تصاعدت في الفترة الاخيرة حدة الاصوات التي تطالب الى تحديد ولاية رئيس الوزراء بدورتين فقط . وقد جاءت هذه الدعوات بالتحديد من كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري . ومن كتلة المواطن التابعة للمجلس الاسلامي الاعلى . وكذلك
صدرت من مكونات سياسية اخرى سوى كانت داخل قبة البرلمان او من خارجه . ان هذه الدعوات لها جانب كبير من الصواب والمنطق . وهي نظرة سليمة الى قواعد العمل الديموقراطي المعمول به في البلدان الديموقراطية وفي البلدان الغربية
حيث حددت قوانينها ودساتيرها بتولي رئيس الوزراء بدورتين غير قابلة للتجديد مهما بلغت الحاجة اليها والظروف التي تستدعي ذلك . ويعتبر هذا التحديد علامة مميزة للنظام الديموقراطي , وبهذه الصفة تميزه عن النظام الدكتاتوري . وكذلك تعتبر مسألة التحديد اهم
دعائم وركائز الديموقراطية , ويعبر عن سلامة البناء الديموقراطي وديمومته في اقامة دولة القانون وتطور المسيرة الديموقراطية . والتحديد لا يعني باي حال من الاحوال انتقاص من المسئول الاول في الدولة , باعتباره علامة فشل في ادارة
شؤون الدولة . وان التحديد لا يعبر عن اخفاق رئيس الوزراء في معالجة الامور والمشاكل او قلة الخبرة والكفاءة والمقدرة او غياب النزاهة . او انه غير جدير بالمنصب والمسئولية . بل ان هدف التحديد هوالتجديد وتبادل السلمي للحكم . وهو
يعطي مساحة واسعة للتنافس الحر والنزيه في تحمل اعباء ومسئولية الوطن . وان كلمة الديموقراطية , تعني حكم الشعب وهي شكل من اشكال الحكم السياسي القائم على التداول السلمي للسلطة وفي قيادة شؤون الدولة .. لقد برزت شخصيات
مهمة واكتسبت حضورا عالميا مهما , وتميزت فترات توليها سدة الحكم بفترات الذهبية من حيث سمعتها الدولية وشعبيتها المحلية واتسمت فترة توليها للحكم بالتطور السياسي والاقتصادي والرفاه الاجتماعي , وانجزت مهمتها خلال دورتين
وانسحبت من الحياة السياسية , ولم تتطاول على الدستور او تتجاوز عليه , بل احترمت الدستور . هنا تكمن عظمة الديموقراطية والنضال في سبيلها حتى لايقع الحكم في يد شخص واحد ثم يقود الى الحكم الفردي ثم تظهر سمات النظام الدكتاتوري
والانفراد في صنع القرار السياسي والاحتكار السياسي وابعاد واقصاء الاخرين من المشاركة والمساهمة الجدية والفعلية في ادرة شؤون البلاد .. وفي عراقنا المنكوب بالطائفية والمحاصصة والتهميش السياسي والمناخ السياسي الذي تسوده
لغة التناحر والصراع ولغة التناقض والتهم المتبادلة باحتكار السلطة والنفوذ وممارسة سياسة الابعاد والاقصاء والتهميش والاتهامات بالفساد واختلاس اموال الدولة والتدخل في القضاء وتجبيره لطرف محدد . ولهذا جاءت المطالبة بتحديد ولاية
رئيس الوزراء بدورتين .و يعتبر مطلب واقعي ومنطقي تتطلبه المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق . وكذلك يساهم بشكل فعال في تدعيم البرلمان العراقي وتفعيل دوره الريادي في الحياة السياسية لانه يعتبر لسان الشعب والمعبر الحقيقي عن
طموحاته وأماله , وكذلك تدعيم لغة الحوار والنقاش البناء الذي يخدم قضايا الشعب . وما تمر به العملية السياسية من منعطفات حرجة تهدد العملية السياسية والتجربة الديموقراطية الى الخطر الحقيقي وستكون مخاطرها على الجميع دون استثناء
ولهذا تاتي فائدة القصوى من التحديد ولاية رئيس الوزراء بدورتين , من اجل تعميق المسيرة الديموقراطية وشحذ كل الامكانيات والطاقات في السعي لاقامة دولة القانون وخلق حوار ثقافي وحضاري متطور في معالجة كل القضايا المتعلقة
بالشعب والوطن , وتدعيم الثقافة الديموقراطية والتي تعتبر صمام الامان بعدم الرجوع او الارتداد عن المسيرة الديموقراطية , وهنا يكمن الخطر الحقيقي على كل المكونات السياسية . ان التحديد يساهم في تنقية المناخ السياسي والاحتكام الى ارادة
الشعب . وهذا مطلب شعبي يعبر عن الارادة الشعبية في التصدي لكل الاخطار والمعضلات وفي سبيل هذا دفع الشعب ثمنا غاليا في سنوات النضال المريرة . ولهذا تاتي المطالبة بتحديد الولاية رئيس الوزراء هو الشعور بالمسئولية تجاه الشعب العراقي ومن اجل العمل لا نقاذ المسيرة الديموقراطية واقامة دولة القانون. دولة الحق والعدل |