• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إذا سمّيتها فاطمة.. فلا تضربها ! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

إذا سمّيتها فاطمة.. فلا تضربها !

 بسم الله الرحمن الرحيم

وَأْدُ الْبَنَات‏..
عادةٌ جاهلية نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله فيما نهى، فقد بُعث إلى قوم: قَطَّعُوا أَرْحَامَهُمْ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَدَفَنُوا فِي التُّرَابِ الْمَوْءُودَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ (الكافي ج‏1 ص61).

لم ترتفع كلُّ تَرَسُّبات الجاهلية بعد عشراتٍ من السنين.. تَوَقَّفَ وأدُ البنات، لكن بقي شيءٌ من الكراهية لإنجابهنّ، وقد دخل (السكونيُّ) يوماً على الإمام الصادق عليه السلام وهو (مَغْمُومٌ مَكْرُوبٌ)، فسأله الإمام عن غَمِّه، فقال: وُلِدَتْ لِي ابْنَةٌ!

فقال الإمام عليه السلام: يَا سَكُونِيُّ، عَلَى الْأَرْضِ ثِقْلُهَا، وَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا، تَعِيشُ فِي غَيْرِ أَجَلِكَ، وَتَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ رِزْقِكَ.
كلماتٌ عظيمةٌ من إمامٍ عظيم.. فلا أنت يا سكوني تحمِلُها ولا أنت ترزقها، فمَن يرزقك يرزقها، لن تأخذ من عمرك شيئاً ولا تشركُك فيما أعطاك الله، بل الرازق لك رازقٌ لها.

سَرَّى الإمام بكلامه عن السكوني فانكشف غمُّه، لكنه (ع) سأله عن اسمها.
فَقَالَ لِي: مَا سَمَّيْتَهَا؟
قُلْتُ: فَاطِمَةَ.
قَالَ: آهِ آهِ.

يتأوَّهُ الصادق لمّا سمع باسم فاطمة..
كيف لا يتأوّه وهو العالم بمكانتها عند الله ورسوله.. وهو العالم بحقيقة ما جرى عليها.. كيف لا يتأوّه على مَن ظُلِمَت ولم تتمكّن من بثّ شكواها إلى أحد؟!

لقد بلغنا من ظلامتها عن لسانها في رواية واحدة أنهم:

- جَمَعُوا الْحَطَبَ الْجَزْلَ عَلَى بَابِنَا..
- فَأَخَذَ عُمَرُ السَّوْطَ مِنْ يَدِ قُنْفُذٍ.. فَضَرَبَ بِهِ عَضُدِي‏
- فَالْتَوَى السَّوْطُ عَلَى عَضُدِي حَتَّى صَارَ كَالدُّمْلُج‏
- وَرَكَلَ الْبَابَ بِرِجْلِهِ فَرَدَّهُ عَلَيَّ وَأَنَا حَامِل‏
- فَسَقَطْتُ لِوَجْهِي وَالنَّارُ تُسْعَرُ وَتَسْفَعُ وَجْهِي‏
- فَضَرَبَنِي بِيَدِهِ حَتَّى انْتَثَرَ قُرْطِي مِنْ أُذُنِي‏
- وَجَاءَنِي الْمَخَاضُ فَأَسْقَطْتُ مُحَسِّناً قَتِيلًا بِغَيْرِ جُرْم‏ (بحار الأنوار ج‏30 ص348)

كلُّ هذه المصائب العظيمة وردت في رواية واحدة عن لسانها! فلو جُمِعَ ما ورد في سائر الروايات لكان عجباً.

رغم كل هذا، روينا عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا !! (الكافي ج‏1 ص459)

فما الذي جرى عليها فوق ذلك مما اعتلج بصدرها ولم تجد إلى بثه سبيلاً؟!

سلام الله عليك يا صادق آل محمد.. وعلى تأوُّهك على أمك الصديقة الشهيدة المظلومة.

وبعدما تأوّه الصادق عليه السلام..
وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ.. إِذَا كَانَتْ أُنْثَى أَنْ يَسْتَفْرِهَ أُمَّهَا..

يَسْتَفْرِهَ أُمَّهَا: إنّ من معاني الاستفراه الإكرام، أي يكرمها.
فإكرامُ الأم من حقوق الولد على الوالد إذاً!

ما أعظم هذا المعنى! وهو حقٌّ مشتركٌ لو كان الولد ذكراً أو أنثى.
ومَن يؤدي حقَّهُ كأمير المؤمنين عليه السلام؟ ومن يُكرِمُ الأمّ أمام أبنائها كعليٍّ عليه السلام؟
لطالما رأى الحسن والحسين وزينب (ع) أعظم إكرامٍ لأمهم من أبيهم..

ثم رأوا ما يثير العجب.. أجلافٌ على بابها! طغاةٌ يحرقون دارها!
آه آه.. مما جرى عليها، وعلى أولادها..

حقٌّ آخر للأنثى على أبيها، يقول عليه السلام: وَيَسْتَحْسِنَ اسْمَهَا..

وهل من اسمٍ أحسن من (فاطمة) يسميها به النبي (ص)؟!
السكوني قد أسمى ابنته فاطمة فأدّى الحق هذا على أكمل وجه.

لكن هذا الحق يستتبعُ أمراً آخر.. إنّ تَسمِيَتَهَا ب(فاطمة) يوجب عليه حقاً جديداً، لخَصِيصةٍ في اسم (فاطمة)، أليس اسماً لسيدة النساء المظلومة المقهورة؟

يقول (ع) للسكوني: أَمَّا إِذَا سَمَّيْتَهَا فَاطِمَةَ فَلَا تَسُبَّهَا، وَلَا تَلْعَنْهَا، وَلَا تَضْرِبْهَا (الكافي ج‏6 ص49)

فمن أسمى ابنته فاطمة صار منهياً عن ضربها!
فكيف بفاطمة التي تُسمى الفتيات باسمها؟!
ما حال ضاربها؟! ومُحَرِّق بابها، ومُسقِط جنينها؟

أعرابٌ أجلافٌ، هَمَجٌ رعاع، جفاةٌ قساة، لا رحمة عندهم ولا لين.. لا ذمّة لديهم ولا دين..

الشريعة تنهى عن ضرب أيّ فاطمةٍ في الوجود، حتى في مثل ضرب الأب، وضربُ الأب رقيقٌ للتأديب.. فينهى الإمام (ع) السكونيَّ عن أن يضرب ابنته فاطمة..

لكنّ فاطمة ابنة الرسول (ص) تضرب، وأيُّ ضربٍ!
فاستبدلت بعد العز مع الرسول وابن عمِّه ضرباً من القساة الجفاة..

فلا تُضرَبَنَّ بعد ذلك أيُّ فاطمة..

هي رسالةٌ لمن في قلبه مقدارُ ذرّةٍ من عَدلٍ وإنصاف..
الفواطم مكرّمةٌ لاسمهنّ.. وفاطمة الصديقة الكبرى تُهان ويعتدى عليها..

ثم توالي الأمّة هؤلاء المعتدين، وتجعلهم خلفاء لله في أرضه؟!

أما فيكم عِرقٌ ينبض؟ أما فيكم ذَرَّةٌ من شرفٍ وضمير؟!

سيبقى الخنوع رفيقاً للمسلمين، ما لم يبرؤوا وسائر الدنيا ممن ضرب فاطمة عليها السلام وقَتَلَها..

وإنا لله وإنا إليه راجعون..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=162561
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 12 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28