• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اهل البيت عليهم السلام ، بين السيرة والعقيدة .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

اهل البيت عليهم السلام ، بين السيرة والعقيدة

ثمّة نوع من عدم الإنسجام يجده القارىء عن أهل البيت عليهم السلام بين كتب العقيدة وكتب السير والتاريخ ، قلنا بعدم الانسجام ولا نقول بالتناقض او التعار ض - الا ما ندر - ، فترسم كتب العقيدة في مخيلتنا هالة كبيرة من القداسة - وهم أهل للقداسة - الى الدرجة التي نكاد نصل بها الى حدّ الغلوّ واخراجهم عن دائرة الطبيعة البشرية .. في حين تطل علينا من الجهة الأخرى كتب السيرة والتاريخ بقصص واخبار عن شخصياتهم الطبيعية كبشر أو قادة وأعيان مجتمع ودين .. لهم ما لغيرهم في المجتمع وعليهم ما على الآخرين ..

نعم يتفردون بكثير من الفضائل والمكارم والصفات الحميدة التي تجعلهم متفردين بها فعلاً عن غيرهم ، ولكنهم على كل حال بشر يعيشون عيشة طبيعية مع انفسهم وأسرهم واصدقائهم واعدائهم .. كما يعيش غيرهم ..!!

فهذا الفاصل وهذا الاختلاف بين النظرة العقدية والنظرة التاريخية كيف يُفسّر وكيف يتم التعامل معه ..!

والجواب سنحاول وضعه في نقاط :

١. علينا ان نستفيد من هذا الاختلاف في تصحيح وتهذيب بعض العقائد او لنقل التصورات العقائدية الخاطئة اتجاه اهل البيت والتي تضفي عليهم ما لا يقبلون هم لأنفسهم من الصفات والنعوت عليهم السلام ، ومن جهة اخرى نتعرف على المظلومية التي كانوا يعيشونها صلوات الله عليهم في ذلك الزمان وعدم اعطائهم حقهم من الإهتمام والاحترام اللازم ..

فالعقيدة الصحيحة لا تسلب عن أهل البيت بشريتهم ولا تنزههم عن طبيعتهم الإنسانية ، وكل ما عدا ذلك يجب نبذه وحذفه وإجراء التعديلات اللازمة عليه ، وطبيعتهم البشرية ايضا لا تسلب عنهم مقاماتهم النورانية ولا مراتبهم الربانية ..

ولقد انتقد القرآن الكريم هذا الالتباس بين التصورات العقائدية المشوّهة للأنبياء وطبيعتهم البشرية ، قال تعالى ( وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ، أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ، انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) الفرقان ٧ ، ٨ ، ٩

٢. كتابة التاريخ او العقيدة بقلم محبّ غال أو مبغض قال - على حد تعبير أمير المؤمنين ع - كفيل بإحداث بعض المسافات وتعزيز هكذا اختلافات ، فهذا يشعر أنه مهما نحت من عبارات ونقش من كلمات لا يمكن أن تترجم مدى ايمانه ومحبّته لهم عليهم السلام ولهذا ينزلق قلمه الى ما لا ينبغي أن يذهب اليه ( ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) يوسف ٣١ ، وذاك يشعر بشعور مغاير فتراه يوغل في بشرية النبي او الإمام الى الحد الذي يعصي الله فيه ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) الاعراف ١٢

٣. طغيان الأسلوب الأدبي والخطابي والشعائري .. غالباً ما يكون سبباً في حدوث هكذا تطرف وهكذا ميول حادة الى اليمين او اليسار ، لأن هذه الأساليب تحرك المشاعر وتهيّج العواطف الى الدرجة التي يتعطل عندها التعقل والتفكير الصائب والمعتدل .

٤. كان أهل البيت ع حريصين على التعايش الطبيعي مع الناس ، فرغم كراماتهم الربانية وقدراتهم الاعجازية التي اكرمهم بها والتي ثبتت للقاصي والداني ، الا أنهم لم يستغلّوها ولم يحاولوا تمييز أنفسهم بها عن الآخرين ..

ورغم حرصهم هذا ظهرت لهم من المعاجز والكرامات الكثير والكثير ما تسبب في انحراف بعض معاصريهم عقائدياً ووقعوا بمعصية الغلوّ والشرك والعياذ بالله ، والمجال لا يسمح هنا بذكرها والتفصيل بها .. ولهذا صدرت عنهم صلوات الله عليهم تعليمات وتوجيهات تنظّم هكذا انحرافات وتعالج هكذا اختلافات ، فعن الامام الباقر ع : ( يا معشر شيعة آل محمّد، كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي ) بحار الانوار ج ٦٥ ص ٧٨ ، وعن صادق العترة : ( لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم، اجعلونا مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا ) البحار ج٢٥ ص ٢٧٩

٥. هنالك سبب دقيق نختم به ، وهو أن مرور الزمن وتطاول الأيام بطبيعته يضفي على الأمور والأحداث والشخصيات شيئاً من الأسطورية بالشكل الذي يسمح ان تتكون صورة خيالية او تتوقع بعض الاشياء الخارقة .. الخ ، هذا في الجانب العقائدي ، بينما التاريخ ينقل لنا الأمور بحسب زمانها وحجمها الطبيعي ولم ينظر لها بمنظار التلسكوب الزمني اذا صح التعبير ، وهنا يحدث هذا الفارق الذي حاولنا علاجه وذكر بعض أسبابه ..

هذه محاولة لتقريب ومعالجة المسافة بين التصور المنطبع في الذهن عن أهل البيت ع في كتب التاريخ والتصور والانطباع الذي نجده لهم في كتب العقائد ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158033
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20