• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : عليٌّ.. وشَمسُ النبوّة : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

عليٌّ.. وشَمسُ النبوّة : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى


 بسم الله الرحمن الرحيم
 
كان البحث في فقه حديث المنزلة، وانتهى الكلام إلى بحث الشركة في أمر الخاتم صلى الله عليه وآله، ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾.
 
وختامُ كلِّ المناصب منصب الخلافة، فقد كان مقام هارون بالنسبة لموسى هو الخلافة، وقوله صلى الله عليه وآله: عَلِيٌّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، يثبت مقام الخلافة لعلي عليه السلام.
 
ههنا ينبغي أن يركع ألفُ فخرٍ رازيّ.
قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ (الأعراف142).
فما هو المورد؟
هو الوقت الذي كان موسى مأموراً بالذهاب إلى ميقات الله، والغياب عن قومه ثلاثين ليلة، ثم أتمّها الله له أربعين ليلة، وهذه الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة هي متمِّمَةٌ لتلك الأيام.
 
على مثل الفخر الرازي أن يدرك المورد، ففي مثل هذه الظروف، ومع الأخطار التي كانت محيطةً ببني إسرائيل، ومع ما جرى حتى دعا الله تعالى موسى عليه السلام إلى الميقات، فغاب عن قومه أربعين يوماً، ماذا قال موسى في ذلك الظرف؟
 
﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾: فليضُمَّ علماء المذاهب الأربعة القرآن الكريم لهذه السنة ولينظروا من هو الخليفة؟
 
قال موسى عليه السلام: أنت يا هارون خليفتي في قومي، أنت من ينبغي أن يكون الخليفة في أمتي.
﴿وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا﴾: فلما استخلف هارون ذهب لميقات الله تعالى.
﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾: كلم الله موسى حينها فصار كليم الله.
﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف143).
 
القضية هي مثل هذه القضية، والخلافة في مثل هذا الميقات، حيث طلب موسى أن يخلفه هارون في قومه، فصار موسى المُستَخلِف، وهارون خليفة موسى، على أيِّ جَمعٍ؟ على تمام أمّة موسى عليه السلام.
 
هل كانت خلافته مع الفصل أم بدون الفصل؟
عَلِيٌّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى: المطلب فوق الحدِّ الذي يمكن أن ندركه.
وههنا مقامان:
المقام الأول: معنى الخلافة
 
المقام الأول: معنى الخلافة، فماذا تعني الخلافة؟
إنّ وجودَ الخليفة بالنسبة لمن استخلفه هو وجودٌ تنزيليٌّ، لماذا؟ لأنّ الخلافة هي القيامُ مقامَ المستخلَف عنه، فيُملأ الفراغ بعد وفاة كلِّ نبيٍّ بمن يخلفه.
هذا مفهوم الخلافة، فإذا اتّضح هذا المعنى يتّضح أن الخلافة من المقولات المُشَكِّكَة، فإن المفاهيم على قسمين:
 
1. المفاهيم المتواطئة وهي التي يكون صدقها على الأفراد متساوياً.
2. والمفاهيم المُشَكِّكَة وهي التي لا يكون صدقها على أفرادها بالتساوي.
 
والخلافة من جملة هذه المعاني، فإنّ خليفة آدم ليس كخليفة نوح، وخليفة داوود ليس كخليفة موسى، إذ كلّما كان مقام المستخلَف عنه أرفَع، كان مقام خليفته أرفع، وتكون النتيجة من الجهة العلميّة البرهانيّة أنّ خلفاء الأنبياء هم الذي تتجلى فيهم وِراثة العلم والحكمة ومقامات أولئك الأنبياء.
 
ويملأ خليفةُ موسى الخلأ الذي حصل بعد موسى بن عمران عليه السلام، ويُبَيِّنُ التوراة بدلاً منه، ويملأ خليفةُ عيسى الخلأ بعده ويُفَسِّرُ الإنجيل، ويملأ خليفةُ إبراهيم الخلأ بعده وتتجلى فيه صحف إبراهيم.
 
وتكون النتيجة على هذا القياس، وبحكم المنطق والبرهان، أنّ خليفة الخاتم يملأ الخلأ بعد كلّ الأنبياء، لأنّ كلَّ الأنبياء والمرسلين قد جُمِعُوا في مقام الخاتمية، وهو إمام الأنبياء، فيكون خليفته بالضرورة بَدرَاً يعكس تلك الشمس.
 
