• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نبذ التطرف مسؤولية الجيمع .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

نبذ التطرف مسؤولية الجيمع

ماهو التطرف
معنى التطرف والتعصب والارهاب الفاظ لها مداليل لغوية، فالتطرف ماخوذ من الطرف فطرف العصا احد نهايتيها وطرف البلدة احدى نهاياتها وهكذا، والتعصب ماخوذ من العصبية والعصبية ماخوذة من العصبة والعصبة هم المجموعة، والارهاب ماخوذ من الرهب، واليوم اصبح لهذه الالفاظ استعمالات على الصعيد الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي والامني.
فاي من التصرفات في الساحة الفكرية او الثقافية او الاجتماعية او السياسية او الامنية لا تتطابق مع القانون والقيم الانسانية تطلق عليها احد هذه احدى هذه الالفاظ بحسب ما تقتضيه المناسبة.
الفرق بين قبول الاخر والتعايش معه
وقبل الدخول في صلب الموضوع لابد من تقديم مقدمة، وهذه المقدمة يرعى فيها ان من الضروري التمييز بين قبول الاخر والتعايش معه، فهاتان حقيقتان وليستا حقيقة واحدة.
قبول الاخر
فلكل انسان اراؤه وافكاره وثقافته وقيمه، قد نتفق وقد نختلف وقد يصل الاختلاف بنا ان يكون الانسان في جانب والاخر في جانب اخر، مثلا التوحيد والالحاد قضيتان على طرفي نقيض، الايمان بفرض الحجاب وفي مقابله اعتبار الحجاب تقييد للحرية الشخصية، او الاتجاه الديني السياسي وفي قباله الاتجاه العلماني، او الشيوعي او الديموقراطي او المدني. 
ولا يمكن لاي من اصحاب الافكار الذين اشرنا اليهم ان يؤمن براي الاخر او بمنهجيته، اذ لا يمكن للانسان ان يكون موحدا وملحدا في نفس الوقت او يكون مسلما ومسيحيا في ان واحد، فان الايمان بفكرتين متضادتين ام متناقضتين محال عقلا، وكذلك لا يمكن لانسان ان يؤمن بمبدأ اجتماعي معين وبنقيضه، او بمنهج اقتصادي معين وبنقيضه، والخلاصة انه لا يمكن دعوى قبول الاخر، فلا يمكن للمسلم ان يعتقد بما في المسيحية من امور تتنافى مع الاسلام كما لا يمكن للمسيحي ان يؤمن بما في الاسلام من امور تتنافي مع عقيدته المسيحية، وهكذا في بقية الامور الاخرى.
التعايش مع الاخر 
المسالة الاخرى هي مسالة التعايش، هل يمكن للانسان ان يتعايش مع الانسان الاخر على الرغم من الاختلاف بينهما في الافكار والمباني والقيم، وهل في التجربة البشرية الطويلة الممتدة الى الاف القرون على الارض ما يؤيد امكان ذلك، الجواب بشريا نعم ذلك ممكن فكثير من ابناء الاعراق والثقافات والديانات والتقاليد المختلفة عاشوا الى جنب بعضهم، مع عدم قبول اي منهم للاخر، فالروم الوثنيون عاشوا الى جنب اليهود في ارض واحدة وبلاد واحدة حكمها الروم مع احتفاظ المجتمع اليهودي بخصوصيته.
المسلمون عاش الى جنبهم النصارى واليهود المجوس والصابئة على مدى من الزمن بلغ الى الان اكثر من 1440 سنة، البوذيون عاش الى جنبهم المسيحيون والمسلمون وبقيه ابناء الديانات الاخرى، والحال نفسه مع الهندوس حيث تحوي بلاد الهند مئات الديانات وهي في ازدياد دائم.
فالتجربة البشرية اذن لا تمنع من التعايش على الرغم من عدم قبول الاخر، ولكن هذا التعايش يتوقف على امرين الاول التباني الاجتماعي على احترام الاخر وعدم المساس به والثاني وجود سلطة مستندة الى قانون قادرة على ردع المعتدي ومنع تحول الخلاف الفكري الى صراع عسكري.
