يقصد بحرية التعبير في الفقة الإسلامي أن يكون الإنسان حراً في تكوين آرائه بناء على تفكيره الشخصي، دونما تبعية أو تقليد لأحد أو خوفاً من أحد, وأن يكون له كامل الحرية في إعلان هذا الرأي بالأسلوب الذي يراه، وقد نادى الإسلام بحرية الرأي بالمعنى المتقدم، وكفلها وجعلها حقاً واجباً في نفس الوقت، وحقق لها الحماية في الواقع العملي، بل إنه جعلها أحد المبادئ المتفرعة عنها، وعماداً وأساساً من أسس المجتمع الاسلامي, وهو مبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وبذلك يمكن القول: إن حرية إبداء الرأي, والحق في التعبير أقرب إلى الواجب منها الى الحق، وخاصة في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق شروطه التي يبحثها الفقهاء، تعتبر من فروع الدين، وكذلك يأمر الله سبحانه وتعالى الحاكم أن يشاور الرعية، ومن ثم على المحكوم واجب تقديم النصح والمشورة، وأن يكون ذلك في حرية تامة بغير رغبة ولا رهبة، وفي هذا حث على حرية التعبير وإبداء الرأي، بل وجوب بيان الصالح وتقويم الطالح، وعدم جواز السكوت على الظلم والجور. وقد أولى الإسلام لحرية التعبير العناية والاهتمام، وكفلها للجميع دون استثناء حكاماً ومحكومين، بل ودعا إلى تحمل الإيذاء في سبيلها، والاستشهاد دونها.
وعليه فأن حرية التعبير في الفقه الاسلامي ليست مجرد إحدى الحريات الفكرية التي إن شاء الإنسان مارسها، وإن شاء تركها، وإنما هي واجب على المسلم تؤدي الى كفالة وصول الصالح الى الحكم، واستبعاد الطالح من ناحية، والى ضمان الحريات والحقوق الأخَر، وإلى تقويم الحاكم وأعوانه من ناحية ثالثة.
ومما تقدم فأنه من الواجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف، وأن ينهي عن المنكر, أي أن يأمر بالخير ويساعد عليه، وينهى عن المنكرات والشرور، وأن لا يبقى منها موقف المتفرج دون أن يحاول منعها، أو يحتج عليها؛ لأن واجب المسلم العمل على تطهير المجتمع الإسلامي منها.
ويخبرنا القرآن الكريم أن ترك هذا الواجب يؤدي الى هلاك الأمم وانحطاطها كما حدث لبني اسرائيل حيث إنهم: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ).
وجعل القرآن الكريم أفضلية الأمة الاسلامية على سائر الأمم مرتبطاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ قال سبحانه وتعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...). وتتفرع هذه الحرية الى عدة فروع أساسية، فمن ناحية حرية الاجتهاد والتفكير واجبة في المسائل الشرعية وفي الأمور الفقهية التي لا يوجد فيها نص في الكتاب أو السنة من علماء الأمة وفقهائها، حتى يستخرجوا الحلول لمشاكل الحياة المتجددة، ولمواجهة التطورات المتلاحقة في شؤونها.
|