• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فُقَرَاءُ الشيعةِ.. الأغنياء!! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

فُقَرَاءُ الشيعةِ.. الأغنياء!!

 بسم الله الرحمن الرحيم

‏إِنَّ فُقَرَاءَكُمْ لَأَهْلُ الْغِنَى!

كلمةٌ عظيمة خاطَبَ الإمام الباقر عليه السلام فيها أُناساً من شيعته في المدينة المنوّرة (الكافي ج8 ص213).

فكيف اجتمع غِنى هؤلاء مع فَقرهم؟! أيُعقلُ أن يكون الفقير من أهل الغنى؟!

لقد تضمّن الحديث الشريف أداتين من أدوات التأكيد: إنَّ: صُدِّرَت بها الجملة، ثم لام التأكيد تزحلقت إلى الخبر (لَأَهْلُ الْغِنَى)، وإن كان كلام المعصوم لا يحتاج لتوكيد.

لقد صار فقراء الشيعة أغنياء من وجوه:

الوجه الأول:
أنّهم صاروا أغنى الناس بمعرفة الله حقّ معرفته، وبالتعقُّل عن الله واتّباع أمره، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهجه: إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْل‏.

إنّ المؤمن الشيعي هو أكثر الناس تَعَقُّلاً عن الله، ولمّا كان عقل المرء يُحسب من رزقه، صار المؤمنون أهل الغنى وإن كانوا فقراء، فيشترك في هذا الغِنى فُقَراء المؤمنين وأغنياؤهم.
 
الوجه الثاني:
ثم صاروا أهل الغنى مَعَ فَقرهم لأنّهم مصاديق الآية المباركة: (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (البقرة273).

فهم المتعفِّفون الذين لا يسألون الناس ولا يُلِحّون، بل يسألون الله تعالى وحده، ويخصّونه في شهره المبارك (إلحافاً وإلحاحاً)، كما رووا عن أئمتهم في وداع الشهر المبارك: أَدْعُوكَ يَا رَبِّ خَوْفاً وَطَمَعاً وَرَهْبَةً وَرَغْبَةً وَتَخَشُّعاً وَتَمَلُّقاً وَتَضَرُّعاً وَإِلْحَاحاً وَإِلْحَافاً (تهذيب الأحكام ج3 ص125).

الوجه الثالث: 
أنّ أغنياء الشيعة يتولَّون أمور فقرائهم فلا يَدَعُونَهم في فقرهم، فهم أكثر مَن يتصف بالرحمة كما قال الصادق عليه السلام: شِيعَتُنَا الرُّحَمَاءُ بَيْنَهُم‏ (الكافي ج‏2 ص186).

وهم الذين يعطف بعضهم على بعض، لأنّهم تخَلَّقوا بأخلاق آل محمد، وتعلَّموا أحاديثهم، وقد قال الصادق عليه السلام: وَأَحَادِيثُنَا تُعَطِّفُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ (الكافي ج‏2 ص186).

وقد جعل الأئمةُ فقراءَ الشيعة أمانةً في أعناق الأغنياء، فعن الصادق عليه السلام: 

مَيَاسِيرُ شِيعَتِنَا أُمَنَاؤُنَا عَلَى مَحَاوِيجِهِمْ، فَاحْفَظُونَا فِيهِمْ يَحْفَظْكُمُ اللَّهُ (الكافي ج2 ص265).

فالمحتاج من الشيعة أمانةُ الإمام عند الغني، ومَن حفظ الأمانة كان مؤمناً حقاً، وإنّما صار الشيعة أهل الحقّ لأنهم يعملون عمل أئمتهم، وقد قالوا عليهم السلام: وَمَنِ ائْتَمَّ مِنْكُمْ بِعَبْدٍ فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِهِ.

ومَن لَم يكن من أغنياء المؤمنين على تلك المثابة من العطف والرحمة بإخوانه المؤمنين، سارَع إلى صِلَتِهِم وبرِّهم ومَدِّ يدِ العون إليهم حذراً من تدنّي مرتبته عند الله تعالى، ومِن نفي مراتب التشيُّع عنه لو لم يقم بذلك.

وحسبُهُ في إدراك ذلك ما قيل للإمام الباقر عليه السلام: إِنَّ الشِّيعَةَ عِنْدَنَا كَثِيرٌ.

فما سألَ عن عددهم، ولا عن قوّتهم، إنما قال عليه السلام: فَهَلْ يَعْطِفُ الغَنِيُّ عَلَى الفَقِيرِ؟

ولمّا أجيب بأن هؤلاء ليسوا ممن يعطف غنيُّهم على فقيرهم، قال عليه السلام: 

لَيْسَ هَؤُلَاءِ شِيعَةً! الشِّيعَةُ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا! (الكافي ج‏2 ص173)

ثمَّ إن الفقيرُ يتنبَّهُ إلى معنيين:

أوَّلُهما: 
أنّ الله تعالى ما أفقره في الدنيا إلا لأنّه ادَّخَرَ له ما هو أعظم من ذلك، فإنّه تعالى يخاطب فقراء المؤمنين يوم القيامة فيقول: 

وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، مَا أَفْقَرْتُكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ هَوَانٍ بِكُمْ عَلَيَّ، وَلَتَرَوُنَّ مَا أَصْنَعُ بِكُمُ الْيَوْمَ، فَمَنْ زَوَّدَ أَحَداً مِنْكُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا مَعْرُوفاً فَخُذُوا بِيَدِهِ فَأَدْخِلُوهُ الْجَنَّةَ (الكافي ج2 ص271).

فيبلغ أحدهم مرتبةً يأخذ فيها بيد غيره لِلجَنَّة، سيّما من كان إليه مُحسِنَاً، وذلك في اليوم الذي يفرُّ المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، يكون هذا الفقيرُ آمناً مطمئناً يلوذُ به سواه من المؤمنين الذين كان لهم فضلٌ ومعروفٌ عليه في الدنيا.

ثانيهما: 
أنّ الغَنيَّ يستوجبُ الجنّة بالفقير، ومع أن الغنيَّ صاحبُ فضلٍ بما يعطي الفقيرَ فيما يرى الناس في الدنيا، فإنّهُ لولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنة.

ففي الحديث الشريف: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:

1. إِنِّي لَمْ أُغْنِ الْغَنِيَّ لِكَرَامَةٍ بِهِ عَلَيَّ.
2. وَلَمْ أُفْقِرِ الْفَقِيرَ لِهَوَانٍ بِهِ عَلَيَّ.
3. وَهُوَ مِمَّا ابْتَلَيْتُ بِهِ الْأَغْنِيَاءَ بِالْفُقَرَاءِ.

4. وَلَوْ لَا الْفُقَرَاءُ لَمْ يَسْتَوْجِبِ الْأَغْنِيَاءُ الْجَنَّةَ (الكافي ج2 ص271)

هذا هو حال فقراء الشيعة في زمن الغيبة، صاروا أمانةً في أعناق الأغنياء فأحسنوا أداءها، فكانوا ابتلاءً وامتحاناً لهم وسبباً تُنال به الجنان.

وفوق كل هذا: شِيعَتُنَا الرُّحَمَاءُ بَيْنَهُم‏.. فمَن كان رحيماً بهم كان الله به رحيماً.

اللهم اجعلنا ممن يؤدي الأمانة، ويعقل عن أمرك، وعَطِّف قلوب بعضنا على بعض، واجعلنا من أهل القلوب الرحيمة، واختم لنا بحسن العاقبة.

والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=162045
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 11 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29