منشأ الصراع 
كما اشرنا الى ان المجتمع البشري بما هو في نفسه قابل للتعايش بين افراده الا ان تاريخ الانسانية مليئ بالصراعات والماسي التي عصفت بالبشرية مدة طويلة من الزمن وراح ضيحتها الملايين من البشر على مر العصور فما هو منشا الصراع، هل هو العقيدة ام السياسية ام الاقتصاد ام المجتمع؟
عند النظر الى الواقع الانساني نجد ان جميع العوامل التي اشرنا اليها دخيلة في اندلاع الصراعات وظهو النزعات المتطرفة والسلوكيات الارهابية.
والعامل الاهم فيها هو العامل السياسي، فان وجود تطرف فكري لا يمكن ان يتحول الى فاعل في الصراع في الساحة الاجتماعية الا اذا كانت الارادة السياسية هي المحركة نحو استهداف الاخر والحاق الاذى به، فقضاء البابليين على الدولة اليهودية لم تكن اسبابه دينية بحته اذ كانت الدولة اليهودية تمارس نشاطها كدولة مستقلة تحتل المنطقة الواقعة بين بلاد فارس الممتدة الى اطراف بلاد الشام والدولة الرومية في مصر لكن الصراع السياسي هو الذي ادى الى تدمير البابليين للدولة اليهودية، ولم يتم القضاء على الدولة الرومية والدولة الفارسية في بداية القرن الاول الهجري لولا النشاط السياسي للمسلمين مع ضعف الدولتين وتوفر قوة بشرية هائلة لدى المسلمين تمكنت من تدمير تلك الامبراطوريات التي حكمت قرونا متمادية قبل ظهور الاسلام في جزيرة العرب، وعلى الرغم من توسع العرب الا انهم لم يكرهوا الناس على دخول الاسلام بل من يدخل الاسلام بناءا على القناعة ، ولذا الى اليوم توجد في مدينة يزد الايرانية معابد للمجوس يوقدون فيها النار على الرغم من ان بلاد فارس امتد نفوذ الدولة الاسلامية الى ممتلكاتها ابتداءا من  سنة 11 هجرية وبحسب احد الاساتذة المصريين ان المصريين – الاقباط - لم يدخلو الاسلام الا في ايام الدولة الفاطمية، اي ان المصريين بقوا على الديانة النصرانية الى القرن الثالث الهجري ثم اعتنق القسم الاعظم منهم الاسلام وبقي اخرون على النصرانية وهم الذين يمثلون اليوم الكنيسة القبطية في مصر.
فالحرب والصراع الطائفي والديني المغذي الاساسي له هو السياسية، سواء كان الجانب السياسي ينطلق من جوانب توسعية بحتة او لاسباب اقتصادية سواء منها ما كان بسب الظروف الاقتصادية الصعبة او رغبة في توسع دائرة صادراتها، وايجاد سوق لبضائعها.
فالصراع الاوربي الداخلي في القرون الوسطى بين الفرنسيين والاسبان على زعامة العالم الكاثوليكي له عمق سياسي في من يسود الكاثوليك هل الاسبان ام الفرنسيون، والصراع العثماني الصفوي منشأه رغبة العثمانيين في الهيمنة على العالم الاسلامي، فقبل ظهور الدولة الصفوية لم تكن هناك قوة في بلاد المسلمين يمكن ان تنافس العثمانيين على زعامة العالم الاسلامي، لذا لم يتجه العثمانيون شرقا للسيطرة على بلاد المسلمين بل اكتفوا بالصراع مع اروبا، فاحتلوا اوربا الشرقية وشمال افريقيا لمحاصرة اوربا بحريا، مع اهمال منطقة القرم المسلمة عن عمد لتكون فاصلا بينها وبين روسيا، لكن مع ظهور الدولة الصفوية في بلاد فارس وتوسعها الى العراق شعر العثمانيون ان هناك منافسا لهم على زعامة العالم الاسلامي فدخلوا حروبا استنزفت طاقات المسلمين وامكانياتهم وانتهت بالانهيار السياسي للمسلمين، هذه الحقيقة التي ادركها المسيحيون في اوربا وامريكا فقرروا تصفية خلافاتهم واللجوء الى الحوار لان الحرب المسيحية - المسيحية من شانها ان تعيد اوروبا الى تاريخ القرون الوسطى الدموي وتضعفها امام اربعة اخطار، الخطر الاول هو الخطر الصيني المتنامي وبعبارة اخرى الخطر البوذي، والثاني هو الخطر الهندوسي الذي قد يطفوا الى السطح في قابل الايام فان الهند من الدول النووية مضافا الى امكانياتها البشرية الهائلة وهي في مصاف الدول الصناعية، والخطر الثالث هو خطر الكنيسة الارثوذوكسية الروسية، والخطر المقموع وهو خطر المسلمين.
