• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : متى سألقي عصا الترحال في وطني .
                          • الكاتب : رزاق عزيز مسلم الحسيني .

متى سألقي عصا الترحال في وطني

كتبتُ قصيدتي بمناسبة مرور ثلاثين سنةً

على مغادرتي العراق واغترابي عنه مكرهاً

 

مَضَتْ ثلاثونَ في المنفى كمرتهنِ

متى سألقي عصا التّرحالِ في وطني ؟!!!

 

ما بتُّ يوماً بها خِلواً بلا أرقٍ

ولا اشتياقٍ ولا دمعٍ ولا شجنِ

 

 

أَبيتُ مُحترقاً كالبيدِ من ظمإٍ

ترنو بعينِ الرجا للعارضِ الهتنِ

 

مضتْ ثلاثونَ والآمالُ كاذبةٌ

لمع السرابِ بدتْ منْ أكذبِ الظّننِ

 

فيها حسبتُ سيرقى موطني صُعُداُ

بينَ الكواكبِ محفوفاً بمؤتَمنِ

 

إذا بهِ اليومَ يشقى من سماسرةٍ

باعوهُ والشعبَ للأغرابِ في العلنِ

 

ضاعَ العراقُ فضعنا كلّنا معَهُ

في ظلَّ مَنْ حكموا في غفلةِ الزمنِ

 

 

ولّى من العمرِ في منفايَ أجملُهُ

لم يبقَ عنديَ غيرُ الشيبِ والوهنِ

 

وآهةٌ تغتلي في الصدر أنفثُهُا

نفثَ البراكينِ للنيرانِ مِنْ حَزَنِ

 

لم يبقَ في العمرِ ما أُمضيهِ في كمدٍ

حسبي الذي ضاعَ في المنفى بلا ثمنِ

 

ماذا أحدّثُ عن حالٍ سئمتُ بها

عيشاً رتيباً بوبلِ الهمِّ يُمطرني

 

 

 

شطَّ المزارُ كما لجَّ الفراقُ بنا

فارفقْ بمُغتربٍ يا خيرَ محتضنِ

 

بالرغمِ منّي رحيلي كانَ لا بَطَراً

ليتَ التّغرُّبَ عنِ مغناكَ لم يكنِ

 

فالبوحُ يحرجني إذْ لا أرى أذناً

تصخي لشكوايَ في ودٍّ بلا مِننِ

 

 

للآنِ ما أبصرتْ عينايَ بارقةً

تحي ليَ الأملَ المطروحَ في كفنِ

 

بيِ استبدَّ هواكَ الطهرُ يا وطني

ما رقَّ لي قاسياً يوماً ولم يَلِنِ

 

عشقتُ أرضكَ مجنوناً بها كَلِفاً

حتى جعلتُكَ معبوداً كما الوثنِ

 

لقد ملأتَ هوىً قلبي وباصرتي

لكنَّ عينَكَ في الأقمارِ لم ترني !!!

 

في وصف حبّكَ بتُ أشتكي رهقاً

أعيا هواكَ بيانَ الشاعرِ اللسنِ

 

حارَ اللسانُ فليتَ القولَ يسعفُني

إنّي لأستنزلُ الألفاظَ مِنْ قُننِ

 

لكَ القوافي بحلوِ النّغْمِ يُنشدُها

أحلى وأعذبَ من شادٍ على فننِ

 

 

 

فما اشتكى عقدةً فيهِ ولا عجزاً

لكنْ تلدُّدُهُ يُنبيكَ عن ضَمِنِ {1}

 

يا موطنَ المجدِ غفراناً ومعذرةً

لم يُفصحِ الشعرُ عن قلبي ولم يُبنِ

 

ما لي أرى موطني بي زاهداً بَرِماً

لكنّهُ راغبٌ في خضرةِ الدّمنِ

 

هل أرتجي العدلَ والإنصافَ من زُمرٍ

لا تنقدُ الشعرَ نقدَ الصيرفِ الفطنِ ؟!!!

 

هلِ التجاهلُ والإجحافُ مفتعلٌ

أمِ الروائعُ تستعصي على الأُذُنِ ؟!!!

 

ما عابني حجبُهم لي عن مكابرةٍ

إنَّ اللآليءَ في الأصدافِ لمْ تَهُنِ

 

يا آسرَ الروحِ روحي فيكَ عانيةٌ {2}

إنّي بمنفايَ لم أملكْ سوى البدنِ

 

ما زلتَ لي مُنْيةً أهوى المقامَ بهِ

رغمَ المصاعبِ والأخطارِ والمحنِ

 

طال الفراق كما اشتدّتْ مواجعُهُ

فالنأيُ والهمُّ مقرونانِ في قرنِ

 

يا لهفَ نفسي على روضِ الجنانِ بها

كان الصِّبا يزدهي في عودِهِ الّلدنِ

 

يجري الى الحبِّ جريَ الخيلِ جامحةً

من دونما لُجُمٍ تخبو ولا رسنِ

 

الى الجمالِ يرفٌّ القلبُ منجذباً

كالطيرِ في لهفةٍ تأوي الى الوُكُنِ

 

حبّاً يهيمُ بهِ حدَّ الأسى جزعاً

ويجتني لوعة الإغراءِ والفتنِ

 

ولا يبالى فكم يلقى بهِ عنتاً

منَ التجشّمِ فوقَ المركبِ الخشنِ

 

حتى غدا جمرُهُ في أضلعي بَرَداً

بلِ الشقاءُ بهِ قد صارَ من ددني {3}

 

على الفراتين صُفَّ النخلُ حولَهما

ألذُ في ناظري من لذَةِ الوسنِ

 

عينايَ ما رأتا كالغيدِ في وطني

عنّا يُزِحْنِ الأسى بالمنظرِ الحسنِ

 

كأنّما حُسنُهُ والفاتناتُ بهِ

قد سُلَّ منْ جنةِ الفردوسِ أوعَدَنِ

 

فكلُّ ما فيكَ خلّابٌ يجاذبني

حتى شقيتُ بقلبٍ فيكَ مفتَتَنِ

 

 

{1} الضمن : العاشق

{2} عانية : أسيرة

{3} الددن : اللّهو واللّعب




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=160733
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 10 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19