• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : يوم أرادوا.. إحراق فاطمة! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

يوم أرادوا.. إحراق فاطمة!

 بسم الله الرحمن الرحيم

يُنكِرُ بعضُ الجُهَّال أن يكون أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وآله قد أحرقوا بابَ فاطمة !

يُبالغُ هؤلاء في تلميعِ صورةِ قومٍ ارتدّوا على أعقابهم بعد شهادة النبي صلى الله عليه وآله، فحُرِموا في الآخرة من ورود حوضه، ومرافقته في جنان ربه.

لكنَّ حقيقة الأمر أنَّ إحراقَهُم (لِبَابِ فاطمة) لَم يكُن خطَّتَهم الأولى، ومرادَهم الأوفى، ولا كان الغاية العُظمى، بل كان هَدَفُهُم الأوَّل (إحراق فاطمة وعلياً والحسن والحسين عليهم السلام) !

نعم الأمرُ أشدُّ غرابةً لِمَن لم يَعرِفِ القومَ وحِقدَهم وحسَدَهم لنبيِّ الإسلام ووصيه.

هي مسألةٌ خطيرةٌ جداً، فكيفَ بِمَن لم يُصَدِّق إحراق الباب أن يُصَدِّقَ رغبتهم وسَعيَهُم الحثيث على إحراق آل بيت الرَّسول ؟!

لقد وَرَدَ هذا المعنى في العديد من الروايات، والكثير من النصوص التاريخية، تارةً عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، وأخرى عن لسان الزَّهراء عليها السلام، وثالثةً عن لسان عمر نفسه.

ومِن ذلك ما قالَه أمير المؤمنين عليه السلام لهم:
.. لِتُحْرِقُونِي وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَابْنَيَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَابْنَتَيَّ زَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ (الهداية الكبرى ص163).

وقال: أَرَادُوا أَنْ يُحْرِقُوا عَلَيَّ بَيْتِي (الأمالي للمفيد ص50).
وهوَ صريحٌ في أنَّهم أرادوا إحراقَهُم لا إحراق باب البيت فقط.

وقد قالت الزَّهراء عليها السلام:
فَجَمَعُوا الحَطَبَ الجَزْلَ عَلَى بَابِنَا، وَأَتَوْا بِالنَّارِ لِيُحْرِقُوهُ وَيُحْرِقُونَا، فَوَقَفْتُ بِعَضَادَةِ الْبَابِ، وَنَاشَدْتُهُمْ بِالله وَبِأَبِي أَنْ يَكُفُّوا عَنَّا وَيَنْصُرُونَا (بحار الأنوار ج‏30 ص348).

وهو موافقٌ لما ذكره أميرُ المؤمنين عليه السلام، وهو الذي هدَّدَ به عمرُ مراراً:
فَأَقْبَلَ بِقَبَسٍ مِنْ نَارٍ عَلَى أَنْ يُضْرِمَ عَلَيْهِمُ الدَّارَ، فَلَقِيَتْهُ فَاطِمَةُ فَقَالَتْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَ جِئْتَ لِتُحْرِقَ دَارَنَا ؟
قَالَ: نَعَمْ ! (الطرائف ج‏1 ص239).

وهو القائل:
افْتَحِي الْبَابَ وَإِلَّا أَحْرَقْنَا عَلَيْكُمْ بَيْتَكُمْ! (كتاب سليم ج‏2 ص585).

ثُمَّ أَمَرَ أُنَاساً حَوْلَهُ أَنْ يَحْمِلُوا الْحَطَبَ، فَحَمَلُوا الحَطَبَ، وَحَمَلَ مَعَهُمْ عُمَرُ، فَجَعَلُوهُ حَوْلَ مَنْزِلِ عَلِيِّ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا ع .. (كتاب سليم ج‏2 ص585).

لم يجعلوا الحطب على باب البيت فقط، ولا أرادوا إحراق الباب وحده، بل جعلوه حول المنزل وأرادوا إحراقه وإحراق مَن فيه.

والنصوصُ في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، وقد نقلت بعض الموسوعات المعاصرة عن كتاب مثالب النواصب لابن شهر آشوب رحمه الله أن كميَّة الحطب كانت كبيرة إلى درجة أنهم اختبزوا عليها ثلاثين يوماً !