في اروبا وفي العقد الاخير من القرن العشرين ارتكبت ابشع المجازر الطائفية بحق المسلمين البوسنيين على يد المسيحيين والاسباب الحقيقية هي اسباب سياسية غذت النزعة الدينية.
وما تعرض له العراق وسوريا بداية القرن الحادي والعشرين وقبلهما لبنان في الثلث الاخير من القرن العشرين وما تتعرض له ليبيا اليوم والى جنبها اليمن كلها حروب سياسية مغلفة بالطائفية المذهبية او الصراعات الدينية، والحروب التي عاشتها بلاد المسلمين فيما بينها بعد استقلالها الشكلي عن الدول التي كانت تحتلها انما هي حروب تدار من قبل الماكنة الدولية في سبيل رعاية مصالح تلك الدول، فالحرب العراقية الايرانية التي دامت ثمان سنوات كانت تدار باكف عالمية المنفذون لها حكام الخليج باموالهم وصدام حسين باعلان الحرب على ايران في محاولة من امريكا واتباعها في منع تكرار التجربة الايرانية في البلدان الاسلامية، وتطويقا للتغيير في الخارطة السياسية التي رسمت على يد بريطانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين لمنطقة اسيا، فشمال القارة الهندية الذي يضم باكستان وبنغلادش وافغانستان مضافا الى ايران والعراق والجزيرة العربية وفلسطين والاردن ومصر والسودان كانت باجمعها قد رسمت لها خارطتها السياسية على يد الانجليز منذ القرن الثامن عشر الميلادي ونفذ المخطط في بتمامه في القرن التاسع عشر ولم تندلع الحرب العالمية الاولى حتى اكملت الخارطة بضم العراق وفلسطين والاردن الى الهيمنة البريطانية الفعلية، ولذا لم تخض القوات البريطانية في المنطقة العربية حروبا ضد القوات العثمانية الا في هذه المناطق اما البقية فكانت تحت النفوذ البريطاني كالحجاز وامارات الخليج ومصر.
والمنطقة المسلمة اليوم تخضع لبرنامج اعادة رسم الخارطة السياسية ضمن البرنامج البريطاني الامريكي الصهيوني او بعبارة اخرى ضمن السياسية البروتستانية – اليهودية للهيمنة على المنطقة الاسلامية لضمان عدم قيام كيان اسلامي يهدد المستقبل السياسي والامني والاقتصادي للغرب الكاثوليكي البروتستاني، وهو الذي ابتدا عمميا في اقامة دولة لليهود في فلسطين وبعدها اعلان برنامج اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات الذي حققته اسرائيل سنة 1976 بضم الجولان وسيناء اليها، واليوم تدعو اسرائيل وامريكا وبمباركة اوربية الى الشرق الاوسط الكبير الذي تتزعمه اسرائيل ويمتد من المحيط الاطلسي الى حدود الصين عن طريق فرض المشروع الابراهيمي على المستوى الثقافي والفكري والدستوري والاقتصادي، المشروع الذي يضمن التفوق الاسرائيلي على العالم الاسلامي مع قصر المشروع الابراهيمي على المنطقة المسلمة فقط فلا يمتد الى اوروبا مع انهم من اتباع عيسى عليه  السلام وهو من ذرية النبي ابراهيم (عليه السلام) ولا الى الصين البوذية او الهند الهندوسية.
