• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : برهان الإمامة في القرآن : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

برهان الإمامة في القرآن : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
البحث في الحديث الصحيح الذي كان مورد اتفاق: عَليٌّ مع القرآن، والقرآنُ مع عليّ، لن يتفرّقا حتى يَرِدَا عَليَّ الحوض.
وصارت النتيجة من جهة فقه الحديث أنّ معرفة عليٍّ ليست متيسرة إلا بمعرفة القرآن، ومعرفة القرآن ليست مُيسَّرَةً إلا بنفس القرآن.
 
وقد تعرَّضنا لقسم من الآيات، وهذا قسمٌ آخر:
﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ (البروج21-22)
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة77-79).
 
وهذه الآية تُحَدِّدُ مَحَلَّ القرآن، وأنّه مجيدٌ في لوحٍ محفوظ، أمّا قوله تعالى: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾، فإن تعريف القرآن فيها بالمجد فوق التصور.
 
ويظهر نموذج هذا المجد لو دقّقنا في سورة البقرة التي يبدأ فيها: ﴿ذلِكَ الْكِتاب‏﴾ أي القرآن الذي بين الدفتين، وفي أيدينا، يُشار إليه ب (هذا) لكنَّه أشار إليه بلفظ البعيد، وسِرُّ الإشارة للبعيد أن القرآن في اللوح المحفوظ، في كتابٍ مكنون، والكتاب المكنون هو المحلُّ الأرفع وهو موطن القرآن.
 
أما أوصاف القرآن فهو: مجيدٌ، كريمٌ، عظيمٌ، حكيمٌ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾.
 
هذه الصفات الأربعة للقرآن، وهي من صفات الله تعالى، ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ (النمل6)، ونتيجة هذه الكلمات أنّ القرآن مَظهَرُ حكمة الباري تعالى.
 
والمهمّ هو ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ﴾ غاية الأمر أن الموجود هو اسم التفسير فقط! أين تنبَّهَ أعيان المفسرين عندهم لهذه النكات مع كل هذه التفاسير التي كُتِبَت؟!
﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ﴾ والطهارة على قسمين:
 
طهارةٌ نُحَصِّلها: كالطهارة من الخبث والحدث، فنحن المتطَهِّرون ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ﴾.
أما هنا فقال ﴿الْمُطَهَّرُونَ﴾ وليس (المُتَطَهِّرون) وكل ما هناك ففي هذه الكلمة، لا يمس هذا الكتاب إلا المطَهَّرُون، غاية الأمر أن كلّ من كتب التفاسير من العامة لم يدركوا هذه النكتة، فينحصر مَسُّه بأولئك المطهّرين، فَهُمُ الذين يصلون للقرآن، ومن هم أولئك المطهرون؟ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب33).
 
المطهَّرون: فاطمة الزهراء، وعلي المرتضى ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا المطَهَّرُونَ﴾.
 
لو فَهِمُوا هذه النكات لم يتلوّثوا بالجهل والأوساخ الروحيّة فيسلبوا خلافة الخاتم صلى الله عليه وآله، وعمدة المشكلة عدم إدارك القرآن.
 
﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ﴾: لماذا لا يمسه إلا المطهرون؟ وينبغي على الجميع أن يأخذوا منهم؟ سِرّ ذلك أن القرآن بنفسه مُطهَّرٌ بالطهارة الإلهية: فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ (الكافي ج8 ص387).
 
فالقرآن تجلٍّ لله تعالى، والتناسب بين الفاعل والقابل يوجب بحكم البرهان أن لا يكون هذا الكتاب المُطهَّر من عند الله ممسوساً من غير المطهرين، لأنّ النظام نظام الحكمة، وينبغي الدقة في هذه النكات.
 
ثم يصل الكلام للغرض من نزول القرآن، فما هي حكمة إنزال هذا الكتاب؟
 
وبيان هذا المطلب في هذه الآية: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ فإن الغاية بعد اللام، لتحكم بين الناس، والناس كلُّ البشرية، فينبغي أن تكون حاكماً على كلِّ من تَصدُق عليه كلمة (الناس) في جميع موارد الاختلاف.
 
قال تعالى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (النحل64).
 
والمطلب الذي لا يُنكرُهُ أحدٌ أن ضَمّ النفي للإستثناء يفيد الحصر الحقيقي، وقد استفيد غرض الإنزال من هذا الحصر في هذه الآية، ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا﴾ فهذا النفي والإثبات، ﴿لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ وهذا غرض الانزال.
 