وأنهم: (احتطبوا ثلاثين يوماً من الحطب الذي وضعه الأول والثاني ليحرقوا بيت علي وفاطمة عليهما السّلام، فأراد أبو حفص أن يحرقهم حتى يستريح منهم دفعه واحدة!) (الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء ج١٠ ص١٦١).

ومَن تَتَبَّعَ النصوص، وما جرى في تلك الأيام، يجد الأمرَ بيِّناً جلياً، رغم خفاء الكثير من أحداث تلك المرحلة، واضطراب ما وصلَ إلينا، فالقومُ قد أجمعوا أمرَهم على استئصال بيت النبوّة، وقتلهم جميعاً!

أما عليٌّ عليه السلام، فقد اتفقوا على قتله، وذكروا ذلك في صحيفتهم الملعونة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله، عندما أيقنوا أنَّ النبي (ص) يعدّ الأمور ليكون عليٌّ خليفةً له من بعده (إرشاد القلوب ج‏2 ص335).

وتيقَّنوا من الأمر بعد شهادته صلى الله عليه وآله، حتى غضب ثانيهم وقال عن عليٍّ عليه السلام: إِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ لَنَا أَمْرٌ حَتَّى نَقْتُلَهُ (كتاب سليم ج‏2 ص863).

أمّا قَتلُ الأسرة المباركة، فقد صرَّحت الزهراء عليها السلام بذلك حينما خاطبت الثاني قائلة:
وَيْحَكَ يَا عُمَرُ، مَا هَذِهِ الْجُرْأَةُ عَلَى الله وَرَسُولِهِ ؟!
تُرِيدُ أَنْ تَقْطَعَ نَسْلَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَتُفْنِيَهُ وَتُطْفِئَ نُورَ الله ﴿وَالله مُتِمُّ نُورِهِ﴾.. (الهداية الكبرى ص407).

والذي يظهر عند التأمُّل في النصوص ومجريات الأحداث أنَّ الذي أفشَلَ خطَّتَهم هذه هو تَصَدِّي الزَّهراء عليها السلام لهم من وراء الباب، ففوَّتَت عليهم ما رأوه فرصةً لإحراق الدار بمَن فيها.

فكان آل محمدٍ بين خيارات منها:

الأوّل: أن يقومَ عليٌّ عليه السلام إلى القوم، فيتَّخذونها ذريعةً لقتله وإحراقه وإحراق أسرته الطاهرة.

الثاني: أن لا يستجيب أحدٌ لهم، وكأن ليس في البيت أحد، وحينها تُضرَمُ النار بالبيت ومَن فيه.

الثالث: أن تقوم الزَّهراء عليها السلام، فتُلقي الحجة عليهم، وتمنعهم من إحراق البيت بمَن فيه، وهو ما كان، حتى لو أدى ذلك إلى تغيير خطّتهم وإحراق الباب وحده وقتل الزَّهراء عليها السلام، فإنَّها بهذا كانت المضحيَّة في سبيل حفظ منظومة الإمامة، التي لن يقومَ لها قائمةٌ لولا أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام جميعاً.

ويظهر أن عمر بن الخطّاب أدركَ سريعاً ما رامَته الزَّهراء عليها السلام من الوقوف خلف الباب، حيثُ صارت مانعاً أمامهم من إحراق البيت، ومانعاً من قتل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لها:

مَا بَالُ ابْنِ عَمِّكِ قَدْ أَوْرَدَكِ لِلْجَوَابِ وَجَلَسَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ؟
فقالت له:
طُغْيَانُكَ -يَا شَقِيُّ- أَخْرَجَنِي وَأَلْزَمَكَ الْحُجَّةَ، وَكُلَّ ضَالٍّ غَوِيٍّ (بحار الأنوار ج‏30 ص293).

لم تخرُجِ الزَّهراءُ خارجَ بيتها، رغم ذلك عبَّرَت بالخروج (أَخْرَجَنِي)، ولكن الذي أخرجَها ليس علياً عليه السلام، بل الطُّغيان والتجبُّر والتجاوز على حقِّ الله وحقِّ رسوله..

ليس لهؤلاء حقٌّ في أن يحيطوا بيت عليٍّ وفاطمة، ولا أن يحرقوه ولا أن يقتحموه، فإن فعلوا ذلك ساغَ للزَّهراء أن تدافع عن بيتها وأسرتِها الشريفة، ولو أدى ذلك إلى شهادتها.