والخلاصة ان العالم اليوم يعيش في اقسى انواع التطرف والارهاب الفكري والسياسي والاقتصادي والامني وتقوده الدول الكبرى في العالم ومصاديقه اشهر من تذكر وواضح من ان تخفى وكل ما يحتاج اليه الانسان هو الاطلاع والتفكيك وتحليل الاحداث، فما يُسوق الينا من نبذ التطرف ما هو الا دعوة جميلة في مظهرها مُرة في جوهرها، اذ انهم يدعوننا الى التنازل عن قيمنا واعتناق قيمهم، فمن رفض قيمهم اتهم بالتطرف وشنوا عليه حربا متطرفة يدعمونها بالمال وفتاوى التكفير والمعلومات الامنية والاستخبارية حتى اذا انتهت حاجتهم الى القوى التكفيرية التي صنعوها عادوا اليها لهدمها وتحطيمها تحت مسمى محاربة التطرف والتكفير فالحرب في القرن العشرين في بلاد المسلمين حرب بين المسلمين بقيادة مسيحية اسرائيلية وتنفيذ غبي من حكام المسلمين لارادة الغرب.
التطرف والغزو الثقافي
يسعنا القول ان التحول في القيم المجتمعية والفكرية والثقافية في العالم الغربي وما رافقه من تطور تقني باهر وتاثر المجتمعات الشرق اوسطية بالتطور الغربي في المجال التقني الذي اسهم في تاثرهم بعد ذلك بالجوانب الاخرى ملقين باللوم في ساحة التخلف عن ركب التطور التقني العالمي على القيم المجتمعية والثقافية الموروثة، فاصبح المستغربون حملة فكر متطرف ازاء التراث والموروث الثقافي والمجتمعي وعزز ذلك الغزو الاوربي لبلاد المسلمين والسيطرة على القرار السياسي والاقتصادي والتعليمي في بلداننا ومن ثم تطور الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي الذي جعل المجتمع ينقسم الى ثلاثة اقسام متطرف في الولاء للحضارة الغربية ومتطرف في الولاء للمعسكر الشرقي بقيمه الجديدة والثالث مدافع عن الموروث الاجتماعي والارث الحضاري، واستمر النزاع بين الاجنحة الثلاثة طويلا حتى انهيار المعسكر الشرقي فعادت الحرب ضروسا بين المحور الغربي والمحور المدافع عن الموروث وتولد عن الصراع ظهور قسم ثالث وهو القسم الذي يدعو الى الحفاظ على التراث والموروث الحضاري في قيمه الفكرية والاجتماعية والسلوكية ومزجه بالجوانب الضرورية لتقدم الحياة في جوانبها المادية.
ما ينبغي فعله
ان اي مجتمع من المجتمعات لا يعيش بمعزل عن المجتمعات الاخرى وليس بمنأى عن التاثيرات السياسية والاقتصادية والامنية والفكرية ولذا يتعين على المعنيين بالجانب الفكري التمييز بين مقتضيات الصراع الحضاري وضرورة التعاطي الواقعي في التعايش مع الاخر.
التعاطي مع الاخر في المنطلق الحضاري الاسلامي
المنطلق الحضاري الاسلام بوجهه الاصيل يترجم من خلال الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، وسيرة اهل البيت عليهم السلام باعتبار سيرتهم بنص حديث الثقلين المتواتر بين المسلمين فهم عدل الكتاب الذي ان اتبع والكتاب معا اتباعا حقيقيا فلن تضل الامة وتبقى محافظة على كيانها وقيمها.
