• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : من وحي شهريار وشهرزاد (43)  حلم الاستنساخ .
                          • الكاتب : عمار عبد الكريم البغدادي .

من وحي شهريار وشهرزاد (43)  حلم الاستنساخ

"حينما نفهم أن أولادنا ثمرة الحياة وسطور رسالتها الخالدة نضع نصب أعيننا نجاحاتهم على وفقِ اختياراتهم وقناعاتهم وليس بمقاييس تجاربنا القديمة..لايمكن للثمرة أن تكون بطعم الغصن لكنها ترتشف عطاءه لتزداد رونقا وجمالا ".

شهرزاد : هل تعرف ياشهريار أنني أنظر بعين العجب لبعض الأباء والأمهات وهم يحاولون إستنساخ حياتهم من خلال أولادهم ؟ .

شهريار : علل كثيرة لهذا الفعل ، أبسطها أن يكون الأبن الأكبر أو البنت الكبرى ، (الوريث الشرعي) بنظر هذا الصنف من الوالدين لجميع الطباع والصفات وطرق الحياة ،كما ينطبق هذا الحال على الولد الأشبه بابيه خَلقاً ، او البنت الأشبه بأمها ،فمادام هذا الخَلَف الأول او الأشبه فان عليه أن يسير على نهج ثابت ،كأنه مقطورة خلف قطار قديم لا تحيد عن مساره أبدا .

وقليل من الآباء والأمهات يخلعون هذه العباءة عن ظهورهم ،وحتى هؤلاء يقعون في شِباك الحب المشروط على قاعدة ( إمّا أن تكون ناجحا بمقايِيسنا واختياراتنا ، وإمّا أنتَ فاشل ) .

وأني لألتمس العذر ابتداءً للغالبية من هؤلاء وهم يرون في أبنائهم صورة حيّة لهم تُذكرهم بشبابهم وطموحاتهم التي لم تتحقْ ، ويسعون جاهدين لتحقيقها من خلالهم ، ولا يخفى على أحد أن الأب والأم هما الوحيدان في هذا العالم اللذان يتمنيان لأولادهما أن يكونوا أفضل حال منهما ،وعلى هذا الأساس يجد هذا الصنف من الوالدين أنّ من الطبيعي تحقيق الخلف ماحلم به السلف طويلا ، فبذلك سعادة للطرفين ، ولايتبادر لذهن السلف أبدا إنهما من عالمين مختلفين ، ولولا أن الله تعالى قد أحكم خلقه بانتقال الجينات الوراثية عبر الحامض النووي لما وجد السلف في أبنائهم ما يشبههم خَلقا، ولولا السلوكيات المطبوعة في أذهاننا ( صنيعة أبائنا وأمهاتنا ) ماوجدوا تقاربا في المفاهيم الخاطئة منها والصحيحة ، فلكل جيل أحواله، صفات وسمات ، أفكار وطموحات ، وأحلام تختلف كل الإختلاف عن الجيل الذي سبقه ، لا أتحدث هنا عن قرن من الزمن ، بل عن بضعة عقود يشهد فيها العالم تغيرات عجيبة ، ونكاد لا نصدق أننا نعيش على كوكب الأرض نفسه حينما نقارن بين جيلين في بداية قرن ومنتصفه ، لا سيما بعد الثورتين الصناعية والتكنولوجية .

ذلك العذر الذي ألتمسه للوالدين يتهاوى تماما إذا عرف الأباء والامهات هذه المعاني ، وحينها لن يطمحا الى تحقيق حلم الإستنساخ ، فان ما كُتب في سطور حياتهم لا شأن له فيما يُسَطّر في حياة أبنائهم وبناتهم .

شهرزاد : مهلا ياشهريار ..أنت تنسف ماذكرناه آنفا عن الرباط المقدس الذي يجمع بين الأم وولدها ، الم تقنعني بأن "نفخة الروح الألهية مرت بالقلعة المحصنة ( الام ) قبل أن تصل الى أجسادنا الرقيقة في الرحم وتناغمت مع نبضات قلبها ، وزادت من أواصر الترابط المقدس بينهما ، وأن نطفة الأب شهدت ذلك الموقف لأنها كانت سببا في خلق الجنين ، وجعلته طرفا أصيلا في العلاقة المتينة بين الوالدين والمولود"؟! .

شهريار : رفقا بي يا شهرزاد انت تظلمينني حقا ! .. نعم قلتُ هذا وأكثر ،لكننا كنّا نتحدث في حينها عمّا يسمى بالوعي فوق الحسي، وذكرنا أن الأفراد من ذوي الروابط الإنفعالية القوية لديهم فرصة أعظم لتحقيق التواصل النفسي فوق الطبيعي،وكما تفضلتِ فإني أجدُ مشهد نفخ الروح في رحم الأم وبشهادة نطفة الأب سببا مباشرا لتلك الروابط الإنفعالية ،وبالتالي تحقيق أعظم رابط مقدس يصل بين الوالدين والأولاد ، ولو تداعت للفصل بينهم كل جبال الأرض ووديانها وبحورها .

إنّ ماذكّرتِنا به ياشهرزاد حجة لنا لا حجة علينا ، فإن كان الوعي فوق الحسي قادرا على تجاوز المسافات ، وعبور البحار ، والمرور فوق قمم الجبال ، والشعور بالخطر الذي يداهم إبناً مهاجرا او إبنة مسافرة ، وسماع نداء استغاثة على بعد آلاف الأميال ، فمن باب أولى إنه قادر على النفوذ الى نفوس أولادنا ،وهم يعيشون في كنفنا وتحت خيمتنا ، والتعايش مع طموحاتهم الخاصة ، وتفهم تطلعاتهم بعيدا عن تجاربنا وأحلامنا الضائعة .

وعلينا أن نؤكد هنا أن الحتميتين الوراثية و النفسية تصنعان مزيدا من التطابق الخَلقي والأخلاقي لكنهما لا تكونان أبدا سببا في تطابق الأحلام والتجارب والطموح ، وللحديث بقية .

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

للتواصل مع الكاتب : ammaralbaghdadi14@gmail.com

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=163538
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 01 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28