• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : شيعة أفغانستان .. بين المطرقة والطالبان ( الجزء الثالث والأخير ) .
                          • الكاتب : ايليا امامي .

شيعة أفغانستان .. بين المطرقة والطالبان ( الجزء الثالث والأخير )

 المحور ثالثاً : شيعة الهزارة .. حكاية الماضي والمستقبل .

ويبقى السؤال المهم بعد معرفتنا بمجمل أوضاع أفغانستان : ما مصير شيعة الهزارة وبقية أتباع أهل البيت ؟ فلنراجع التاريخ قليلاً لنعرف ملامح المستقبل : 

* دخول التشيع الى أفغانستان لايكاد يختلف عن دخول الإسلام .. فقد بدأ بالانتشار على يد الغوريين .. والغوريون هم الهزارة نفسهم .. لأن المنطقة الواقعة بين جبال هندوكوش الى أطرافها الغربية ( جبال كوه إي بابا )  ووادي هلمند كانت تعرف قديماً باسم ( الغور ) و هي نفسها المنطقة المعروفة اليوم بـ هزاره جات (Hazārajāt) أو هزارستان .. وتتكون من مقاطعات باميان ودايكوندي وغور وأجزاء كبيرة من غزنة وأوروزجان وبروان وغيرها.

 * وكان أميرهم شنسب بن خرنك الغوري أول من دخل الإسلام على يد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .. كما يذكر أقدم مصدر تاريخي عن تلك المناطق وهو كتاب طبقات ناصري للمؤرخ والقاضي المعروف بـ ( منهاج السراج الجوزجاني ) كتبه في دلهي الهندية سنة 1260 م .

* يتداول الهزارة بفخر واعتزاز قصة إسلامهم وتشيعهم .. فكما يذكر المؤرخون أن الإمام علي عليه السلام أرسل ابن أخته ( جعدة بن هبيرة المخزومي ) ليكون عامله على خراسان .. وسرعان ما تأثر أميرهم شنسب بن خرنك بشخصية جعدة وحسن معاملته .. فذهب لمقابلة الإمام عليه السلام في الكوفة وأسلم على يديه .. وأعطاه الإمام راية و عهداً مكتوباً يستبقيه على إمارة الغوريين ، ومنذ ذلك الوقت الى عدة أجيال .. فإن من يملك إمارة الغوريين لابد أن يملك الراية والعهد ليخضع له الناس. 

* أول قطرة دم سفكت من هؤلاء الشيعة كانت على يد معاوية عندما رفضوا سب أمير المؤمنين عليه السلام على منابرهم .. ومنذ ذلك الوقت جرت أنهار من الدماء لم يسجل التاريخ معشار عشرها .. ونستعرض بعض هذه المآسي بشكل موجز .. وبحسب ما أدركني الوقت لكتابته : 

1) مؤسس الدولة الهوتكية .. مير ويس خان الهوتكي .. هجم على الصفويين الموجودين في قندهار سنة 1709  .. وخلال حربه مع الدولة الصفوية أباد الآلاف من الشيعة الهزارة .

ربما يتبادر لك أيها القارئ الكريم أنه قتل هؤلاء الشيعة في حربه مع الصفويين .. ولكن بقية القصة .. أن مير ويس كان قبل بداية حربه أساساً .. قد جاء بفتوى من علماء الحجاز .. تبيح دماء الشيعة " الروافض المشركين " .. ولا تتوهم بأنهم كانوا وهابية عندما تقرأ  أنهم من الحجاز  .. فقد كان عمر محمد بن عبد الوهاب يوم وقعت تلك المجزرة .. خمس سنوات فقط .


2 ) عبد الرحمن خان الباركزائي .. و يمكن القول أن أكثر دولة أوغلت في دماء الشيعة هي الدولة البارگزائية البشتونية .. وأكثر أمير من هذه العائلة سفك دماء الشيعة هو عبد الرحمن خان .

وبعبارة أخرى .. إن هذا الرجل .. هو ثاني حاكم يمر على شيعة أهل البيت عبر التاريخ .. ويصب عليهم ألوان البلاء بهذا الكم وهذه الطريقة .. فقد قتل في عهده من 1879 الى 1901 ( 22 سنة ) مليون شيعي.

وإذا كنت عراقياً .. فمن المؤسف بل المعيب أن تسأل : ومن هو الحاكم الأول ؟.

