• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : البوح وسردية الانزياح.. قراءة في مجموعة (فصول الجوزاء) للشاعرة ايمان كاظم .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

البوح وسردية الانزياح.. قراءة في مجموعة (فصول الجوزاء) للشاعرة ايمان كاظم

 ليس هناك حدود للنص الشعري في مسارات البوح، وخاصة تلك التي تعتمد على فضاءات واسعة تتعمق بالاشتغالات الاستعارية، لتتركب مقاطع النص عتبة عتبة وفق سياقات الإزاحة، وفي مجموعة (فصول الجوزاء) للشاعرة (ايمان كاظم) استخدمت سردية الخطاب وحولته عبر دوال مجازية واستعارات مكثفة، وفي اغلب قصائدها استخدمت (التكرار، الفواصل) أي تكرار مفردة ملازمة للقصيدة ومنها تتفرع مواضيعها مثل قصيدة (إقرار): 
(أعلم ان الاحلام الجميلة لابد لها ان تنتهي.. 
واعلم ان الخيال يسقط من غصنه..
كما اعلم ان مزاج القدر يتقلب بجنون...
وغالبا لا يدرك لغة توسلنا..
أعلم أيضا ان دوام الحال يشبه طموحنا..
كنت أعلم أشياء كثيرة عني وعنك.. بل عنا معا..
لكنني لم أكن أعلم انك ستكسر مرايا الروح
ثم تسألني لماذا يبدو وجه الحب مشوهاً) ص11
أسلوب الشاعرة ايمان كاظم لا يستجيب لمتطلبات السرد العادي، وانما تتمثل خصوصيته بعملية الخلق التكويني، جمل انزياحية تتوزع جسد القصيدة، فتومض سردياتها.. ولو تأملت فنية الاسترسال سنجد مثل هذه الاشتغالات الاستعارية في جسد القصيدة: 
(الخيال يسقط من غصنه / إعصار الواقع / مزاج القدر / مرايا الروح / وجه الحب)
وهذا يعني انها تستثمر فضاءات خصبة تتوقد وجدانيا باستعارات مكثفة قادرة على البوح والتجسيد بما تمتلك لغتها من طاقات تعبيرية تحمل البوح بأنوثة مبدعة:
(الى الراحل إليّ / الى الشارد صوبي / الى النائي قربي / الى الهارب لملاذي.... 
لأنك الجزء الذي يرأب صدع الجنون / وملجأ القلب حينما يعصف على نبضه الخوف لأنك عقلي الذي لم يخذلني أبداً) ص17
البوح في مجموعة فصول الجوزاء لا ينتمي الى فصيلة الكتمان، وانما ينتمي الى الرؤى الناصعة التي تعتمد على عدم الانغلاق بل هو بوح منفتح بسبب اعتمادها على السرد النثري القريب من المتلقي؛ بسبب الوضوح مع وجود المؤولات الجمالية للاشتغالاتالانزياحية:
(لست سيئة الظن بالمجمل / ومؤخرا بت اخشى حسن النوايا / فقد عرفت نصف الحقيقة / ومهما عرفت لن تكمل عندي الصورة) ص27
كانت فصول الجوزاء موزعة على فصول المنجز، هناك فصل للذات ورؤى القصيدة وحكمتها، وفصل للتجلي مع الزمن والانسجام مع الفطرة، وفصل النقاء الانثوي.. فلو تأملنا العنونة لتعرفنا على خصائص الانتماء الى الجوزاء كالقوة والمقدرة الفكرية وجرأة الرأي والعصبية والمزاج.. فناس الجوزاء يمتلكون المرونة والوفاء، ويكرهون الروتين والقيود والتكرار: 
(في موسم مضى وفي الساعات ذاتها / تذكرتك حتى غص الحنين في حنجرة القلم / كتبتك على الطرقات المبللة بالمطر / بكيتك قضاء مع انسكاب السماء) ص57
رغم كثرة استخدام افعال الماضي الى انها تنفتح على استباقية (الحدث، التوقع، الأمل، الحلم) ومن ثم تنطلق الى المستقبل بمختلف تجلياته:
(ما حيلتي إن اصابني داء الخيال / وتجول الحلم في ارجاء نفسي / حين أطلقت العنان لبوح لم يكتب له حياة سوى على الورق / وها أنا أجر أذناب الريبة في كل كلمة مسافرة الى عيون من يقرأ / حتى مججت مر الصراخ من فمي / وركنت الى صمت الى موت على قيد الزمن) ص18
اجمل ما في البوح حين يكون ايحاء والاستعارة لها مميزات استطاعت الشاعرة (ايمان كاظم) من استثمار فعل توقير البوح بدلالات أبعدت السطحية عن الاشتغال الشعري وأبعدت الغموض والتصنع، وسعت الى ابتكارية المعنى المتولد من التراكيب، الاستعارية مبعث الجمال، هناك مساحات واضحة لديها تظهر المعنى والصيغ المعبرة، الإيحاء يعني اللغة العميقة الدالة: 
(تغتال قلبي برصاصة غضبك وتذرها محشورة في صمتي) ص37
يرى النقاد أن أهم إنجازات الكتابة الحديثة هو ترسيخ اللغة الايحائية والبحث في جواذب البوح الفني، هذه الشاعرة في مجموعتها (فصول الجوزاء) امتلكت الإيحاء ولغة الادهاش وأثارت المتلقي لتدفعه يسبر اغوار النص، وفك مغاليقه حتى أيقنت بأن هذا الغزل البريء يمثل الفضاء الرمزي لحضور الحنو والمحبة والحبيب الذي يكمن في وقار أب حنون: 
(أعدك بأني سألعن حروف الصدفة / وأتشبث بحروف المغفرة / أعدك أني سأكون كما اردتني / ذات إحساس بالابوة والخوف عليّ) ص50
تميزت مجموعة فصول الجوزاء بالتكثيف والترميز ونسيج خيال مبدع يتواءم وقصر القصيدة ومرونة الفكرة وهذه المنجزات تحتاج الى مهارات عالية وموهبة قادرة على الإنجاز: 
(أعلم انها لحظات.. لكني أحسبها عمراً كاملاً / لو تربت على روحي بلمسة يدك) ص51
تقوم خاصية البوح على بث احاسيس الداخل وصهرها بمعادل موضوعي يعبر عن تجربة الشاعرة ووجدنا هناك موازنة بين الذاتي الداخلي والموضوع العام الذي تم استعارته لتحتوي المشاعر المشذبة.. مجموعة شعرية استطاعت ان تضيف شيئاً مهماً.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=162112
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 11 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28