والذي يظهر أنَّ هذه الكلمات العظيمة واحتجاج الزَّهراء عليهم من خلف الباب كانت سبباً لتغيير خطَّتهم، فبعدما أعرضوا عن إحراق البيت بمن فيه، صارَ هدفهم إخراج عليٍّ عليه السلام وحده، لقتله بحجة البيعة.

لقد اتفقوا من قبل على قتله، وجددوا العزم على ذلك، وأفضلُ وسيلةٍ هي إخراجُهُ بالقوة تحت حجة البيعة، ثم قتله وإنهاء أمره.

ههنا: حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَاطِمَةُ (ع) عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ، فَضَرَبَهَا قُنْفُذٌ المَلْعُونُ بِالسَّوْطِ (كتاب سليم ج‏2 ص586).

حتى الساعة أنقذت الزَّهراء الأسرة المباركة من مجزرة الإحراق التي لا تُبقي منهم أحداً، لكنَّ علياً عليه السلام لا يزال في خَطَرٍ مُحدِق، فالقوم يريدون قتله.

أخرجوه، فتبعته الزَّهراءُ عليها السلام، وكان الدُّعاء سلاحَها هذه المرَّة، فتقلَّعت حيطان المسجد من أسفلها، وكادَ يُخسَفُ بالمدينة.
أصابَ القومَ خوفٌ، فأفرَجوا عن عليٍّ عليه السلام..
ثم عادوا لاحقاً لنغمة القتل أو البيعة.. وكان ما كان مما يأتي الحديث عنه.

وتبيَّن أن الزّهراء عليها السلام قد قامت بإفشال الخطتين للقوم:

الخطة الأولى: لما أرادوا استئصال العترة الطاهرة، فوقفت خلف الباب، وألقت الحجة عليهم، ولم يخرج لهم عليٌّ ولم يجبهم.

الخطة الثانية: لما أرادوا قتل عليٍّ عليه السلام، فأنقذته بخروجها عليها السلام.

فكانت الخطَّة الثالثة: إما قتل عليٍّ أو البيعة الظاهرية، فكانت الثانية خيارَ عليٍّ عليه السلام لأسباب نعرض لها إن شاء الله.

لكنَّ العجيبَ في الأمر هو ما رواه ابن حمزة، وهو من أئمة الزيدية (توفي سنة 614 هـ)، أنَّ عبد الرحمن بن السائب الذي كان مع عمر يوم أرادوا إحراق البيت قال له: إن في البيت فاطمة، أفتحرقها؟
فأجاب عمر بقوله:
سنلتقي أنا وفاطمة ! (الشافي ج4 ص546 وفي بعض النسخ ص173).

هيَ كلمةٌ غريبةٌ من ابن الخطّاب يوم الدّار إن صَحَّ صدورها منه..

ولكن: ما الذي يقصده الرَّجُل؟
هل يقصد شيئاً سوى أنَّه سيلقاها ويُحرقها ؟
أو أنَّهُ سيقتُلُها انتقاماً مِن أبيها وبَعلها ؟! وإظهاراً للحقد والحسد الدفين على بني هاشم ؟!

لقد التقى ابنُ الخطّاب فعلاً بفاطمة.. لقاءً لَيتَه لم يكن.. فأبرَحَها ضَرباً بعدما استخدَمَ النّار سلاحاً على البضعة الطاهرة..
لكنَّه ما تخيَّل يوماً أنّ هذا السِّلاح سيرتدُّ عليه مرَّتين، مرَّةً في الدّنيا، وأخرى في الآخرة.

ولقد أخبَرَهُ أميرُ المؤمنين بالمرَّتين:
أما الأولى، فحين يخرجُ الإمام الحجَّة عليه السلام، ويُحرِقُهُما بالنار التي أوقداها على باب الزَّهراء !

