• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الأسبوع القرآني للإمام الجواد "عليه السلام" ( 5 ) .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

الأسبوع القرآني للإمام الجواد "عليه السلام" ( 5 )

  *- الآية الخامسة:* 

قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾. [سورة الإنسان: الآية 3]
* روى علي بن إبراهيم القمي ((عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِيْ عُمَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ [الإمام الجواد] "عليه السلام" عَنْ قَوْلِ الله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ قَالَ "عليه السلام": إِمَّا آخِذٌ فَشَاكِرٌ، وَإِمَّا تَارِكٌ فَكَافِرٌ)).                  

إنَّ الرواية التفسيرية الشريفة تبيِّن مسألة من المسائل المهمة المتعلقة بتكريم الله تعالى لعباده بصورة عامة، وبيان المنهج المتبع للتكامل الإنساني، من خلال ﭐنقياد الإنسان لتعاليم الشريعة المقدسة التي تهدف إلى سعادته في الدنيا والآخرة، بطاعته تعالى، فضلًا عن بيان الرواية التفسيرية في تصنيف العباد تجاه الهداية الإلهية، ونحاول من خلال الآية المباركة والرواية الشريفة بيان موضوعين بإيجاز، يتناول الأول مصطلح الهداية وما يتعلق به، والآخر أقوال المفسرين في الآية المباركة.

 *- أولًا: المراد من الهداية* 
لقد ورد لمصطلح الهداية معانٍ متعددة ذكرها الأعلام في مؤلفاتهم نذكر منها بإيجاز ما يأتي:
قال الراغب الأصفهاني: ((وَهِدَايَةُ الله تَعَالى لِلْإِنْسَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: 
* الأول: الْهِدَايَةُ الَّتِىْ عَمَّ بِجِنْسِهَا كُلَّ مُكَلَّفٍ مِنَ الْعَقْلِ وَالْفِطْنَةِ، وَالْمَعَارِفِ الضَّرُوْرِيَّةِ الَّتِيْ أَعَمُّ مِنْهَا، كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ فِيْهِ حَسْبَ ﭐحْتِمَالِهِ، كَمَا قَالَ: ﴿رَبُّنَا الَّذِيْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾.
* الثاني: الْهِدَايَةُ الَّتِيْ جَعَلَ لِلنَّاسِ بِدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى أَلْسَنَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَقْصُوْدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾.
* الثالث: التَّوْفِيْقُ الَّذِيْ يَخْتَصُّ بِهِ مَنِ ﭐهْتَدَى، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ ﭐهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾، وَقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِيْنَ جَاهَدُوْا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
* الرابع: الْهِدَايَةُ فِيْ الْآخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ، الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: ﴿سَيَهْدِيْهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾.
وَهَذِهِ الْهِدَايَاتُ الْأَرْبَعُ مُتَرَتِّبَةٌ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ تَحْصَلْ لَهُ الْأُوْلَى لَا تَحْصَلُ لَهُ الثَّانِيَةُ، بَلْ لَا يَصُحُّ تَكْلِيْفُهُ، وَمَنْ لَمْ تَحْصَلْ لَهُ الثَّانِيَةُ لَا تَحْصَلُ لَهُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ)).
 فالهداية ظاهرة في أنَّ المقصود منها البيان والإرشاد لما فيه الصلاح والكمال والرشاد، إلا إذا ﭐستعملت لغير ذلك مجازًا لا حقيقة كما في قوله تعالى: ﴿ﭐحْشُرُوْا الَّذِيْنَ ظَلَمُوْا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوْا يَعْبُدُوْنَ * مِنْ دُوْنِ الله فَاهْدُوْهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيْمِ﴾، فاستعمل لفظ (الهداية) مع الجحيم للتهَكُّمِ.

 *- ثانيًا: أقوال المفسرين في الآية المباركة* .
ذكر المفسرون آراء متعددة في بيان المراد من الآية المباركة، ونختصر في هذه السطور على مفسرَيْنِ منهم في بيان ذلك:
1- قال الشيخ الطوسي 📖: ((الْمَعْنَى إِمَّا يَخْتَارُ يُحْسِنُ ﭐخْتِيَارَهُ الشُّكْرَ  لله تَعَالَى وَالْاعْتِرَافَ بِنَعَمِهِ فَيُصِيْبُ الْحَقَّ، وَإِمَّا أَنْ يَكْفُرَ نِعَمَهُ وَيَجْحَدَ إِحْسَانَهُ فَيَكُوْنَ  ضَالًّا عَنِ الصَّوَابِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُخَيِّرٌ فِيْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ التَّهْدِيْدِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾.... وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْبَيَانَ عَنْ أَنَّهُ  قَادِرٌ عَلَيْهِمَا فَأَيَّهُمَا ﭐخْتَارَ جُوْزِيَ بِحَسَبِهِ)).
فالإنسان في الواقع يحتاج إلى مَنْ يهديه السبيل الأكمل لمسيرته الابتلائية في الدنيا؛ ليتعرَّف عليها من جهة، ويختار أيهما أفضل له من جهة أخرى، فيحدد منهجه على وفق ذلك التخيير النفسي، وإلا فإنَّ الله تعالى لا يريد أنْ يعرِّف الإنسان نتيجة هذين الطريقين فقط، بل يريد منه أنْ يختار طريق الصلاح والفلاح والشكر، والابتعاد عن الطريق المقابل لذلك، وإنَّ في ختام كلامه (وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْبَيَانَ عَنْ أَنَّهُ  قَادِرٌ عَلَيْهِمَا فَأَيَّهُمَا ﭐخْتَارَ جُوْزِيَ بِحَسَبِهِ) ففي هذا إشارة إلى أنَّ الإنسان هو الذي يختار أحدهما، وليس الله تعالى يختار له؛ خوف الوقوع في مشكلة الجبر.
2- قال السيد الطباطبائي📖: ((الْهِدَايَةُ بِمَعْنَى إِرَاءَةِ الطَّرِيْقِ دُوْنَ الْإِيْصَالِ إِلَى الْمَطْلُوْبِ))، وهو كلام دقيق في بيان الهداية في الآية المباركة كما تقدم، حيث الإراءة للطريق تخالف الإيصال للطريق الذي يؤدي إلى الجبر الذي لا يمكن أنْ يطلق على الله تعالى.

مما تقدم في بيان الرواية التفسيرية للإمام الجواد "عليه السلام": (إِمَّا آخِذٌ فَشَاكِرٌ، وَإِمَّا تَارِكٌ فَكَافِرٌ)، نرى إشارة واضحة إلى أنَّ الآخذ هو المتمسك بتعاليم الله تعالى من خلال الهداية الفطرية والقولية الداعية إلى الاعتراف بوجود خالق عظيم لهذا الكون وما فيه، توجب الإذعان إليه والأخذ بتعاليمه التي أوجبها من خلال تشريعاته المقدسة، أو متمرِّد على تلك الهدايتين كافر بما يتعلق بهما كذلك.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157895
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29