عَدَدُ الْأَنْفَاسِ ! (الكافي ج‏3 ص259).
 
لكنّ كلّ هذا لا يورثُ عند المؤمنِ جَزَعاً، فهو صاحبُ النَّفس المطمئنة الواثقة بربِّها، وقد وصفَ الإمام شيعته فقال:
مِنَ الْمَوْتِ لَا يَجْزَعُونَ، وَفِي الْقُبُورِ يَتَزَاوَرُون‏ ! (الكافي ج‏2 ص239).
 
لأنّ الحياةَ كانت خيراً للمؤمن لمّا أحياه الله، ولمّا صار الموتُ خيراً له قبضه الله إليه: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَأَمِتْنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي، عَلَى مُوَالاةِ أَوْلِيَائِكَ وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِك‏.
 
ولكن..
كيفَ يكون في الموتِ خَيرُ المؤمن؟!
 
لطالما دعا الإنسانُ المؤمنُ ربَّهُ قائلاً:
أَحْيِنِي مَا أَحْيَيْتَنِي مَوْفُوراً مَسْتُوراً، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ لِي جَذَلًا وَسُرُوراً !
 
فاستجاب الله لعبده المؤمن، سيّما من قبضه إليه في شهره المبارك هذا، فعن النبي (ص) أنّ هذه الأمّة أعطيت خصالاً في شهر رمضان لم تُعط للأمم السابقة، ومنها قول الله عزّ وجل لجنته:
 
تَزَيَّنِي وَاسْتَعِدِّي لِعِبَادِي، يُوشِكُ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا، وَيَصِيرُوا إِلَى دَارِ كَرَامَتِي (فضائل الأشهر الثلاثة ص90).
 
هكذا هو موتُ المؤمن..
 
جِنانٌ تتزيَّن لاستقباله، وأيُّ تَزَيُّنٍ.. جنانٌ فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلبِ بشر.. فيصيرُ الموتُ للمؤمن (جَذَلًا وَسُرُوراً) !
 
ثمرتُه الراحة من (نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا).. فَمَن يتألّمُ إن اختار الله له الراحة بعدما أحبّه فـ (غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً) في دار الدُّنيا ؟
 
ثمَّ الصيرورة إلى دار كرامة الله !
وأيُّ كرامةٍ.. صاحبُ الدار هو أكرمُ الأكرمين.. الذي يجازي بكرمه: عَلَى الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ الْفَانِيَةِ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الْخَالِدَة..
قال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُون‏)
 
اللهم نسألك أن تربط على قلوبنا في ساعةٍ أبكَت إمامنا الحسن عليه السلام، حين قال: أَبْكِي لِخَصْلَتَيْنِ: لِهَوْلِ الْمُطَّلَعِ، وَفِرَاقِ الْأَحِبَّةِ (الكافي ج‏1 ص461).
 
اللهم آمِنّا هولَ المطّلَع، وارزقنا الصبر على فراق أحبّتنا، وارحم برحمتك مَن فَقَدنَا في أيامنا هذه، في شهرك المبارك، وقبله من الشهور والأيام والسنين.. بحق محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
 
همُ السابقون، ونحن اللاحقون، فارحمهم وارحمنا واختر لنا ولهم ما فيه الصلاح، وأقرّ عيوننا وعيونهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
 
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154966
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20