• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ثورة العشرين... الأسبابُ والنتائج .
                          • الكاتب : د . عبد الخالق حسين .

ثورة العشرين... الأسبابُ والنتائج

  كان هناك عدد من الفقهاء السنة الذين انظموا للثورة، ومنهم مفتي الموصل الفقيه الشاعر (محمد حبيب العبيدي) الذي ساهم بكل ثقله الوطني في دعم ثورة العشرين، فكتب قصائد شعرية تبدو وكأنها جزء من التراث الشيعي، ومنها هذه الأبيات:

أيها الغربُ جئتَ شيئاً فريّا * ما علمنا غيرَ الوصي وصيّا
قسماً  بالقرآن والإنجيلِ * ليس نرضى وصاية لقبيلِ
أو تسيل الدماء مثل السيولِ * أ فبعد الوصي زوج  البتولِ
نحن نرضى بالإنكليز وصيا؟
قد أريقت دماءُ خير قتيل * أ فبعد الحسين سبط الرسولِ
نحن نرضى بالإنكليز وصيا؟
 وكان (خليل عزمي) قد أنشد قصيدة من نظمه، عندما رفع الثوارُ العلم العربي فوق مبنى حكومة كربلاء أثناء الثورة، قائلاً: أعتقد أن كربلاء قد حققت أهداف الحسين (ع)، فما عاد لها حق في البكاء، بعد قيام الإدارة الوطنية العربية الإسلامية فيها: 
بشراكِ كربلا قومي انظري العَلَما * على ربوعكِ خفاقاً ومبتسما
وكفكفي دمعكِ الهطال وابتهجي * فإن بند بني قحطان قد حكما
يقول علي الوردي:ـ (استفحل التقاربُ الطائفي في النصف الثاني من شهر رمضان، بشكل لم يسبقْ في العراق له مثيل من قبل، وقد اتضح ذلك بوجه عام عند مجيء وفد من الكاظمية لحضور محافل بغداد، إذ كان الوفد يأتي إلى بغداد بعربات (الترامواي)، فإذا قاربت العربات أول الدور من بغداد خرج لاستقبالها أهالي الجعيفر والسوامرة والتكارتة وغيرهم، يحملون الشموع ويهللون ويكبرون، وعندما وصلت العربات المحطة كان في استقبالها جمهور غفير من أهل بغداد، فيتعانق الجمع عناقاً أخوياً كرمز للتآخي بين الطائفتين، وعند هذا يعجّ الجمهور بالصلاة على محمد وآل محمد! ويحدث مثل هذا حين يذهب وفد الأعظمية إلى الكاظمية، أو فد الكاظمية إلى الأعظمية. 
 كما وحدثت في الكرخ حيث تآلف موكبُ اللطم من محلتي السوامرة والتكارتة، ومحلة الشيخ بشار للمشاركة في العزاء، وكتبت جريدة (الاستقلال) في هذه المناسبة تقول: أن المآتم الحسينية اشترك فيها هذه السنة جميع المسلمين، فكنت تشاهد فوجاً من الشيعة ومعه أفواج من أهل السنة، كما تشاهد مشعلاً للشيعة ومعه أضعافه لأهل السنة. وفي اليوم العاشر من محرم ذهب الجميع إلى الكاظمية للاشتراك في الواقعة. 
 ولكن هذا التقارب الطائفي لا يعني أن الجميع كانوا راضين عنه، إذ ذكرت (المس بيل) في أحد تقاريرها السرية البعض من هؤلاء ومن بينهم، (سليمان فيضي) الذي قال لها ما نصه: (أنتم لا يمكن أن تتركوا الأمور تجري على هذا المنوال الذي تجري عليه الآن...) ويضيف: (ويمكن أن أقول استطراداً أن هذا الاتحاد المتباهي بين الشيعة والسنة، هو من أبغض الأمور إلى نفسي، ويجب أن أعتبر سيطرة الشيعة كارثة لا يمكن تصورها).   
 ولأجل معاقبة قادة الثورة، ومكافأة الذين وقفوا ضدها من العراقيين، يقول الميجر (ديكسون) وهو يمثل الحاكم العام للفرات الأوسط: (إن النية يجب أن تتجهَ لتعيين الرجال ذوي الآراء المعتدلة دون غيرهم في المناصب السياسية، وضرب واضطهاد عناصر الثورة في حالة وجودها). كما وأوضحت (المس بل) وبانفعال شديد موقفها من الشيعة بالذات قائلة: (أما أنا شخصياً فأبتهج وأفرح أن أرى الشيعة الأغراب يقعون في مأزق حرج، فإنهم من أصعب الناس مراساً وعناداً في البلاد). ومن هنا نعرف أن الثورة أثارت مشاعر العداء والضغينة عند الإنكليز ضد الشيعة، ولم يحاولوا إخفاءها. كما ولاحظ استخدام (المس بيل) لكلمة (الأغراب) في وصف الشيعة، إذ منذ ذلك الوقت بدأت حملة اعتبار الشيعة أجانب في العراق، لتبرير حرمانهم من حق المشاركة في الدولة!
 إن حرب الجهاد وثورة العشرين، قد بيّنتا بوضوح ما للمرجعية الدينية الشيعية من نفوذ قوي في البلاد، وتأثيرها الروحي على الجماهير، فكلمتهم مسموعة، وبذلك كانوا يشكلون خطراً على سلطة الاحتلال، ومن بعدها على سلطة الحكم الأهلي، إذ يقول الباحث (إسحاق نقاش) في هذا الخصوص: (وكان وجود مؤسسة دينية (شيعية) على هذا القدر من الاستقلال والنشاط السياسي، يشكل خطراً على السلطة العراقية الوليدة، لذا سعت الحكومات السنية العراقية المتعاقبة إلى اجتثاث سلطة المجتهدين الشيعة والمؤسسات الشيعية في البلاد، والحد من الصلات القائمة بين النجف وكربلاء وإيران). 
 يرى البعضُ من علماء الاجتماع: إن الشعبَ العراقي كان في حالة ثورة دائمة ضد الحكومات المتعاقبة طوال التاريخ، وخاصة خلال الحكم العثماني الذي دام نحو أربعة قرون، وأن ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني كانت واحدة من تلك الثورات، ولكنها اختلفت عن سابقاتها في كونها ضمّت عدداً كبيراً من العشائر العراقية ورجال الدين، ولأهداف وطنية، ولكن من الجانب الآخر، من الظلم أن نحكم على أية ثورة بعقلية اليوم، فالتاريخ لا يسيرُ وفقاً لمنطقنا ورغباتنا على ضوء أحكام عصرنا الحاضر.
لقد أرغمت الثورة الإنكليز، ولتقليل خسائرهم، إلى اتخاذ موقف معادي من الشيعة، وتأسيس الدولة العراقية الحديثة بشكل متسرع، وزرعوا فيها ألغام الطائفية الموقوتة، لتتفجر فيما بعد وعلى مراحل، وذلك باحتكار السلطة لطائفة من الشعب، وحرمان بقية المكونات من المشاركة العادلة، لضمان ولاء الحكام للإنكليز، مقابل كسب دعم الإنكليز للحكام في إبقائهم في السلطة، وليس دعم الشعب الذي لا يأتي إلا من خلال النظام الديمقراطي الحقيقي، ودولة المواطنة المتساوية، وبذلك عاقبوا قادة ثورة العشرين، وأجيالاً من أبناء طائفتهم من حقوق المواطنة والمشاركة في دولتهم الوليدة التي لولا ثورتهم لما أسست في ذلك الوقت المبكر...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=165022
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29