• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 8 ) النبي ابراهيم (عليه السلام) والنمرود .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 8 ) النبي ابراهيم (عليه السلام) والنمرود

 وبدت مرحلة الابتلاء العصيبة، فلم يكتف الكهنة بما جرى بينهم وبين النبي ابراهيم (عليه السلام) حتى رفعوه الى النمرود الامبراطور المتجبر العنيد الذي ادعى الالوهية، فوقف النبي ابراهيم (عليه السلام) كالطود الشامخ في وجه النمرود ليلقمه حجرا في مناظرة علمية كشفت زيف ادعاءات النمرود وانه لا يعدوا كونه مدعيا للربوبية ومستفيدا من تكريس الجهل الذي يعيشه المجتمع ويغذيه كهنة المعابد.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) 
كان لمناظرة النبي ابراهيم (عليه السلام) مع النمرود الاثر الكبير على المجتمع البابلي، هذا التأثير الذي دفع العرش والمعبد لاتخاذ القرار بالتخلص من النبي ابراهيم (عليه السلام) للتخلص من تأثير الهزة الفكرية التي بدت آثارها على المجتمع.
صدرت الاوامر بجمع الحطب ليشهد المجتمع البابلي اكبر حفل احراق في تاريخه للقضاء على حركة التنوير الفكري التي قادها النبي ابراهيم (عليه السلام)، فاخذ البابليون بجمع الحطب لإحراقه انتقاما للآلهة التي مُرغت كرامتها، بينما كان كهنة المعبد والنمرود يقومون بذلك دفاعا عن مكاسبهم التي يؤمنها لهم ترسيخ الجهل في المجتمع آنذاك .
لقد كان ما قام به النبي ابراهيم (عليه السلام) حدثا مفصليا في تاريخ المجتمع البشري وليس في حدود بابل والمناطق الخاضعة لها فقط، فعند تحطيم الاصنام بدأت المرحلة الاولى من مراحل الانعتاق الفكري الناشئ من الشك في قدرة الآلهة، اذ كيف يمكن لإله عاجز عن الدفاع عن نفسه ان يكون متصرفا في امور الكون، وفي المرحلة الثانية كان لمناظرة النبي ابراهيم (عليه السلام) مع النمرود اثرها الكبير في كشف الغشاء عن اذهان الناس حيث اثبت النبي ابراهيم (عليه السلام) بالحجة والبرهان ان النمرود ليس الا طاغوتا مدعيا للربوبية وانه ليس ربا وهو عاجز عن ان يقوم بما يقوم به إله النبي ابراهيم (عليه السلام)، واصبح حديث النبي ابراهيم (عليه السلام) حديث المجتمع البابلي الذي تتناقله الركبان، فلم يبق بد من القضاء على النبي ابراهيم (عليه السلام) فصدرت الاوامر بجمع الحطب لإحراق الكافر الذي تعرض للآلهة وحط من قدرها. 
في الوقت الذي سعى القصر والمعبد للدفاع عن مكاسبهما، كانت مكانة النبي ابراهيم (عليه السلام) تزداد ترسخاً في النفوس لما اثبته بالعقل والمنطق من بطلان إلوهية النمرود وبطلان ربوبية الاوثان.
(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ، وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) 
كان ابتلاء المجتمع البابلي بقضية الاحراق إبتلاءاً روحياً فكرياً، ولم يكن إبتلاءاً ماديا، انه ابتلاء خاطب العقل والفطرة واثبت القدرة الإلهية بعد نجاة النبي ابراهيم (عليه السلام) من النار وثبوت الحقائق التي يدعو اليها النبي ابراهيم (عليه السلام)، كان لذلك الحدث الذي هز الوجدان دوره الكبير في نشر ديانة التوحيد في تلك البلاد وعجز قوى الشرك عن مواجهة القناعات الجديدة للأفراد التي شكلت حركة اجتماعية في الدعوة الى الله تعالى ونبذ عبادة الاوثان.
وهكذا كانت تلك الواقعة ومجرياتها منذ تحطيم الاصنام والى القاء النبي ابراهيم (عليه السلام) في النار ونجاته منها العامل المهم في اعادة بناء الشخصية البابلية في جانبيها الفردي والمجتمعي وانتقل المجتمع البابلي الى النظر الى النبي ابراهيم (عليه السلام) نظرة تقديس تركت اثرها في التعاطي الايجابي مع دعوته الى الله وحفظ مكانة آل ابراهيم (عليه السلام) بعده في تلك البلدان على حد سواء بين الموحدين والمشركين منهم، كما عزز الايمان بالنبي ابراهيم (عليه السلام) والايمان بالله والالتزام بتعاليم الحنيفية التي جاء بها.                                                                                                                                                                                                                                                            




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=155652
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19