لو كان لعلماء العامة القدرة على إدراك هذه البيانات البرهانية، ثم راجعوا الأدلة، هل كانت تبقى المشكلة في مسألة الخلافة؟
 
المقام الثاني: الاستخلاف
 
المقام الثاني: ما هو مضمون الحديث الذي يُعَدُّ سُنَّةً عن النبي صلى الله عليه وآله؟
ولأنّ البحثَ مع أعيان علماء كافّة الفرق، ينبغي أن يكون الدليل مورداً لإجماع الكلّ، وقد أجمع كلُّ علماء العامة وقطعوا بصحة أسانيد صحيحي البخاري ومسلم، ودورنا هو أن نستدل على مطالبنا من هذين الصحيحين.
 
ولأنّ البحث في ميزان البرهان لا الخطابة، ينبغي إبعاد التعصُّب لأنَّهُ حجاب الحقيقة، وينبغي أن تكون الحاكميّة للكتاب والسنّة والعقل والبرهان فقط.
 
تقول الرواية في صحيح مسلم ج7 ص1198 ح6373: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ  ـ وَتَقَارَبَا فِى اللَّفْظِ ـ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟
 
والحديث من عجائب الأحاديث، فبماذا يجيب عليه من كان معاوية في رأيه محترماً ولم يكن مشمولاً للعن الله تعالى؟  وهو الذي سَنَّ سَبَّ عليَّ بن أبي طالب رسميّاً في مملكته! وقد تورَّع أقربُ شخصٍ منه ـ وَمَن أتى بكلِّ فِسقٍ وفجور ـ عن سَبِّ عليٍّ عليه السلام، فآخذه معاوية في ذلك سائلاً عن السبب.
 
فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاَثاً قَالهنَّ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَنْ أَسُبَّهُ، لأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: فقد سمعه سَعد من النبي صلى الله عليه وآله مباشرة، وهذا في صحيح مسلم، فما جواب دنيا التَسَنُّن مقابل منطق سعد بن أبي وقاص؟
 
راوي الرواية هو سعد بن أبي وقاص نفسه، وهو مِمَّن قام بأمور معاوية، والمخاطَب هو معاوية، والسَّنَد هو سَنَدُ مسلم بن الحجاج، فهل هناك حجة قاطعة أكثر من هذا؟ بهذا المخاطِب والمخاطَب والخِطاب.
 
سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: والرواية تكون بالواسطة تارة، وتارة مباشرةً عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال هنا: سَمِعْتُ رَسُولَ الله.
 
يَقُولُ لَهُ خَلَّفَهُ فِى بَعْضِ مَغَازِيهِ: أي أنّه صلى الله عليه وآله جعل علياً خليفة له في بعض الغزوات.
 
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ الله، خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نُبُوَّةَ بَعْدِي»: ألا ترضى أن تكون لك منِّي كلُّ المناصب التي كانت لهارون من موسى نبي الله؟ إلا منصباً واحداً أنّ هارون كان نبياً، ولكن بما أني خاتم النبيين، فإن النبوّة ليست قابلة للإنتقال، وكما أعطى موسى عليه السلام كلّ ما عنده لهارون، أعطيك كل ما عندي، ألا ترضى بهذا؟ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوّة بعدي.
 
وهذا الاستثناء يُثبِتُ بلا ترديدٍ أنّ كُلَّ المنازل التي ثبتت لهارون من موسى كانت لعليٍّ من الخاتم صلى الله عليه وآله، وإحدى تلك المنازل الخلافة، ونَصُّ القرآن يقول: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ أنت خليفتي يا هارون في قومي وأمتي.
 
فتكون خلافة الخاتم صلى الله عليه وآله في قومه متحقّقة بلا فصلٍ لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام.
 
هذا الحديث يُعجِزُ الدنيا، لكن أين الفهم؟ أين الإدراك؟
قال لمعاوية: كيف يمكن أن يتمكن لساني من سب عليّ بن أبي طالب مع ما سمعته بنفسي من النبي صلى الله عليه وآله؟
 
هذا الأمر الأول الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله، ويبقى الثاني والثالث.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=156705
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18