• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَب ! .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَب !

 بسم الله الرحمن الرحيم

الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَب !

عبارَةٌ ينقُلُها ثقة الإسلام الكليني رحمه الله في الكافي الشريف (ج6 ص461) عن رسول الله صلى الله عليه وآله، يعتبِرُها الشريف المرتضى رحمه الله من مجازات النبي (ص)، فإنّ: (بهاء العرب يكون بعمائمها، كما يكون بهاء ملوك العَجَم بتيجانها) (المجازات النبوية ص193).

يتزيّا الملوك بالتيجان، ويتزيّا (العَرَبُ) بالعمائم.. 
ولكن..
أين تاجُ الملوكِ والسلاطين من تيجان الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقرَّبين ؟!

فالعمامة (تاجُ كرامةٍ) و(عزٍّ) توَّجَ الله تعالى بها الملائكة كما توَّجَ الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.

لقد عمَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام ثم قال له: هَكَذَا تِيجَانُ الْمَلَائِكَةِ (الكافي ج‏6 ص461).

ورُوي عنه صلى الله عليه وآله أن العمامة من المروّة، وأنها تزيد في الحلم، وأن الركعتان بالعمامة أفضل من أربعة دونها، فإنَّ للِّباس آداباً ومستحبات، ولأهل الصلاح لباسٌ يتناسب وشأنهم.. وهكذا..

وقد ورد في أدعية التعمُّم: 
- اللَّهُمَّ سَوِّمْنِي بِسِيمَاءِ الْإِيمَانِ وَتَوِّجْنِي بِتَاجِ الْكَرَامَةِ..
- اللَّهُمَّ تَوِّجْنِي بِتَاجِ الْكَرَامَةِ وَالْعِزِّ وَالْقَبُول..

لكنَّ الباحث يتساءل عن سرِّ كون العمامة سبيلاً (للعزّ) بعد كونها كرامةً من الله تعالى ؟!

وإذا نَظَرَ في كلمات المعصومين تَنَبَّه إلى أن للرواية الشريفة المتقدِّمة (الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ) تتمةٌ نقلها الطبرسي في مكارم الأخلاق  (ص119) يقول فيها (ص): 

الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ، فَإِذَا وَضَعُوا الْعَمَائِمَ وَضَعَ اللَّهُ عِزَّهُم !

ارتبطت العمامة في هذين النصين بالعزّ:
1. فعندما تُوِّجَ بها المؤمن دعا الله تعالى أن يُتَوِّجَهُ بالعزّ.
2. وعندما وَضَعَ العربُ العمائم وَضَعَ الله عزَّهُم !

فما السرُّ في هذه العمامة ؟!
وكيف يصيرُ لِقِطعَةٍ من القماش يلبسُها الناس كلَّ هذا الأثر ؟! أم أن وراء ذلك معانٍ خفية ؟!

إن لهذه الأحاديث وجهان محتملان:

الوجه الأول: عمائم أهل الحق !

إنَّ شريعةَ السماء السَّمحاء تشمُل كل جوانب الحياة، الإجتماعية والنفسية والثقافية وغيرها، ولمّا كان لأهل الإيمان علاماتٌ يُعرفون بها، ولأهل النفاق والكفر سِماتٌ تختصُّ بهم، منعت الشريعة عمّا كان شعيرةً أو شِعاراً أو علامةً لأعداء الدين، أو ما كان من مختصاتهم.. فنَهَت في أحكامها عن التشبه بأعداء الدين، كقولهم عليهم السلام: وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُود.. 

ولعلَّ الشريعة أرادت الحفاظ على اللباس الذي يحفظ للمرء وقاره ورزانته، ويكسبه زينةً في المظهر والجوهر، فحثَّت على التعمُّم وحكمت باستحبابه، ونهت عن تركه، وقَرَنَت بين تركه وبين سلب (العزِّ) من هذه الأمة، لأن في نزع العمائم سَلبٌ للوَقار عند شريحةٍ من المؤمنين.. ولأنَّ نزعَها عند العموم قد اقترنَ بتغيُّر المفاهيم الدينية والثقافية والفكرية والإجتماعية، وهو الذي يشير إليه حديث أمير المؤمنين عليه السلام:

لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَلْبَسُوا لِبَاسَ الْعَجَمِ، وَيَطْعَمُوا أَطْعِمَةَ الْعَجَمِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ (المحاسن ج‏2 ص410).

لا تفرِّقُ الشريعة بين عَرَبيٍّ وعجميٍّ، فالأفضلية للتقوى وحدَها، والعجميُّ هو كلُّ من لم يكن عربياً، والحديثُ الشريف يُرشدُ إلى أنّ الأمة إذا غيَّرَت لباسها وطعامها إلى لباس غيرها وطعامه، وتشبَّهت بسواها فيه وفي غيره، صارت مصداقاً لكلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهجه الشريف: قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُم‏ ! أو (يَصِيرَ مِنْهُم‏).

وفي هذا حَثٌّ على التمسُّك بالآداب والسنن في شتى مجالات الحياة، والتعرُّف على أصالة الشريعة وعَظَمَتِها.

