• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ما هي فلسفة خلود النهضة الحسينية على مدى الدهور؟ .
                          • الكاتب : حسن الهاشمي .

ما هي فلسفة خلود النهضة الحسينية على مدى الدهور؟

هل إن ثورة الحسين كسائر الثورات، أم إن لها خصوصية أراد الله من خلالها الإصلاح للأمم على مدى الدهور؟ وما هي فلسفة تعدد الشخوص في واقعة الطف من شيخ كبير وشاب يافع وطفل صغير وكاهل بصير وامرأة صابرة، وما هو أثر ذلك علينا في واقعنا المعاش؟ هذه الأسئلة تراود الكثير منا ونحاول ولو بشكل مقتضب الإجابة عليها في هذه السطور.

لا شك إن الثورة الحسينية بشخوصها وأهدافها ومراميها هي غير قابلة للمقارنة بأية ثورة أخرى مهما حملت من أهداف إصلاحية أو تغييرية، فإنها بالإضافة إلى الخصوصية الإلهية بتخليد ذلك الحدث، وتعظيم الإمام الحسين عليه السلام بإعطائه الامتيازات التالية: استجابة الدعاء تحت قبته، والشفاء في تربته، والأئمة الكرام من ذريته، نجد إن الإمام ورهطه النجباء ما شاب ثورتهم المباركة أية شائبة من حطام الدنيا، فإن تحركهم وجهادهم وما قدموه خالصا لوجهه الكريم، ومن خلال تلك النيات والمواقف والتضحيات خلد الحسين وأصبح رمزا للحرية والكرامة في كل زمان ومكان.

ويخطئ من ينظر إلى ما جرى في واقعة الطف وكأنه ملف فتح ليختم، والحال إننا مأمورون بالتأسي بالنبي الأكرم والأئمة عليهم السلام ومنهم سيد الشهداء: ذكرا لله تعالى على كل حال، ورفضا للظلم، ودفاعا عن الحق ونصرته، وفناء في العقيدة، واستقامة في جهاد الأعداء، وبصيرة في فهم حدود الشريعة، وإقامة للعدل، ودحضا للباطل.

إن إظهار وإبراز التضحيات الكبرى التي قدّمها الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته في سبيل الحق، توجيه للمجتمع روحيا وفكريا ووجدانيا وأخلاقياً، وتحفيزاً له نحو تقديم التضحيات، وإبقاء روح الرفض للظلم والفساد والانحراف حيّة في النفوس، ونتحدى كل شخص عبر الأزمان الماضية واللاحقة بالإتيان بمعطيات تلك الأهداف الخالدة مثبتا أنها كانت موجودة في أية ثورة إصلاحية أرضية ما عدى الحروب التي خاضها الرسول والإمام علي وبعض ذراريهم عليهم السلام، فإنها وإن كانت مقتربة مع أهداف الثورة الحسينية بنسب ولكنها لا تصل منزلتها للاعتبارات التي ذكرت في بداية المقال.

ومن ضمن الأمور التي ينبغي أن ندرسها وهي تطرق مسامعنا مرارا من على المنابر وهي مبثوثة في كتب التاريخ والسير، ولكننا نمر عليها مرور الكرام ألا وهي فلسفة تعدد الشخوص في الثورة الحسينية، حيث إنه من الملفت حقا تنوع العناصر التي شاركت في واقعة الطف .. فمنهم الشيخ الكبير كحبيب بن مظاهر الأسدي، ومنهم الطفل الرضيع كعبد الله، ومنهم الشاب في ريعان شبابه كالقاسم والأكبر، ومنهم العبد الأسود كجون، ومنهم المسيحي كوهب، ومنهم عثماني الهوى كزهير بن القين، ومنهم النساء اللواتى شاركن في قسم من المعركة، وما بعد المعركة كعقيلة الهاشميين زينب الكبرى…

أليس هؤلاء الأفذاذ قد سطروا أروع ملحمة عرفها التاريخ؟! أليس في ذلك درس للجميع إن التكليف لا يختص بفئة دون فئة أخرى، أليس تحرك تلك النخبة الطاهرة بتلونها العمري والجسمي وربما العقدي والمذهبي هو حجة على الجميع بنصرة الحق وأهله ومقارعة الفساد وزبانيته، وان الله تعالى يريد من كل واحد منا أن يكون رافعا للواء التوحيد أينما كان؟! وما يستتبعه من إصلاح وتطور مطرد إزاء ما تواجهنا من أحداث ووقائع ما يضمن للإنسان العيش الآمن بشقيه المادي والمعنوي.

الشهادة في سبيل الإصلاح هي الحياة الحرة الكريمة، والبقاء في وحل الفساد هو الموت بعينه، إذ إن الحياة قائمة على العدل والإنصاف وما دونهما سراب لا يمكن له البقاء إلا اللمم، وطبيعة الإنسان منجذبة لا محالة لمعطيات الإصلاح، من منا لا يرغب بالمساواة وتكافؤ الفرص والرفاه في حياة بعيدة عن التعقيد والفساد، وطالما تنجذب النفس الإنسانية إزاء كل ما يقومها نحو الصلاح والإصلاح فهي تواقة إليهما في جميع مراحل الحياة، وفي الوقت نفسه تتباعد إزاء كل ما ينغص مسيرة الفرد من ظلم وانتهاك وانتهازية، التي طالما يتحصن بها الطاغوت وزبانيته من أجل البقاء ولو شيدت صروحهم على جماجم الأبرياء.

والذي خلد الإمام الحسين عليه السلام وثورته الرائدة أنه أراد أن يوصل رسالة الإصلاح إلى شتى أصقاع العالم، وأراد أن ينتشل الإنسانية من ربقة الاستعمار والذل والهوان التعس وإيصالها إلى مرفأ الهداية والنجاة من سبل الشيطان الملتوية التي لا يمكن لأي واحد منا أن يكون بمنأى عنها لولا رحمة الله وتضحيات الأنبياء والأولياء وعلى رأسهم سيد الشهداء، الذي ضحى بالغالي والنفيس في سبيل انتشالنا من هوة الفقر المادي والمعنوي، تلك المقومات النهضوية المستكنة في ثورة الطف جعلتها خالدة خلود الدهر، وتأبى الطبيعة التي أسسها الله تعالى على أساس العدل أن تنخدش بمنغصات الكفر والفساد والإذلال ولو خدشت بفترات من الدهر فهي إما لتخاذل بعضنا عن نصرة الحق أو للامتحان والابتلاء أينا من أصحاب الحق وأينا من أزلام الباطل، والعاقبة دائما لأهل الصلاح والتقوى في الدنيا والآخرة، والخذلان عاجلا أم آجلا لأهل الفساد والضلال والانحراف.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159531
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28