سيرة النبي (صلى الله عليه واله) وامير المؤمنين (عليه السلام) 
فاما السيرة العطرة للنبي (صلى الله عليه واله) فانه عندما دخل المدينة المنورة لم يامر بقتل مشركيها بل تركهم وشانهم حتى اسلموا عن قناعة، واما المنافقين الذين في المدينة فان النبي (صلى الله عليه واله) مع علمه بهم لم يهجهم بشئ، واما اتباع الديانات الاخرى الذين كانوا يرتبطون بعهود مع اهل المدينة فاقرهم دستور المدينة المنورة على دينهم ضمن شروط نصت عليها وثيقة المدينة، وبعد معاهدة الحديبية تحالفت معه (صلى الله عليه واله) قبيلة خزاعة ولم يكونوا جميعا مسلمين، بل عبر المؤرخون عن قبيلة خزاعة ان مشركهم ومسلمهم كان مع النبي (صلى الله عليه واله) بينما كانت بكر مع قريش، وبعد توسع الدولة النبوية لم يكره النبي (صلى الله عليه واله) نصارى نجران على اعتناق الاسلام بل كانت هناك قوانين تنظم العلاقة بين الدولة النبوية وبين رعاياها من الاديان الاخرى وهي لا تزيد عن القوانين المنظمة لحياة المسلمين فالمسلمون يدفعون للدولة النبوية ضريبة شرعية تسمى الزكاة واتباع الديانات الاخرى كانوا يدفعون ضريبة مالية تسمى الجزية.
هذا ما كان بين الدولة النبوية وبين رعاياها، واما ما كان بين الدولة النبوية وبين الدول الاخرى فكانت تلك الدول لا تعترف بالدولة النبوية من الناحية السياسية، اذ لم تعتد الامبراطورية الرومية والامبراطورية الفارسية والدولة المصرية في ذلك الوقت على ايلاء سكنة بادية الجزيرة العربية اهمية، فلما استتب الامر للنبي (صلى الله عليه واله) وتوسعت دولته لتضم جزيرة العرب واليمن واطراف العراق وبلاد الشام، ارسل الى ملوك تلك البلدان يدعوهم الى الاسلام فما كان من المسؤول الرومي الا ان قام بقتل مبعوث رسول الله (صلى الله عليه واله) فجهز (صلى الله عليه واله) جيشا من ثلاثة الاف مقاتل بقيادة جعفر بن ابي طالب وخليفتيه في القيادة زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضوان الله عليهم اجمعين لرد اعتبار الدولة النبوية، والتقوا بالقوات الرومية التي كانت تفوقهم بعشرة اضعاف العدد والتحموا في معركة ابدى فيها المسلمون وقادتهم اروع دروس البطولة واستشهد القادة في المعركة ليتركوا في نفوس الروم اثرا استمر معهم في كل حروبهم اللاحقة مع المسلمين في ما عرف في ادبيات المسلمين بحروب الفتوحات.
وكذلك الحال في ايام حكم امير المؤمنين (عليه السلام) فان الدولة كانت قد توسعت كثيرا لتشمل مساحات شاسعة من وسط اسيا وافريقيا، ولكن لم يعهد انه (عليه السلام) امر بابادة اصحاب الاديان الاخرى او التجاوز عليهم ما دواموا ملتزمين بالقانون الذي ينظم حياتهم داخل الدولة والذي يعرف في اصطلاح الفقهاء بعقد الذمة.
وكانت الحرية الفكرية والعبادية لهم مضمونة شريطة ان لا يتسببوا في تشويش معرفي في اوساط عوام المسلمين اما المناظرات العلمية مع علماء المسلمين بل مع النبي (صلى الله عليه واله) والائمة (عليهم السلام) فهي مدونة ومشهورة في بطون الكتب التي روت تاريخ الائمة (صلوات الله عليهم) وما اية المباهلة الا نحو من انحاء اقرار الاخرين على اديانهم وعقائدهم ولما بلغ الامر رفض اهل الكتاب لما جاء به الاسلام مدعين بطلان دين الاسلام وعدم اقرارهم بنبوة النبي (صلى الله عليه واله) دعاهم النبي (صلى الله عليه واله) الى الابتهال الى الله تعالى بان يجعل اللعنة على الكاذبين وحددوا يوم المباهلة وجاء النصارى بزعمائهم وجاء النبي (صلى الله عليه واله) بعلي وفاطمة والحسنين (صلوات الله عليهم اجمعين) فلما راى كبراءهم ذلك انسحبوا من التباهل ووافقوا على دفع الجزية واقرارهم على دينهم.
