• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع :  فاجعة السبي .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

 فاجعة السبي

 السبي والسباء لغة : الأسر ، يقال : سبى العدو وغيره سبياً وسباء : إذا أسره ، فهو سَبيّ على وزن فعيل للذكر . والأنثى سبي وسبية ، ومسبية ، والنسوة سبايا ، وللغلام سبي ومسبي . أما اصطلاحا : في الغالب يُخصّ السبي بالنساء والأطفال ، والأسر بالرجال .

كربلاء فاجعة ، والسبي فاجعة اخرى جرت على أهل البيت عليهم السلام ، لها مصيبتها وآلامها ومظلوميتها الخاصة بها ، تمييزها عن ما جرى في الطف له ضرورته وله منطقه التاريخي الخاص ، وما يؤكد هذا الانفراد عن مجريات الطف هو تفجّع أهل البيت بمصيبة السبي بشكل خاص ، وكذلك تفاصيل أحداث السبي تدعو لذلك ..

فروي أنّه دخل على الامام السجاد عليه السلام يوماً أبو حمزة الثماليّ رضوان الله تعالى عليه فوجده حزيناً كئيباً ، فقال له يا بن رسول الله ، أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقلّ ؟ سيّدي إنّ القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة ، ألم يقتل جدّك عليّ بن أبي طالب بسيف ابن ملجم ؟ ألم يقتل عمّك الحسن ؟ فما هذا البكاء ؟ فالتفت إليه الإمام زين العابدين عليه السلام وقال : شكر الله سعيك يا أبا حمزة ، هل رأت عيناك أو سمعت أذناك أنّ علويّة سُبيت لنا قبل يوم عاشوراء ؟ قتل الرجال لنا عادة ، ولكن هل سبي النساء لنا عادة ؟ هل حرق الخيام لنا عادة ؟ والله يا أبا حمزة ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلّا وذكرت فرارهنّ يوم عاشوراء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء ومنادي القوم ينادي ، أحرقوا بيوت الظالمين وهنّ يلذن بعضهنّ ببعض وينادين : واجدّاه وا محمّداه . ( إرشاد الخطيب ، السيد جاسم السيد حسن شبر : 33 ) .

وجاء عن سبط بن الجوزي عن جده انه كان يقول : ليس العجب أن يقتل ابن زياد حسينا وإنما العجب كل العجب أن يضرب يزيد ثناياه بالقضيب ويحمل نساءه سبايا على أعقاب الجمال قد رأى الناس في السبايا من الفجيعة أكثر مما رأوه في قتل الحسين وهذا ما أراده الحسين ( عليه السلام ) من الخروج بالنساء والصبيان ، ولو لم يخرج بهن لما حصل السبي الذي ساهم مساهمة فعالة في الهدف الذي أراده الحسين من نهضته وهو انهيار تلك الدولة الجائرة .

لا نريد ان نسرد قصة سبايا آل رسول الله صلى الله عليه وآله بقدر ما نريد أن نوضح ان تفاصيل أحداث السبايا تعتبر نكسة ضمير لا تُجبر في التاريخ الإسلامي ووصمة عار لا تُمحى في سيرة اعداء آل البيت . لا نتحدث هنا عن مصارعة الرجال للرجال ، وانما حديثنا هو في سبي وأسر نساء ال محمد وأطفالهن وهن ثكالى وأرامل على جمال هزّل بلا غطاء ولا وطاء والتجول بهن من مدينة الى مدينة ، مروراً بالكوفة ووصولاً الى الشام .. أمامهن رؤوس قتلاهن ويسير معهن شرار خلق الله ، أناس نُزعت من قلوبهم الرحمة ، يسكتون هذه ويضربون بالسياط تلك ..!! جاء في كتاب المنتخب إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجاج وضم إليهم ألف فارس وأمرهم بإيصال السبايا والرؤوس إلى الشام .

هكذا وصفت عقيلة الطالبيين بعض معاناة السبي وهي تقرع بيزيد لعنه الله : ( أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا ؟؟ قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ يَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَيَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاقِلِ وَيَبْرُزْنَ لِأَهْلِ الْمَنَاهِلِ وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْغَائِبُ وَالشَّهِيدُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ وَالدَّنِيُّ وَالرَّفِيعُ ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَلَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيمٌ ، عُتُوّاً مِنْكَ عَلَى اللَّهِ وَجُحُوداً لِرَسُولِ اللَّهِ وَدَفْعاً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَلَا غَرْوَ مِنْكَ وَلَا عَجَبَ مِنْ فِعْلِكَ ) .

القتل والسبي هما جريمتان اثنتان ولا يمكن ان نختزلهما بجريمة واحدة ، وهذا ما عبّر عنه ابو عبد الله الحسين عليه السلام وتنبأ به عندما قال ( شاء الله ان يراني قتيلاً ) وهذه الجريمة الأولى ، و ( وشاء الله أن يراهن سبايا ) وهذه الجريمة الثانية ..!!

دور مولاتنا زينب الكبرى في فاجعة رحلة السبي كان عظيماً رغم ألم المصيبة وعظم الجراح ، واستطاعت صلوات الله عليها القيام بأدوار جليلة ومهمة في هذه المرحلة ، بدءاً من حفظ الإمام السجاد عليه السلام وحفظ عيال الرسالة ، مروراً بتثبيت وحفظ جانب المظلومية والأحقية للنهضة الحسينية ، وانتهاءً بتقريع الظالمين وفضح افعالهم وجرائمهم بل قلب المعادلة عليهم تماما ..

أعطت السيدة زينب عليها السلام وجهاً آخر للعفاف ، ومفهوماً جديداً للحجاب ، ومستوى غير تقليدي للخدر .. فإذا كانت حكمة العفاف والحجاب والخدر هو أن تحفظ المرأة بهما دينها وعفتها على المستوى الفردي أو الشخصي ، فإنه عندما يتوقف حفظ دين الأمّة على أخذ بعض أدوار الرجال والعمل ببعض وظائفهم .. فيتعيّن اذن . فواعز الحجاب هو الواعز لكلا الدورين ، ولكن شكل الحجاب يتغير وفق تبعاً لمستوى وعي المرأة ومسؤوليتها وطبيعة الدور الجديد الذي ستؤديه ..

وكثيراً ما يُناقش موضوع مرور السبايا عند الرجوع الى المدينة بكربلاء ، بين من يؤكد وبين من ينفي .. أقول ان زيارة الأربعين يمكن أن نعبّر عنها بزيارة عاشوراء السبايا ، سواء مرّوا او لم يمرّوا ، لأن جريمة السبي لوحدها تحتاج الى تذكير بالمظلومية وتستحق الحزن والمواساة .. فجريمة الطف قد أخذت نصيبها من الإحياء في عاشوراء ، فلتكن زيارة الأربعين مخصصة لمصائب أهل البيت فيما يخص سبي نساءهم وذراريهم صلوات الله عليهم اجمعين .. وهو بالتالي كله من إحياء النهضة الحسينية المقدسة .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159605
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28