تساؤل مهم يطرح.. وهو:كيف يمكن العمل على وحدة الامة؟ وعند محاولة الاجابة فبالتأكيد عبر تعظيم المشتركاتبين الامة، وعلى احترام حق الإسلام لمن قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله »، فهومسلم له حقوق الإسلام دون النظر لأي مذهب انتمى له, وقد جاء في صحيح البخاري: (من شهدأن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ماللمسلم، وعليه ما على المسلم), وقد اكدت مؤتمرات المسلمين على هذه الفكرة, وكانتتوصيات المؤتمرات تدعو للاعتراف بمختلف المذاهب الإسلامية، وأنهم مشمولون بعنوان الإسلام،فلا يجوز الاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
هنا يجب ان نعود لسيرةومنهج الإمام علي (ع) لنتعرّف على الأسلوب الصحيح والمتوازن, في معالجة مسألةالخلاف الإسلامي.
هنالك حقيقة يجب ذكرهاوهي: أن الخلاف بين أهم فريقين من المسلمين وهما (الشيعة والسنة) ظهر بعد وفاة الرسول الخاتم (ص), ففيحين يذهب الشيعة إلى اهمية الالتزام بنص الرسول (ص) يوم الغدير في خلافة الامامعلي (ع), وبين من يلتزم بما حدث في سقيفة بني ساعدة ويعتبرها واقع حال يجبالالتزام بها, هذا الامر جعل المسلمين قسمين.
الإمام علي (ع) عاش تلكالمرحلة الحسَّاسة، ولذلك علينا أن نتلمّس طريقة الإمام علي (ع) فيتعامله مع مخالفيه حينها.
أمير المؤمنين (ع) كانرجل الوحدة ورائدها، ففي الوقت الذي يرى نفسه صاحب الحق في الخلافةوالإمامة، كما عبر عن ذلك فيما بعد في إحدى خطبه المروية عنه، والمعروفة بالخطبة الشقشقية،فقال: "أما واللهِ لقد تقمَّصها فُلانٌ وإِنَّهُ ليعْلمُ أنَّ مَحلي منها محلالْقُطْبِ مِن الرَّحى ينْحدِرُ عنِّي السَّيْلُ ولا يرْقى الي الطَّير"، وقد كان بإمكانه أن ينبري للدفاععن حقه، وكان يعلم أن في توليه الخلافة مصلحة للأمة والرسالة، ولكنه وجد أن هذا التصديوهذا الموقف يضر بالمصلحة العامّة في ذلك الظرف، ولذلك لم يطالببحقه، حتى عندما جاء إليه أبو سفيان وصار يهتف: «إني لأرى عجاجةلا يطفئها إلا الدم، ... ثم قال ابي سفيان: علي والعباس؟ ما بال هذا الأمر في أقل حيمن قريش ؟ ثم قال لعلي : أبسط يدك أبايعك، فوالله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاًورجلاً... فزجره الامام علي وقال: "والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة, وإنكوالله طالما بغيت للإسلام شرَّاً لا حاجة لنا في نصيحتك".
فلم يستجب لداعيالفتنة (ابو سفيان)، ولم يرحب به، ولم يقع في الفخ الذي كان يريده له أعداء الأمة،وإنما أعلن: "واللهِ لأسْلِمنَّ ما سلِمتْ أُمُورُ المُسْلِمِين ولمْ يكُنْ فِيهاجوْرٌ إِلا علي خاصَّةً الْتِماساً لأجْرِ ذلِك وفضْلِهِ وزُهْداً فِي ما تنافسْتُمُوهُمِنْ زُخْرُفِهِ وزِبْرِجِهِ", فكان مع الامة في كل ما تواجه من محن ويعطيالمشورة للحكام, فهناك أكثر من تسعين موردًا في قضايا عسكرية واقتصادية وسياسية ودينيةاستشار فيها الخليفة عمر الإمام علياً وأخذ برأيه، سجلها التاريخ الاسلامي.
ولذلك نتساءل: كيف كان(ابا بكر وعمر) يستشيرا عليَّ بن أبي طالب إن لم يكن يثقوا بعلي ويطمئنوا إلى رأيه؟وعلي (ع) ما كان ينظر إلى الخلفاء كأعداء يكيد لهم ويسعى للانتقام منهم، وهمفي المقابل كانوا ينظرون لعليٍّ كمعين ومساعد فيما هو لمصلحة الأمة والدين،وإلا لو كان عمر وأبو بكر ينظران لعليٍّ كعدو لما رجعا إليه ووثقابرأيه، والإمام علي في المقابل ما كان يتعامل من موقع العداوة الشخصية،وإنما كان يمحضهم النصيحة ويشير عليهم بما ينفع الأمة وكيان المسلمينآنذاك, حتى أُثِر عن الخليفة عمر أنه كان يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن.
مع أن الإمام (ع) أبدىعدم رضاه عن بعض السياسات في عهد الخليفة عثمان، وبخاصة دور البطانة التي كانت حول الخليفة،إلاَّ أنه ما انفك يقدم النصيحة والرأيلعثمان، وحاول كثيرًا أن يعالج موضوع التمرد على الخليفة، فكانواسطة وسفيرًا بين المعارضين والخليفة أكثر من مرة، ولكن الأمر خرج منيده، وحينما حوصر عثمان ومُنِع عنه الماء استنجد بعليٍّ، فبعث الإمامولديه الحسنين بِقِرب الماء حتى يدخلوها إلى بيت عثمان.
هكذا كان علي بن أبي طالب(ع) وهذا ما يجب أن يكون عليه نهج محبيه وأتباعه، فإلى آخرلحظة من لحظات حياته كان يهتم بوحدة الأمة، فقد كان يعلم أن قاتلهالشقي (ابن ملجم) ينتمي إلى الخوارج، ويعرف أنهم من دفعوه إلى ارتكاب هذهالجريمة، لكنه ما أراد لمقتله أن يكون سببًا جديدًا لمشكلة في واقعالأمة، ولذلك قال في وصيته: «يا بنِي عبْدِ المطَّلِبِ لا أُلْفِينَّكُمْ تخوضُون دِماءالمُسْلِمِين خوْضاً تقُولُون: قُتِل أمِيرُ المؤْمِنِين، ألا لا تقْتُلُنَّ بي إِلاقاتِلي انْظُرُوا إِذا أنا مِتُّ مِنْ ضربَتِهِ هذِهِ، فاضربُوهُ ضربَةً بضربة ولاتمثلوا بالرجل".
إن سيرة علي تؤكد إخلاصه العميق للدين، وحرصه الشديدعلى وحدة الأمة، فهو يتعبدإلى الله تعالى بالحفاظ على الوحدة، ويتمسك بها كطريق إلى ثواب الله ورضوانه،فالوحدة مبدأ ديني، وفريضة شرعية، قبل أن تكون قضية سياسية أومصلحة وقتية.
|