• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الابتلاء ودوره في بناء الانسان (23) بنو اسرائيل والتلاقح الحضاري .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

الابتلاء ودوره في بناء الانسان (23) بنو اسرائيل والتلاقح الحضاري

 من الابتلاءات الكبرى التي واجهت مجتمع بني اسرائيل في مرحلة ما بعد انهاء دولتهم التي اثبتوا كمجتمع عدم اهليتهم لحمل الامانة الالهية واقامة حكم الشرع الالهي على الارض هي مسالة الابتلاء بولادة النبي عيسى (عليه السلام).
البشارات الالهية على لسان الأنبياء وصلت الى مجتمع بني اسرائيل بولادة يحيى وعيسى (عليهما السلام) والنبي محمد (صلى الله عليه واله).
فكانت البشائر الالهية بمنجي بني اسرائيل من الذل الذي عاشوه يسري في المجتمع الاسرائيلي الذي ينتظر الانعتاق من ظلم ملوك بني اسرائيل المرتمين في احضان الرومان ومن ظلم كهنة المعابد الذين سخروا الدين لمنافعهم الشخصية ومن الظلم الاجتماعي الذي كان يتعاطاه ابناء المجتمع فيما بينهم، فكان انبياء بني اسرائيل ومستضعفوهم ينتظرون ساعة الخلاص.
وتشير النصوص ان  حكماء من الفرس كانوا يتوقعون من خلال العلامات الفلكية وحركة النجوم ظهور النبي المخلص لبني اسرائيل وهذا يكشف ان العلوم والمعارف التي كان يبثها انبياء بني اسرائيل وصلت الى المجتمع الفارسي وان الفرس كانوا يعتقدون بصدق الاخبار التي وردتهم من طريق حملة التوراة بعد السبي البابلي لبني اسرائيل .
وهنا من المهم ان نشير الى ان الكثير من الدراسات التي قام بها الاكاديميون عند البحث في تراث الشعوب واساطيرهم وادابهم تؤشر الى وجود اثار مهمة لانتقال الاخبار التوراتية الى حضارات المجتمعات الاخرى بحيث اثرت في نظرتهم الى بداية الكون والتاريخ الانساني على الارض، فالحضارة الهندية والصينية والفارسية فضلا عن الحضارات الرومانية واليونانية والمقدونية جميعها تشير الى وجود الانسان الاول على الارض والى حادثة الطوفان وغرق الارض الذي تسبب عن غضب الهي نتيجة لمعصية اهل الارض، كما ان الاكتشافات الاثارية في تلك البلدان تشير الى وجود المجتمع البشري فيها في الفترة التي تعاصر الفترة المقاربة لوجود النبي ابراهيم (عليه السلام)، وفي الوقت ذاته تشير التنقيبات الاثرية الى ان مبدا الحياة البشرية على كوكب الارض كان في ارض وادي الرافدين قبل ظهور الفرس والمصريين فضلا عن المجتمعات البشرية الاخرى. كما تشير التنقيبات الاثرية الى ان انتشار المجتمع البشري كان نتيجة هجرة الاقوام من مناطق تواجدها الاول الى مختلف مناطق المعمورة.
ومن هنا يتبين ان التلاقح الحضاري بين مجتمعات العالم القديم كان لنبوءات بني اسرائيل فيه الاثر الكبير وان ذلك الاثر اتسع وانتشر بعد قيام دولة بني اسرائيل في بلاد الشام لكونها ملتقى الحضارات الكبرى في العالم آنذاك اذ كانت تمثل حلقة الوصل بين البابليين والفرس الذين يسكنون شرق وجنوب حدود مملكة بني اسرائيل والفراعنة الذين يسكنون غرب مملكتهم، فضلا عن العرب في اليمن وشبه الجزيرة العربية.
كما كان للسبي البابلي اثره الكبير في انتشار القيم الحضارية لبني اسرائيل في مختلف البلدان التي انتشروا فيها بعد انهيار مملكتهم كبلاد بابل وفارس والهند والصين بل بلغ اثرهم ان اعتنق بعض ملوك اليمن الديانة اليهودية ـ وهذا يدل على ان الديانة اليهودية لم تكن مختصة ببني اسرائيل بل كانت دعوة هداية للمجتمع البشري وان كان اغلب معتنقيها هم بنو اسرائيل ـ هذا فضلا عن تأثير حضارة بني اسرائيل بالحضارة المصرية وتأثير تلك الحضارة بالمجتمع الرومي ـ الاناضول ـ كان الروم ايضا متأثرين بالجوانب الحضارية التي كانت في بلاد الشام، وتشير جملة من النصوص ان ايوب النبي (عليه السلام) كان يعتبر من الروم وانه لما ابتلي بالمرض كان يسكن في بلاد الشام، وهذا ان دل على شيء انما يدل على التلاقي الحضاري بين الامم والمجتمعات في تلك الحقب الزمنية.
