أكون في غاية الفرح حين أسمع طلبة العلم والمدارس والمجالس يتحدثون عن هجرة النبي (ص) الى يثرب التي هي المدينة المنورة، كانت الهجرة من أجل سلامة الدين وانقاذ المسلمين من جور مشركي مكة وجبابرة قريش كأبي سفيان وأمثاله.
ويحزنني كثيراً حين أسمع عن هجرة سبطه الحسين (عليه السلام). كانت الهجرة من اجل سلامة الدين وانقاذ المسلمين من جور طواغيت آل امية، ازهو بالفرح وانا اسمع من يتحدث عني وعن ايواء النبي (ص)، لكني أحزن حين أسمع من يتخذ يومي عيداً بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ليلغي تواريخ الحزن بفرحة مصطنعة.
الشيعة يحتفون بمقتل الحسين، ويرددون تلك المأساة في مجالسهم ومجتمعاتهم بما تحمله وتنطوي عليه من الإخلاص. أتذكر كيف كان القلب يدق من الرهبة والخوف على النبي (ص)، وكم افرحني حضور الحمامة والعنكبوت.. الله لو تعرفون كم كانت سعادتي بنجاته، وكم كنت أتمنى لو كنت حاضراً في درب هجرة الحسين الى كربلاء لأطبقت اضلاعي عليه؛ حرصاً لنجاته، وانا بقلب مشتعل بالحسرات، كنت اتابع خطوات هجرته المباركة، وأعلن العفو العام حينما دخل مكة فاتحاً، وهل غير هذا الموقف العظيم شيء من نواياهم المريضة، وحقدهم الاعمى..؟
وذهب كبيرهم الى قبر الحمزة (عليه السلام) ليركله برجله، ويقول: قم يا ابا عمارة، الأمر الذي تجالدنا عليه، اصبح تحت اقدامنا..! وبهذا صارت الرسالة المحمدية بحاجة الى هجرة اخرى، وهاجر النبي (ص) بأقدام الحسين (عليه السلام) هذه المرة، فأنا أبكي أسى لسبط ذلك الرسول الذي هاجر من مكة ليثرب قبل ستين عاماً لأجل رسالته، وانقاذها من الشرك والوثنية، ومرة ثانية وفي ظروف لعلها أسوأ على الإنسانية والرسالة من الظروف التي خرج فيها جده من قبل لإنقاذ البشرية مما كانت تعانيه من عسف وجور واستغلال خرج من بيت محمد وعلي، البيت الذي وسع التاريخ كله، فكان اكبر منه، خرج غاضباً مصمما على المواجهة كأن في صدره اعصارا هو في طريقه إلى الانطلاق.
خرج لأجل الرسالة التي هاجر لأجلها جده الرسول الأعظم من قبل يتلفت من حوله وحيداً أعزل يرى الرسالة وآمال الفقراء وهي تهان وهاجر للحصول عليها على هدى وبصيرة، وشبحها ماثل نصب عينيه يتطلع إلى تربة كربلاء مع ركبه بصبر وصمود، لقد هاجر من مدينة جده إلى مكة ومنها إلى العراق، بعد أن رأى رسالة الإسلام تتعرض للانهيار ومصير الإنسان يوم ذاك اسوأ من مصير انسان الجاهلية، نافضاً يديه من الحياة، لا يملك في مقابل عدوه سوى سلاح الشهادة التي ستكون ضمانا لحياة أمة، وأساساً لبناء عقيدة.
أجل، إن رسالة الحسين (عليه السلام) كانت ولا تزال امتداداً لرسالة جده وجهاده، امتدادا لجهاد جده وأبيه امير المؤمنين بطل الإسلام الخالد الذي تم الإسلام وانتشر بسيفه وجهاده.
وكما خيبت هجرة الرسول مساعي المتآمرين على قتله بخروجه من مكة إلى يثرب بعد ان بات على فراشه بطل الإسلام الخالد، ليدرأ عنه خطر الاعداء، ويفديه بنفسه من مؤامرة ابي سفيان وحزبه، كذلك خيبت شهادة سبطه الثائر العظيم آمال أمية وأمانيها، ومما يطمح إليه حفيدها يزيد بن معاوية من تحطيم الإسلام وعودة الجاهلية والاصنام آلهة آبائه وأجداده، وسجلت انتصاراً حطم اولئك الجبابرة الطغاة ودولتهم الجائرة العاتية التي قابلها الحسين وقضى عليها بشهادته ودمه الزكي الطاهر بالرجال والعتاد والأموال.. هذه حسراتي وانا اتمنى لو كنت آويته من شر بني أمية؛ كي تصبح بهجتي بهجتين.. لكن للحزن في حياتي حضور.
|