• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : من تكلَّم في غير فنِّه أتى بالعجائب .
                          • الكاتب : مرتضى الهجري .

من تكلَّم في غير فنِّه أتى بالعجائب

( نظرية عدالة الصحابة )

و التدليس بأن الائمة عليهم السلام، عدلوا جميع الصحابة، استنادا على رواية، فهمها وفق مزاجه الخاص.

 أولاً: الحديث وارد في باب (اختلاف الحديث)؛ كما عنونَه الكليني في الكافي: ج١/ ص٦٢.

وليس له علاقة بملف (عدالة الصحابة)، لا من قريب ولا من بعيد، كما حاوَل تصويره للمتابِع!

وهذا نصُّ الحديث بالكافي: ج١/ ص٦٥/ ح٣ ..

«علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن منصور بن حازم، قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) : ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب؛ ثم يجيؤك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟ فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان، قال: قلتُ: فأخبرني عن أصحاب رسول الله (ص) صدقوا على محمد (ص) أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قال: قلتُ: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله (ص) فيسأله عن المسألة، فيجيبه فيها بالجواب؛ ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب؟ فنسختِ الأحاديثُ بعضها بعضاً».

ثانياً: إسناد الحديث صحيح بلا إشكال .. ولكنه فردٌ غريبٌ من جهة بعض ألفاظه؛ فالمازندراني بشرح الكافي: ج٢/ ص٣٢٥ قال: «هذا الحديث عندي من المتشابه؛ وما أعرف معناه!».

ثم لابد من تنقيح أصالتَي: جهته وظهوره؛ ليتم له الاحتجاج به، ما يكفي تنقيح أصالة صدوره، وهو يَعرف هذه الاشتراطات المنهجية جيداً.

إلا أن يَحكم بالتبعيض في حُجيته؛ يقول: بعض ألفاظه حُجة مثلاً .. فيطالَب هو ببرهنة مدَّعاه.

ثالثاً: محل الشاهد بالحديث قوله: 

«فأخبرني عن أصحاب رسول الله (ص) صدقوا على محمد (ص) أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا».

وهو غير ناظر للعدالة؛ بل هو ناظر للصدق في رواية الحديث! والصدق لربما يجتمع بالفسق، وقد يجتمع بالكفر = ما من ملازمة بين الإيمان والصدق - كما هو واضح -.

رابعاً: حتى لو تنازلنا عن هذا الظاهر، وقلنا: إن المراد هو (العدالة)؛ فإن في المقام قرينة لُبِّيَّة تمنع من إرادة عدالة عموم الصحابة في نفس السؤال والجواب ..

ذلك لأن منصور بن حازم: (من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمِّ واحد منهم) .. كما يعبِّر المفيد برسالته. 

فلا يمكن لمثله أن يسأل الصادق (ع) عن عدالة كل الصحابة؟ ويجيبه (ع) بالإيجاب المطلق! 

كيف وهو يعلم يقيناً بانحراف بعضهم؟ بل هذا من الواضحات في القرآن والسنة والتاريخ!

فيكون سؤال منصور - لو قلنا بإرادة العدالة - ناظراً لحال بعض الصحابة المؤمنين الحافظين لكلام رسول الله (ص)، وليس كل الصحابة! كما ذكر المازندراني في شرح الكافي: ج٢/ ص٣٢٦، والمجلسي في مرآة العقول: ج١/ ص٢١٧.

ويشهد لذلك؛ الحديث الذي رواه الكليني قبل هذا الحديث بالكافي: ج١/ ص٦٤/ ح٢ .. موثَّقاً؛ 

قال: «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (ع) قال: قلتُ له: ما بالُ أقوامٍ يروون عن فلان وفلان عن رسول الله (ص) لا يُتَّهمون بالكذب؛ فيجيء منكم خلافه؟ قال: إن الحديث يُنسخ كما يُنسخ القرآن».

والشاهد بالحديث قوله:

«ما بالُ أقوامٍ يروون عن فلان وفلان عن رسول الله (ص) لا يُتَّهمون بالكذب».