فقد روي عنه عليه السلام:
وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمَا وَقَدْ أُخْرِجْتُمَا مِنْ قَبْرَيْكُمَا طَرِيَّيْنِ بِصُورَتَيْكُمَا.. ثُمَّ يُؤْتَى بِالنَّارِ.. وَهِيَ النَّارُ الَّتِي أَضْرَمْتُمُوهَا عَلَى بَابِ دَارِي لِتُحْرِقُونِي وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَابْنَيَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ وَابْنَتَيَّ زَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ، حَتَّى تُحْرَقَا بِهَا.. وَيَصِيرُ مَصِيرُكُمَا إِلَى النَّارِ جَمِيعاً (الهداية الكبرى ص163).

وعن الباقر عليه السلام أنَّ الحجة عليه السلام:
يُحْرِقُهُمَا بِالحَطَبِ الَّذِي جَمَعَاهُ لِيُحْرِقَا بِهِ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)؛ وَذَلِكَ الْحَطَبُ عِنْدَنَا نَتَوَارَثُهُ ! (دلائل الإمامة ص455).

أما الإمام الجواد عليه السلام، فقد روي عنه أنّه قال:
أَمَا وَالله، لَأُخْرِجَنَّهُمَا ثُمَّ لَأُحْرِقَنَّهُمَا، ثُمَّ لَأُذَرِّيَنَّهُمَا، ثُمَّ لَأَنْسِفَنَّهُمَا فِي الْيَمِّ نَسْفاً (دلائل الإمامة ص401).

جَمَعَ الأجلافُ الحطبَ على باب عليٍّ والزَّهراء، ثم أحرقوا الباب، فاحتفظَ آلُ محمدٍ بشيء من ذلك الحطب، وتوارثوه حتى يكون وَقوداً لنارٍ يُشعِلُها إمام العدالة على الأرض، فيُحرِقُهُما بنارٍ أوقداها ليحرقا بها الأطهار !

ثمَّ ينتظرُ هؤلاء عذابٌ يوم القيامة يفوق عذاب إبليس نفسه !

فعن سلمان رحمه الله:
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُؤْتَى بِإِبْلِيسَ مَزْمُوماً بِزِمَامٍ مِنْ نَارٍ، وَيُؤْتَى بِزُفَرَ مَزْمُوماً بِزِمَامَيْنِ مِنْ نَارٍ، فَيَنْطَلِقُ إِلَيْهِ إِبْلِيسُ فَيَصْرَخُ وَيَقُولُ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، مَنْ أَنْتَ ؟ أَنَا الَّذِي فَتَنْتُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَنَا مَزْمُومٌ بِزِمَامٍ وَاحِدٍ، وَأَنْتَ مَزْمُومٌ بِزِمَامَيْنِ؟
فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتُ فَأُطِعْتُ، وَأَمَرَ الله فَعُصِيَ‏ (كتاب سليم ج‏2 ص600)

لقد أمرَ الله تعالى باتِّباع رسوله، ومودة قربته، وتجليل وصيّه، وتعظيم بضعته، ودبَّرَ الثاني معَ الأوَّلِ أمراً خلافَ أمر الله، في أعظمِ وصيَّةٍ إلهيةٍ تَعصِمُ النّاس عن الزَّلل، وظلموا أفضل خلق الله من الأولين والآخرين، وأسسوا لظلامةٍ لا تزالُ آثارها إلى اليوم وستبقى حتى يأذن الله بإخمادها.

هذا حالُ أعداء آل محمد..
لقد تصوَّرَ إبليس أنه أشقى خلق الله، حتى قال له تعالى: بَلَى قَدْ خَلَقْتُ مَنْ هُوَ أَشْقَى مِنْك‏ (الإختصاص ص108).

ليس هؤلاء إلا أعداء آل محمد وظالميهم، مَن أمرا بإحراق بيت فاطمة، وأحرقا بابها، وأسقطا جنينها..

قالها الثاني يوماً: سنلتقي أنا وفاطمة !

لكنَّه لن يلتقي بها بعدُ.. لقد صارَت في دار الكرامة عندَ ربِّها معزَّزَةً مكرَّمة، وصارَ في تابوتٍ من نار..
لقد أشعلَ ناراً على بابِها، فأحرقته في الدُّنيا والآخرة..

التقى بها على باب بيتها مُحَرِّقاً له.. فالتقت به النيرانُ في الدُّنيا والآخرة.. بئس مثوى الظالمين.

والحمد لله رب العالمين

ليلة الثلاثاء 22 جمادى الثانية 1443 هـ
25 – 1 – 2022 م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=164226
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 01 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28