وهنا ختم الكلام، حيث يطرح هذا السؤال، لأن البحث وفق أدقّ موازين العلم، التي لا يعرفها إلا من وصل إلى مراتب التحقيق والتعمُّق العالية.
 
السؤال الأول: هل النبيُّ صلى الله عليه وآله موجودٌ اليوم أم لا؟
السؤال الثاني: هل الناس موجودون أم لا؟
السؤال الثالث: هل هناك اختلاف بين الناس اليوم أم لا؟
 
أما النبي صلى الله عليه وآله فليس موجوداً.
أما الناس فمنتشرون على الكرة الأرضية.
أما الاختلاف في الأفكار والعقائد والأخلاق والأعمال فإلى ما شاء الله.
 
الطرف المقابل للبحث هو الفخر الرازي لا أيّاً كان، البيضاوي وجلال الدين السيوطي، من كانوا أهل تعمّق، عليهم أن يجيبوا على هذا السؤال.
 
بالنفي والاستثناء فإن القرآن قد نزل حصراً لرفع الاختلاف بين الناس في جميع الأمور، لماذا؟ لأن الآية ﴿لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ تشمل كل ما كان مورداً للاختلاف.
 
والسؤال لجميع أعيان المذاهب الأربعة:
 
هل هناك أحدٌ مع هذا القرآن يمكنه أن يبيّن كل الاختلافات للناس أم لا؟
 
إن قلتم لا، فإن ذلك مخالف لنصّ القرآن ﴿لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾، ومرجع الضمير في (هم) هو الناس، ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ في كل ما كان مورد اختلاف.
إما نعم أو لا.
 
إن قلتم لا فهذا التزامٌ بأن القرآن نفسه ناقصٌ، وكلامكم مخالفٌ لنَصّ القرآن نفسه.
 
وإن قلتم نعم: فمن هو؟
البعض فهم ذلك، كابن حجر العسقلاني: تفحصت فوجدت أن شخصاً من عترة النبي صلى الله عليه وآله يبقى مع القرآن إلى يوم القيامة.
 
لا حلَّ إلا هذا.. فلو استيقظت الدنيا لرأت أنّ بُرهان وجود الإمام عليه السلام أوضح من أي برهان، وأنّ القرآن يبين وجوده من أوله لآخره، لكن مَن الذي يفهم؟
 
لا بُدَّ من وجود مَن يرفع الاختلاف بين كلّ الناس بالقرآن الكريم، ويُخرج البشرية بالقرآن من كل ظلمةٍ وجهلٍ إلى نور العلم، هذا صريح القرآن، فهل هو قابل للجواب؟
 
لو اجتمعت الدنيا: هل يمكنهم الإجابة على هذا البرهان؟
 
الآن ينبغي النظر في من هو رافع الاختلاف: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ فمن هو مُخرج الناس من الظلمات بعد النبي صلى الله عليه وآله؟ اثنان واثنان أربعة..
 
أما أبو بكر، فنذكُرُ نَصَّ المطلب الآن والشرح حتى وقت آخر.
 
سئل أبو بكر عن الكلالة: فِطرَةُ الناس توجب أن يسألوا ويتعلّموا القرآن ممن جَلَسَ مكان النبي صلى الله عليه وآله، فينبغي أن يُجيب من جلس مكانه على ما يجهله الناس في القرآن الكريم.
 
فقال: إنّي سأقول فيها برأيي: لهذه الجملة دلالةٌ مطابقية، وأخرى التزامية، أما الدلالة المطابقية فهي أنّي سأجيب على سؤالكم بحسب رأيي الخاص، والدلالة الالتزامية أنّه ليس عندي علمٌ بكلام الله تعالى، فهو يعترف بِجَهله بالقرآن، وهذا صريحُ كلامه الذي نقله الجميع، والمهم ما قال بعد ذلك:
 
فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان: هذا المطلب الذي وقع مورد تصديق أهل الفنّ من المفسرين والمحدثين، أنّه لم يعرف معنى كلمةٍ من كلمات القرآن، عندما سألوه عن معنى الكلالة في القرآن فقال أنه لا يعرف، وأنه سيقول برأيه، فإن كان حقاً فمن الله، وإن كان باطلاً فمن نفسه ومن الشيطان الذي معه.
 
هذا اعتراف الخليفة الأول، وتأتي بقية الكلام.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157241
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16