• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عبدٌ تسلق شجرة التاريخ .
                          • الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي .

عبدٌ تسلق شجرة التاريخ

 كثيراً ما تخدعنا المظاهر ، وتجذبنا الديكورات الفخمة ، وننخدع بالشخصيات الضخمة المنتفخة ، التي تكاد أن تنفجر بما أصابها من الانتفاخ .

نعم 
الذي يلفت انتباهنا من الشخصيات الإجتماعية -والتي نجعل لها وزناً ونتسارع في التملق إليها ورفعها ، وإذا حضرت تناثرت عليها كلمات الإطراء والمديح والتزلف ، لكنها واقعاً فارغة المحتوى - وهذه الشخصيات قد تتمثل بإصحاب المناصب في الدولة وزراء محافظين مدراء ، أصحاب المراتب العسكرية وغيرهم .
وقد تتمثل بشيوخ عشائر ورثوا المشيخة لا لأمتيازات بتلك الشخصيات لكن فقط للإرث الإجتماعي ، ولو دققنا في تلك الشخصيات لا يوجد عندها أي مؤهل علمي أو عملي تستحق به ذلك المكان . 
وقد تتمثل تلك الشخصيات بإصحاب الأموال الأثرياء ، الذين حالفهم الحض وخدمتهم الظروف ، بأن يصبح له رصيد وشأنية في المجتمع بسبب نفحة المال لا نفخة الروح ، فترى الإجلال لهم من قبل الناس ، ولكن بدون أي مقابل قدموهم للمجتمع سوى التمدد كالطفيليات على امتصاص جهود الآخرين . 
نعم وأستثني من كل هؤلاء أصحاب المباديء والقيم ، وأهل الدين والورع . 
حتى لا نظلم الناس اشيائهم .
لكن الأعم الأغلب حصلوا على تلك المناصب الإجتماعية بدون استحقاق .
في حين نجد أن التاريخ خلد لنا شخصيات لم تكن ذات منصب إجتماعي مهم ، فلم تكن ركناً من أركان الدولة ، ولا شيخاً من شيوخ العشائر ، ولا صاحب ثروة ، بل كان عبداً مملوكاً ينظر إليه بعين الازدراء ويتعامل معه باحتقار ، لكن هذا العبد أخذ له مساحةً واسعةً من التاريخ ، بل ويتجدد ذكراه في كل عام قبل عشرة أيام من شهر محرم الحرام . 
نعم إنه ذلك العبد الموالي ( سالم ) ومن سالم ؟
لو نظرت بمجهر إلى مجتمع الكوفة لم ترى سالماً هذا !
ولو وضعت الكوفة تحت عدسة التكبير وكبرتها لرأيت ذلك النسيج العشائري العربي القومي ، ولم ترَ ذلك الخيط الخليط من القلة القليلة من الموالي .
نعم إنه سالم ( سالم من العيوب ، والرذائل ، والذنوب ) 
ثمة عبدٍ عند إمرأة من بني أسد لفت انتباه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ليشتري ذلك العبد ويعتقه . 
ليكون ذلك العتق رقٌ للتاريخ 
ويكون ذلك الاطلاق تقييداً لشخصيات الكوفة المنتفخة 
ثمة سؤال يوجهه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن اسم ذلك العبد ، وما قيمة الاسم في قواميس الرجال وعظماء التاريخ . 
فيجيب ذلك العبد بكل تواضع أنا ( سالم ) 
لكن أمير المؤمنين يزيح له عن ستار الغيب ، ليذكره بإسمه الحقيقي عند والديه ، لا أسمك ( ميثم ) ولا يهمنا فتح الميم أو كسرها . 
المهم أنه أدرك أن من يتحدث معه يرتبط بالغيب .
 فقال له : صدق الله ، وصدق رسول الله ( ص ) ، وصدق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) 
وبعد ذلك الحادث والعتق أصبح هذا العبد المغمور من خيرة أصحاب الإمام ( عليه السلام ) ، بل كان الإمام  إذا أشتاق إليه يأتي لمحل عمله يجلس معه في المحل يحدثه ويلاطفه  . 
نعم كان بائعاً للتمر ، لكنه كان أعذب من التمر حلاوةً 
الله اكبر ما هذه العظمة وما هذا التواضع ، وما هذه المكانة ( لميثم ) حتى يجلس في محله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) 
رئيس دولة يجلس في محل مواطن بسيط 
ومواطنٌ بسيط يكون له مكانة عند رئيس الدولة ، بل يعتبر من خواص ذلك الرئيس ومن حواريه . 
وثمة جلسات أغفلها التاريخ ونسيها أو تناساها عمداً ، عن ذلك الشخص ، ولم يحتفظ لنا سوى ورقات اخر المسرحية وتختم حياة ذلك الشخص بمأساة قل نظيرها ، ومحاكمة صورية ، كأنها من المحاكم العسكرية العرفية ، بل أشد فضاعةً منها . 
فما هي الجريمة العظيمة والكبرى التي ارتكبها ( ميثم ) حتى تتم تصفيته بتلك الصورة البشعة . 
هل اختلاس أموال الدولة ؟
هل كسر هيبة الدولة ، او كان معارضاً .
هل شتم حاكماً ، أو سبَ صحابياً . 
لا ليس هناك شيء من هذا القبيل . 
نعم إنه جرمٌ واحدٌ فقط ، الذي لا يغتفر أبداً هذا الجرم ، ولا يُغفر لصاحبه . 
إنه جرم الولاء لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) .
 ولا زال هذا الجرم لحد هذا اليوم نحاسب عليه ، ونسجن عليه ، ونقتل عليه ، ونبعد بسببه ، ونحاصر ، وتحاك علينا المؤامرات  . 
نعم إنها ضريبة الولاء ، وثمنها غالٍ جداً 
دفعه ميثم بالأمس ( فقدم أطرافه أولاً لذلك الولاء ، ثم لسانه ليشهد عليه لسان التاريخ انهُ مات شهيدا للولاء ، ولم يتنازل عنه ، ولم يرهبه الموت ، ولا يرعبه الطاغي مهما تجبر وتوعد وازبد وارعد ) 
ونحن كذلك ندفعه اليوم 
وسيبقى يدفعه الخيرة من هذا المذهب . 
ولنا في ( ميثم ، وحجر ، وعمرو بن حمق ، وحبيب ، وعابس ، وبرير وووووو ) القائمة تطول بأسماء الشهداء .لنا فيهم قدوة ، ولا بد أن نخلد ذكراهم ، فالطريق طويل .
وعشق الولاء تهون أمامه كل الأشياء 
فسلام على ميثم يوم ولد .
ويوم استشهد .
ويوم يبعث حيا .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158831
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16