تشير المصادر الروائية التي تحدثت عن بدء الخليقة والمجتمعات البشرية الاولى الى القطيعة التامة بين مجتمع الالتزام الديني والأخلاقي ـ ذرية شيث (عليه السلام) ـ ومجتمع الانحراف ـ ذرية قابيل ـ الا ان حادثة حصلت ترتب عليها اثرها اختلاط ابناء المجتمعين كانت سببا في التلاقي التام بينهم، وبالتالي انتهت حالة الانفصال والافتراق وتبدلت بالامتزاج والتلاقي بين المجتمعين.
وكنتيجة حتمية للزيادة العددية في سكان الارض، تحول المجتمع من مجتمع الإدارة الابوية الى مجتمع السلطة فظهرت الحكومات بشكلها الاداري البدائي لبساطة الجوانب الحياتية في ذلك الزمان.
ادى ظهور السلطة ـ سلطة القرية ـ الى تصدي شخصيات للحكم مارست اساليب الجور والطغيان، في وقت كان الأنبياء منصوبين في المجتمع من قبل الله تعالى ويعيشون بين الشعوب المحكومة، ولهم مقام خاص وهيبة عظيمة تجعل سلاطين الارض يخضعون لهم ويخشون ردود افعالهم.
نصت بعض الروايات ان طغيان وجبروت بعض حكام القرى وصل مرحلة دعت النبي ادريس عليه لسلام الى معاقبة القرية الظالمة بأن دعى الله تعالى ان يمنع عنهم القطر عشرين سنة فاجدبوا وجاعوا، وبعد عشرين سنة من القحط فاءوا وعادوا الى رشدهم فدعا ادريس (عليه السلام) الله تبارك وتعالى ان ينزل عليهم الغيث ويرفع عنهم الجدب .
فكان الابتلاء بالجدب والجوع والفقر والفاقة سببا في اعادة بناء الانسان ومنعه من الاستمرار في الطغيان والبعد عن التعاليم الالهية.
كما اشارت النصوص الروائية التي تحدثت عن الفترة التي كانت بين ارتفاع النبي ادريس (عليه السلام) عن الارض وبعثة نوح (عليه السلام) عن شيوع الجهل المعرفي الذي ادى الى ابتعاد الناس عن الدين وعن الأنبياء وتحول المجتمع من مجتمع توحيد الى مجتمع شرك.