* كان العلماء المتعصبون يشجعون عبد الرحمن خان على جرائمه .. و يلقبونه ( صانع المنائر من الجماجم ) و ( قاتل الروافض ).

* في منطقة بهسود لوحدها كانت تسكن 20 الف عائلة شيعية سنة 1881 .. فتقلصت بسبب عمليات الإبادة  الى 6400 عائلة في 1884 ..  أي أن  13,600 عائلة أبيدت في ظرف ثلاث سنوات .

* ينقل الكاتب يوسف رياضي الهروي .. أنه في إحدى المرات أبيدت قرية كاملة من قرى هزارجات .. وبينما كان الرجال يتساقطون وهم يحاولون إبعاد الجنود عن بيوتهم ونسائهم .. هربت النسوة الى أحد الجبال حتى وصلن الى حافته .. وعندما وصل الجنود إليهن واقتربوا .. ألقت 47 مرأة بأنفسهن من الجبل .. وتقطعت أوصالهن في الوادي .

* و يوم مات عبد الرحمن خان ..  كانت  8000 مرأة في سجن العاصمة كابل لوحده .. ناهيك عن بقية السجون.

* والغريب _ وأنقل هذا من بعض الكتّاب _ أن شيعياً واحداً لم يترك مذهبه على مد العصور .. بل كانت قوات عبد الرحمن خان تدخل مناطق الهزارة وتهدم الحسينيات ( هدموا في هرات لوحدها 50 حسينية ) وما يتبقى منها يحولونه الى مساجد ( غير شيعية ) ويجبرون الأهالي على الحضور والاستماع لمحاضرات حول بطلان عقائد الشيعة .

* وقد منع الشيعة من تدوين تاريخهم .. وأحرقت كل مكتباتهم .. في الوقت الذي سمح للبشتون بكتابة تاريخهم بتمويل من الحكومة .

* حتى أن قصة الأمير شنسب بن خرنك التي قرأتها قبل قليل .. قد حاول بعض المؤرخين البشتون وعلى رأسهم عبد الحي حبيبي .. تزييفها ونسبة الأمير شنسب الى قومية البشتون .. فمن جهة لايمكن نكران أنه أول من أسلم من الغوريين .. ومن جهة أخرى لا يجب السماح للهزارة بنيل هذا الفضل .


ومن مظاهر الظلم الكبير الذي تعرض له الشيعة هو ضريبة سنوية تسمى ( دهن كته پاوي ) بأن يدفع كل بيت كمية من السمن عن كل حيوان يمتلكه .. عن الغنم والماعز 3 كغم .. وعن البقر والحمير 6 كغم .. وعن الحصان 12 كغم . 

* وقد يبدو هذا في نظرك أيها القارئ الكريم أمراً طبيعياً .. ولكن ماذا لو عرفت أن ضريبة ( السمن الحيواني ) كانت تؤخذ حتى بدل الكلاب والقطط والدجاج ؟! مما دفع الشيعة في بعض المناطق للهرب من أرضهم .. وفي مناطق أخرى فقدوا أعصابهم لشدة الظلم وهجموا على مراكز الشرطة.

* ولم يقتصر الأمر على ملوك البشتون .. فعندما استولى الملك الطاجيكي حبيب الله گلگاني المعروف بـ ( بچه سقا ) على كابل وحكم لسنة واحدة ( سنة 1929 ) .. لم يتغير شيء .

في تلك السنة نفسها .. بادر أحد وجوه الشيعة وهو الملا محمد فيض الكاتب .. لمطالبة الحكومة و النواب بقوانين تنصف الشيعة .. فهجموا عليه في ذلك المجلس وضربوه وكادوا يقتلونه .. لولا أن خلصه الشرطة برميه في السجن .. وبقي المتعصبون يهددونه بالقتل لسنتين .. الى أن اعتقلوه مجدداً وعذبوه حتى الموت .


* وهل انتهت المعاناة عندما سقطت الدولة الباركزائية وجاء الحكم الشيوعي عام 1973 ؟ كلا .. فقد أعتقل العشرات من العلماء الشيعة لوقوفهم بوجه الأحكام الإلحادية .. وتم إعدامهم جميعاً وعلى رأسهم تلميذ الإمام الخوئي .. الشهيد السيد محمد سرور الواعظ البهسودي .. وكان من خيار علماء الحوزة في النجف ثم أفغانستان .. ممن تعقد عليهم الآمال .