على أنَّ العمامةُ اليوم لم تَعُد من لباس العرب عموماً، وإن ظلَّت رمزاً لأهل العِلم.

الوجه الثاني: عمائم الأئمة !

لا يبعُدُ أن يكون هناك وجهٌ آخر أعظمُ وأبلغُ وأكثر خطورةً مما تقدَّم، يبيِّن وجه الاقتران بين العمامة والعزَّ، ففي بعض الروايات إشاراتٌ عظيمة المعنى..

فَرَمزُ العزِّ الأول في الإسلام هو (الإمامة) ! كما عن الإمام الرضا عليه السلام: 
إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ، وَنِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَصَلَاحُ الدُّنْيَا، وَعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ (الكافي ج‏1 ص200).

ولما سُلِبَ حقُّ الأئمة، وَأَقَامَ النَّاسُ غَيْرَ عَلِيٍّ: (لَبِسَ إِبْلِيسُ تَاجَ الْمُلْكِ) !
ثم قال لأبالسته: اطْرَبُوا، لَا يُطَاعُ اللَّهُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ ! (الكافي ج‏8 ص345).

فلولا أن العربَ قد فرَّطوا في من تقلَّد عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله، لما لبسَ إبليسُ تاجَ الملك !

أما ألبسَ النبيُّ (ص) عمامته (السَّحَابَ) لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الخندق ؟! حين قال: بَرَزَ الْإِيمَانُ كُلُّهُ إِلَى الشِّرْكِ كُلِّه‏.

أما بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إِلَى عَلِيٍّ فَعَمَّمَهُ وَأَسْدَلَ الْعِمَامَةَ بَيْنَ كَتِفَيْه‏ ؟! 

أما ورثَ عليٌّ عمامة النبي (ص) وكان يلبسُها بعد شهادته صلى الله عليه وآله، ثم أورثَها بنيه عليهم السلام، حتى قال الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ عِمَامَةُ رَسُولِ اللَّهِ أَنَا لَابِسُهَا ؟!

لم تقبل الأمة مَن لَبِسَ عمامة رسول الله، وقَبِلَت إبليسَ الذي لبس تاج الملك!

المعادلةُ واضحةٌ جلية.. 

1. إما عمامة رسول الله، يلبسُها عليُّ بن أبي طالب وبنوه.. تورثُ عزاً في الدُّنيا والآخرة.

2. وإما أن ترفُضَ الأمّة هذه العمائم، فيلبس إبليسُ وزبانيته تاج المُلك، فيُكسبُ الله هذه الأمة ذلاً لا عزّ بعده إلا بظهور الإمام !

وإذا كان خلع العرب لعمائمهم سبيلاً للذل، فما بالك برفضهم لصاحب عمة رسول الله، الإمام المطهر المعصوم، وإنكارهم لحقه..

لقد قال صلى الله عليه وآله: 
مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلًا قَطُّ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مِلَّةِ عَبَدَةِ الْعِجْل‏..

وهذه الأمة قد ألبسها الله ثوب الذلّ، بعدما ضيَّعت حقَه تعالى وحق رسوله وأوليائه.. 

ولكن..

لا يزال في أمة الإسلام اليوم من يحمل شيئاً مِن عَبَقِ رسول الله صلى الله عليه وآله، أولئك هم العلماء الحلماء الأبرار الأتقياء، حَمَلَةُ علوم آل محمد، يتعلمونها ثم ينتشرون في بلاد الله الواسعة، يحملُ كلٌّ واحدٍ منهم بقدر وسعه واستطاعته من علوم المعصومين، ليبذرها في القلوب المتعطشة لمعارفهم الحقة..

ويرعى هذه البذرة صاحب العصر والزمان، فتنمو وتثمر في زمن القحط والجدب..

هكذا.. رفضت الأمة عمامة عليٍّ عليه السلام وقدّمت تاج إبليس.. إلا شرذمة قليلة تمثِّلُ مذهب الحق..
واختار الله فئةً منهم تعمموا بتلك العمامة، وتُوِّجُوا بتيجان الملائكة.. 
ثم صار شغل الملائكة الاستغفار لهم وفَرش الأجنحة أمامهم: وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضاً بِه‏ !

هؤلاء من قال عنهم الإمام عليه السلام:
لَوْ لَا مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيْبَةِ قَائِمِكُمْ (ع) مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّاعِينَ إِلَيْهِ، وَالدَّالِّينَ عَلَيْهِ.. لَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّه‏ ! (الإحتجاج ج‏1 ص18).

هؤلاء أصحاب التيجان.. الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ !

هو تكليفٌ قبل أن يكون تشريفاً..
ومسؤوليةٌ عظيمة تُلقى على عاتق العلماء العاملين، الساعين لكفالة أيتام آل محمد، بحسب الوُسع والمُكنَة..

نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يوفقنا وإياهم وجميع المؤمنين لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بيدنا ويرضى عنا إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين

الأربعاء 20 ربيع الأول 1443 هـ




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=161365
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 10 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19