يبدو واضحاً من لغة الحوار أن المرتكَز في ذهن المتحاورَين - لحظة الخطاب - صدق الصحابة غير المنحرفين وغير المخطئين.. كما بالشافي: ج٢/ ١٣٦، والمرآة: ج١/ ص٢١٦.

ولو تنازلنا عن كل ذلك؛ وقلنا: المراد هو عدالة جميع الصحابة - بخلاف الظاهر - فلا مندوحة من الالتزام بالتقية من الإمام (ع)؛ كما أفاد في مرآة العقول: ج١/ ص٢١٦.

لأن لا مجال لرفع اليد عن محكمات الأدلة؛ من القرآن والسنة والتاريخ> بعدم استقامة ونزاهة بعض الصحابة .. والتمسك بهذا الحديث الفرد الغريب .. كما لا يمكن إغفاله وإهماله لصحته؛ فلزم توجيهه أو تأويله، جمعاً بين الأدلة.

خامساً: ليس من مباني الشيعة - وهو يَعرف ذلك تماماً - تفسيق أو تكذيب جميع الصحابة؛ بل الشيعة تلتزم بعدالة أو صدق جملة وافرة منهم، حسب المعطيات الشرعية ..

مثل:

• سلمان الفارسي.
• أبي ذر الغفاري.
• المقداد الكندي.
• عمار بن ياسر.
• أبي سعيد الخدري.
• جابر بن عبد الله.
• خزيمة بن ثابت.
• زيد بن أرقم.
• أُبَي بن كعب.
• سعد بن معاذ.
• حذيفة بن اليمان.
• أبي الهيثم بن التيهان.
• سهل بن حنيف.
• عبادة بن الصامت. 
• أبي أيوب الأنصاري.

هؤلاء نماذج فقط - ومن غير الأسرة النبوية الشريفة - وإلا فالأرقام كثيرة جداً؛ أحصاها المامقاني في تنقيح المقال، وغيره في غيره.

سادساً: لا يقع التعارض بتاتاً بين هذا الحديث، وبين أحاديث «ارتدَّ الناس بعد رسول الله (ص) إلا ثلاثة أو أربعة» ..

وذلك لأن المراد بالردة هو: الحيدة عن الإيمان الذي هو أخصُّ من الإسلام .. فيبقى المرتدون - بهذا المعنىٰ - على ظاهر الإسلام! لا بل كثير منهم لم يرتد عن الإمامة؛ بل بقي معتقداً بها، لكنه تخاذل عن نصرة الإمام (ع) فاقترف بذلك ذنْباً كبيراً جداً .. وهو غير الإنحراف العقدي.
ثم لا تلازم بين الردة بعد رسول الله (ص) وبين الاستمرار فيها طول الحياة .. فكثير منهم تاب وأناب! ويدل على ذلك: معارضتهم لخلافة أبي بكر، بل مواجهتهم له علانية؛ كمالك بن نويرة وقومه .. وغيرهم ممن ذكرهم التاريخ!

حتى قال أمير المؤمنين (ع) كما في الخطبة الشقشقية بنهج البلاغة: ص٤٥، «فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ (ع)، وَشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ».

ويؤكد ذلك؛ ما قاله السيد المدني بالدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: ص٣٩، «اعلم أن كثيراً من الصحابة رجع إلى أمير المؤمنين (ع)، وظهر له الحق بعد أن عانده، وتزلزل بعضهم في خلافة أبي بكر، وبعضهم في خلافته (ع) - وليس إلى استقصائهم جميعاً سبيل - وقد اتفقتْ نقلة الأخبار على أن أكثر الصحابة كانوا معه (ع) في حروبه».

سابعاً: نتمنى من السيد الحيدري يرتفع بالسَّرد النخبوي عن التعاطي الشعبوي؛ فالطرح العام - بالأسلوب المستفز - من شأنه استدعاء مقاربات انطباعية بلا أدوات تخصصية!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158823
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28