• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : نَفَسُ المهموم.. لِظُلمِ الزَّهراء : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى .

نَفَسُ المهموم.. لِظُلمِ الزَّهراء : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم 

ينقل الشيخ المفيد أعلى الله مقامه روايةً عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام)، فيها ثلاث جمل:

الجملة الأولى: نَفَسُ المهْمُومِ لِظُلْمِنَا تَسْبِيحٌ.
الجملة الثانية: وَهَمُّهُ لَنَا عِبَادَةٌ.
الجملة الثالثة: وَكِتْمَانُ سِرِّنَا جِهَادٌ فِي سَبِيلِ الله‏.

والمهمُّ هو قول الإمام في تتمة الحديث: يَجِبُ أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الحَدِيثُ بِالذَّهَبِ.

والأحاديث التي ورد فيها ما ورد في هذا الحديث قليلةٌ، والمهمّ هو دراية الحديث، فإذا فُهِمَ هذا الحديث يتضح لماذا يجب أن يكتب بالذهب.

نَفَسُ المهْمُومِ لِظُلْمِنَا تَسْبِيحٌ: إنّ درايةَ وفقه الحديث تتوقف على أن يتّضح التسبيحُ في الكتاب والسنة وتُفهَمَ حقيقته، ودون ذلك خرط القتاد.

اقرؤوا المسبِّحَات في القرآن، سواءٌ بصيغة الماضي أو المضارع: ﴿سَبَّحَ لله﴾ ﴿يُسَبِّحُ لله ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْض‏﴾، وهذه الكلمة مهمةٌ إلى حَدِّ أن يكون المخاطَب فيها هو الشخص الأول في هذا العالم ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الغُرُوبِ﴾.

وقد عُدَّت الصلاة أعظمَ وظائف الدين، فهي ركنُ الدين، والركوع والسجودُ من أركان الصلاة، وفي الركوع: سبحان ربي العظيم وبحمده.
وفي السجدة التي تُعَدّ منتهى القرب: سبحان ربي الأعلى وبحمده.

وقد ذُكِرَتا في القرآن: التسبيح باسم الربّ العظيم ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظيمِ﴾، والتسبيح باسم الربّ الأعلى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏﴾، وإذا فُهِمَت حقيقة التسبيح تتضح جملةُ سادس الأئمة (عليه السلام) من جهة دراية الحديث.

إنّ عظمة التسبيح بلغت درجة أن يسبّح الله نفسه عند ذكره أعظمِ فضيلةٍ وهي الإسراء، لأعلى شخصيةٍ في العالم وهو الخاتم (صلى الله عليه وآله): ﴿سُبْحانَ الَّذي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى﴾.

وفي قضية يونس قال تعالى: ﴿فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ المسَبِّحين‏ * لَلَبِثَ في‏ بَطْنِهِ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾: فلو لم يكن يونس من أهل التسبيح كان عليه أن يبقى سجيناً في بطن الحوت إلى يوم البعث.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): مَنْ قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كَتَبَ الله لَهُ ألفَ ألفِ حَسَنَة، وَمَحَا عَنْهُ ألفَ ألفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألفَ ألفِ دَرَجَةٍ.

قِيمةُ نَفَسٍ واحدٍ على الظُّلم الذي وقع على فاطمة الزهراء عليها السلام هو هذا التسبيح، ولذا قال الإمام (عليه السلام): يَجِبُ أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الحَدِيثُ بِالذَّهَبِ.

اغتنموا هذه الأيام، فإذا عرف الإيرانيون هذه المعاني ينبغي أن يكون يوم شهادتها يومَ عويلٍ وعزاء.

أمّا التُرَّهات التي يروِّجُ لها عدةٌ من العوام ولو وضعوا على رأسهم عمامة، والتي يلقونها في نفوس العامة، من أنّ هذا المقدار من العزاء قد تجاوز الحدود، فإنّها تكشف عن حدّ انعدام الوعي والإدراك والعلم عندهم. 

ورد في الحديث عن الصادق (عليه السلام) في مناجاته لله تعالى: وَارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا: يترحّم رأسُ المذهب ورئيسه لا على البكاء فقط، بل على الصرخة والعويل عليهم.

 ينبغي على الناس أن يفهموا مَن كانت الصديقة الكبرى، لم يعرفها أحدٌ ولا يعرفها أحدٌ ولا يمكنهم أن يعرفوها، مَن عَرَفها هو شخصٌ واحد، هو الذي قال عن نفسه عندما أُرجعت الأمانة: يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ مَعَ الزَّفَرَات‏!

الروايات في هذه الجوهرة محيِّرةٌ، فعن أوَّلها تنصُّ الرواية أنّها خُلِقَت قبل خلف العالم بألف دهر! أمّا آخرها، فغير قابلٍ للقول.. 