مضت اجيال كثيرة بين اخر دولة مستقلة لبني اسرائيل وولادة عيسى (عليه السلام) في تلك الفترة اعاد بنو اسرائيل كيانهم في مناطق سيطرتهم في بلاد الشام ولكنهم كانوا تابعين للإمبراطوريات الكبرى التي حكمت العالم انذاك ففي بداية عودتهم لبلاد الشام كانت الامبراطورية الفارسية هي الامبراطورية الاعظم على الارض حيث مدت نفوذها  شرقا في الهند وفارس وجزيرة العرب وغربا في بلاد الرافدين والشام ومصر، واستمر الحال كذلك حتى ظهر الاسكندر المقدوني وبدأ بفتوحاته الكبرى فأصبحت الكرة الارضية بتمامها تخضع لسلطانه وبعد وفاته عادت الامبراطورية الفارسية من جديد مع انحسار سلطتها عن الشام ومصر ليحل الرومان محلها في تلك الارض، وبذلك تحول بنو اسرائيل في بلاد الشام الى رعايا في الدولة الرومانية .
على الصعيد الداخلي لبني اسرائيل يمكن ان يلاحظ ان القوى المؤثرة في المجتمع الاسرائيلي تنقسم الى عدة اقسام:
أـ السلطة الزمنية   ب ـ المعبد     ج ـ الأنبياء   د ـ القوى الاجتماعية
أـ في هذه المرحلة من عمر بني اسرائيل كانت السلطة الزمنية تدار من قبل ملوكهم الذين يتداولون السلطة وراثيا، وكما هو الحال في بقية ملوك الارض اختلفت توجهاتهم باختلاف قوة شخصياتهم ورغباتهم ونزعاتهم وميولهم حتى ورد في بعض الروايات التاريخية ـ لا نجزم بصحة هذه الروايات ـ ان بعض ملوك بني اسرائيل كانت لهم اوثان يعبدونها، وكذلك فان قرب الملوك من المعبد والأنبياء واتباع احكام الشريعة يختلف باختلاف التزامهم وتوجههم الروحي.
ب ـ المعبد وهو المؤسسة الدينية المسؤولة عن الجانب الروحي والتشريعي في المجتمع الاسرائيلي وظهر بين قيادات المعبد البعض ممن سخروا الدين لمصالحهم الشخصية وتلاعبوا بأحكام التوراة تبعا لما تقتضيه مصالحهم ومنافعهم، وكان زعماء المعبد يمثلون الجانب الرسمي للسلطة الدينية في المجتمع الاسرائيلي.
ج ـ الأنبياء، جرت السنة الالهية في بعث الأنبياء الى بني اسرائيل بحيث لم تخل فترة زمنية من نبي فيهم منذ ان بعث يعقوب (عليه السلام) وحتى بعثة النبي عيسى (عليه السلام) وكان أنبياء بني اسرائيل في الفترة ما بين النبي ابراهيم (عليه السلام) والنبي موسى (عليه السلام) يحكمون تبعا لتعاليم شريعة النبي ابراهيم (عليه السلام)، وبعد نزول التوراة على موسى (عليه السلام) اصبحت احكام التوراة هي الشرع الجديد لمجتمع بني اسرائيل، فالتوراة كانت تتضمن التشريع الالهي الذي يتناسب مع ضرورات المرحلة الجديدة التي سيعيشها المجتمع الاسرائيلي بعد ان يسكنوا الارض المباركة التي كتبها الله لهم والتي ستكون لهم السلطة الزمنية فيها في ظل حكم يوشع بن نون (عليه السلام).
د ـ القوى الاجتماعية، في كل مجمتع هناك قوة اخرى غير القوى الثلاثة التي اشرنا اليها، وهي القوة المجتمعية التي تتألف من التجار والزعامات القبلية صاحبة التأثير الواسع على شرائح المجتمع المختلفة، كما تعتبر مصدرا مهما لدعم السلطتين الزمنية والدينية في مختلف العصور والحضارات والمجتمعات.
وعند قراءة واقع القوى الفاعلة في مجتمع بني اسرائيل في الفترة الواقعة بين سقوط الدولة اليهودية وحتى ولادة السيد المسيح (عليه السلام) نجد ان الأنبياء (عليهم السلام) كانوا محاربين من قبل الشخصيات المؤثرة في القوى الثلاث فالملوك ورؤساء المعابد وكبار الملاكين كانوا بعيدين عن مقتضيات الدين والتشريعات الالهية والى هذا المعنى اشارت العديد من الايات الكريمة: 
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ، وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ، ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157653
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16