والآن ماذا عن مصير هؤلاء الشيعة في المستقبل ؟ 

* هناك من يقول _ بسذاجة و جهل بالتاريخ _ أن طالبان ليست وهابية فلا داعي للخوف منها .. والمهم أن لاتحملوا السلاح في وجهها وهذا يكفي لتأمنوا شرها !!

ومتى كانت مذابح الشيعة محصورة بالوهابية فقط ؟
هل كانت ممالك الغزنويين والأيوبيين والسلجوقيين والعثمانيين والباركزائيين وهابية ؟ 

ألم يسفك صلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي وطغرل السلجوقي وغيرهم دماء الشيعة عبر التاريخ بفتاوى جاهزة .. قبل أن تولد الحركة الوهابية ؟
وهل قاضي صيدا الذي أفتى بقتل الشهيد الثاني كان وهابياً ؟
هل بقيت _ عبر التاريخ _ قومية أو مذهب أو دين لم يخرج منها متعصبون يريقون دماء الشيعة ؟

* حتى الوالي العثماني أحمد باشا الجزار الذي صب عذاب الدهر كله على شيعة الشام وجبل عامل .. واستباح نسائهم لجنوده .. كان مسيحياً من البوسنة والهرسك .. تظاهر بالإسلام وأصبح أداة قتل بيد العثمانيين .

* حتى فتوى الملا محمد عمر بهدم الآثار .. التي عملت بها طالبان وهدمت تمثال بوذا في باميان ( وهو أثر تاريخي منذ القرن الثالث الميلادي ) هل كانت صناعة وهابية ؟  كلا فقد حاول علماء أفغانستان من الحنفية هدم التمثال مرات عديدة حتى قبل ولادة محمد عمر.

إن هذه السذاجة في التفكير هي التي حذر منها الشيخ الصافي الگلبايگاني في بيانه أعلاه .. فمصير شيعة أفغانستان مرهون بحجمهم في المعادلة ومدى تكاتفهم و تأثيرهم ودعم إخوانهم لهم .. وليس بالاطمئنان الى طالبان .. والتصديق أنها تغيرت بمعجزة .

اليوم .. لا يوجد عاقل يدعو للانتحار بحمل السلاح .. لكن في المقابل لايوجد من هو أكثر جنوناً ليضمن السلام مع طالبان .

* وأختم هذا الملف .. بنقل مراسلة جرت بيني وبين أحد أساتذة الحوزة العلمية من قومية الهزارة .. وقد سألته عن إمكانية وجود تغيير فعلي في أفكار طالبان .. وكلام من يقول أنهم ليسوا وهابية .. فأجاب مشكوراً : 

(( لا تعدو القضية تغييراً في سياسة طالبان ولو لهذه الفترة، ولا أدري ما سيفعلون غداً وبعده ، وأما نسبة ذلك الى مذهبهم فهم أحناف منذ أكثر من مئتي سنة ، ويذبحوننا ويبيحون دماءنا ، ولا تنس أن انقراض التشيع في حلب كان بفتوى الشيخ نوح الحنفي للبلاط العثماني ، وهكذا الكلام في الصوفية ، فقضية مذهب طالبان لا دخل لها في كونهم وحوشاً ذبحونا في التسعينييات وسبوا نساءنا ، فالقوم هم،  والطبقة الاولى من قيادات الحركة ومؤسسيها ما زالوا على رأس الحركة )) إنتهى .

* وعندما سألته حول الأخبار التي يروجها بعض الأشخاص بأن طالبان لم ترتكب مجازر في فترة حكمها السابقة ( 1996 _ 2001 ) كما أنها لم تستهدف الشيعة بعد سقوط حكمها .. أجاب وفقه الله :

(( لاشك في وقوع مجازر في غرب كابول حين سيطرة طالبان في المرة السابقة بعد مقتل مزاري مباشرة ، وهناك تقارير أممية بخصوص ذلك مضافاً لبعض القرى والأرياف ، ثم التفجيرات في مناطق الشيعة طوال هذه السنوات وخصوصا قبل ظهور داعش في السنوات الاخيرة على الساحة الافغانية حيث يصعب تشخيص المجرم مع عدم تبني طالبان،  فقضية إجرامهم ونصبهم وعدائهم للشيعة أمر بديهي، والمشكك فيه كالمشكك في إجرام داعش )) انتهى.

والحمد لله رب العالمين 
وعجل الله فرج آل محمد عليهم السلام وفرج شيعتهم


 لقراءة الجزء الاول والثاني اضغط على اسم الكاتب 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159638
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29