فاذن السيرة العطرة في ادارة الدولة النبوية انها كانت ترفض الشرك لان الشرك ليس دينا حقيقيا بل هو عبارة عن جهل مطلق وتلاعب باموال الناس وارواحهم وقيمهم اذ لا ضابطة في الشرك ولا قوانين فكان اجتثاث الشرك انتصار لتحرير الانسان من الجهل والظلمات، واما اتباع الديانات الاخرى التي لها نحو ارتباط بالرسالات الالهية فلم يتعرض لهم النبي  (صلى الله عليه واله) بسوء بل نظم شؤونهم الحياتية في الدولة النبوية بما يضمن لهم حريتهم وكرامتهم كمواطنين في الدولة النبوية الكريمة.
النص القراني
واما القران الكريم وهو الدستور الالهي الخالد الذي يبين لنا بوضوح لا لبس فيه الخطوط العامة للحضارة الاسلامية في تعاطيها مع اتباع الاراء والديانات الاخرى فقد تضمنت نصوصه العديد من الفقرات الدستورية في هذا المجال.
مواضيع الايات الشريفة
ومن الجدير بالاشارة ان هناك نصوص قرانية تمثل المسار العام لخط التعاطي مع الاخر وهناك نصوص تمثل الحالات الاستثنائية.
وهناك ايات تتحدث عن الجانب الشخصي للانسان وهناك نصوص تتحدث عن الجانب الاجتماعي. ونصوص تتحدث عن مقتضيات الدولة.
من امثلة الايات القرانية التي تمثل المسار العام لخط التعاطي مع الاخر قوله تعالى 
(ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة والحسنة وجادلهم بالتي هي احسن)
وقوله تعالى
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ 
فهذه الاية الشريفة صريحة بأن دور الانبياء هو دور البيان والتذكير والدعوة الى التفكر للوصول الى الحقائق والمساعدة في بيان الحقائق والتوصل اليها، واما اليقين فهو مسألة شخصية، لا يمكن لاحد ان يغوص في اعماق الاخر ليسلب منه اعتقاده وايمانه وقناعته، فالمركز هو الذات والفكر، وهما اللذان يؤهلان الانسان الى الوصول الى درجة اليقين والايمان والاعتقاد الجازم.
وقوله تعالى 
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ 
وقوله تعالى
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ 
وقوله تعالى
﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ 
وفي الايات الكريمة لا نجد القران الكريم يطلب من المؤمنين القضاء على تلك الاتجاهات الفكرية المنحرفة، بل زاد على ذلك في التأكيد على ان الايمان مسألة قلبية، وعقيدة شخصية لا يمكن ان تفرض فرضاً حيث قال تبارك وتعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ 

واما الايات الشريفة التي تشير الى الحالات الاستثنائية فمنها قوله تعالى: 
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ 
والسبب في ذلك امني بحت وهو الذي اشار اليه قوله تعالى:
﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ، اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ 
وقوله تعالى: 
﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ 
وقوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ 
وقوله تعالى:
﴿وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ 
والخلاصة النهائية ان الحق واحد لا يتعدد  
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾   
وبالجمع بين هذه الاية الشريفة والايات الاخرى يتبين ان الاسلام لا يمنع من التعايش بين المجتمعات الانسانية وان كان يرفض العقائد والاراء الباطلة ويدعو على نحو الالزام الى اقامة احكام الشريعة الالهية لمن يعتقد بها كونها نابعة عن عبادة وقصد قربة لله تعالى كما شرع قوانين في الدولة تحفظ حق المسلمين ومن يعيش معهم من ابناء الديانات الاخرى.


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=162440
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 11 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28