ينقل الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه روايةً، وعليكم أنتم الذين بذلتم عمراً وجُهداً لتشييد مباني الأصول، أن تدقِّقوا في هذا الحديث لتعرفوا وتُعَرِّفُوا الناس مقامها، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): 

وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي: عقلُ الكلّ وعِلم الكلّ، والهداية الكلية، وصفوة الكل وعبادة الكلّ، صارت هذه الجوهرةُ قسماً منه. 

وَهِيَ نُورُ عَيْنِي: هذه الكلمات تحيِّر العقل، هي نور عينه فلو لم تكن لم يكن المصطفى ليرى! أيُّ معنى هذا؟! 

وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي: من كان وجوده ثمرة كل العالم، يقول فاطمة ثمرة وجودي! لا ينتهي الأمر هنا، فالجملة التي نقلها شيخ الطائفة: 

وَهِيَ رُوحِيَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ: روحُ العالم هو الخاتم (صلى الله عليه وآله)، وروح الأنبياء والمرسَلين هو خاتم النبيين، فأيُّ جوهرة هذه التي صارت روحَ روحِ العالم؟ 

الآن يُفهم لماذا قال (عليه السلام): 
نَفْسِي عَلَى زَفَرَاتِهَا مَحْبُوسَةٌ * * * يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ مَعَ الزَّفَرَات‏

وَهِيَ الحَوْرَاءُ الإِنْسِيَّةُ، مَتَى قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا جَلَّ جَلَالُهُ: لا إله إلا الله، مَن كانت؟ وماذا فعلت؟ وماذا حصل معها؟ فالحديثُ لا عن مرَّةٍ، بل كلَّما قامت بين يدي ربها ولم يكن بينها وبين الله حجاب:

زَهَرَ نُورُهَا لِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ كَمَا يَزهَرُ نُورُ الكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الأَرْضِ: وههنا حيرة الكمّل، لمن يزهر؟ يزهر للملائكة الذين: أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ، وَرَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ، هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ، فهؤلاء الملائكة كلُّهُم يتحيّرون من هذا النور الذي يشرق من هذه الروح على العرش، وتصل النوبة لمباهاة الله تعالى، ملائكة السماء بِقَدَميها المتورِّمتين، وهو الغنيِّ على الإطلاق، الحكيم على الإطلاق.

وَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: يَا مَلَائِكَتِي انْظُرُوا إِلَى أَمَتِي فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ إِمَائِي قَائِمَةً بَيْنَ يَدَيَّ، تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي، وَقَدْ أَقْبَلَتْ بِقَلْبِهَا عَلَى عِبَادَتِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ: 

ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله) بعدما ذكر هذه المطالب: وَإنِّي لما رَأَيْتُهَا ذَكَرْتُ مَا يُصْنَعُ بِهَا بَعْدِي: ما الذي كان يحلّ بالخاتم (صلى الله عليه وآله) كُلَّمَا نظر إليها؟ وذَكَرَ ضلعها المكسور!

كَأَنِّي بِهَا وَقَدْ دَخَلَ الذُّلُّ بَيْتَهَا، وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُهَا، وَغُصِبَتْ حَقَّهَا، وَمُنِعَتْ‏ إِرْثَهَا، وَكُسِرَ جَنْبُهَا: ماذا يعني كلامه (صلى الله عليه وآله)؟ يعني أنَّهُ كان يرى ما سيجري عليها كلّ هذه المدة. وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا وَهِيَ تُنَادِي: يَا مُحَمَّدَاهْ، فَلَا تُجَابُ، وَتَسْتَغِيثُ فَلَا تُغَاثُ، فَلَا تَزَالُ بَعْدِي مَحْزُونَةً مَكْرُوبَةً بَاكِيَةً.. والباقي غير قابلٍ للقول.

مَا زَالَتْ بَعْدَ أَبِيهَا مُعَصَّبَةَ الرَّأْسِ نَاحِلَةَ الجِسْمِ، مُنْهَدَّةَ الرُّكْنِ: شابَّةٌ في الثامنة عشر، ماذا فعلوا بها حتى صارت منهدَّة الركن؟ لا اله الا الله.. ظلّت يغشى عليها كلّ ساعةٍ طيلة 95 يوماً! 

ما هي وظيفة الأمّة في مثل هذه المصيبة؟ إمام الزمان سيسألكم جميعاً: ماذا فعلتم لأمّي التي كُسِرَ ضلعها؟

لا ينبغي لهيئات العزاء أن تسمع للدعوات الشيطانية، بل ينبغي على كلّ الهيئات أن تخرج لتعزية ذلك القلب، الذي حمل بَدَنَها على يده وقال: وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا! 

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

من كتاب (أنوار الإمامة) ص326




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=163479
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 01 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28