• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : شرح دعاء العشرات مقطع رقم(1) .
                          • الكاتب : محمد السمناوي .

شرح دعاء العشرات مقطع رقم(1)

  ( بسم الله الرَّحمن الرَّحيم)

       البسملة من الشعارات الإسلاميّة المختصة بمن يؤمن بالإسلام ديناً، حيث يبتدأ المسلم بها عندما يريد القول أو العمل، بخلاف أصحاب الشرائع الأُخرى الذين يبدأون أقوالهم وأفعالهم بـ باسمك اللهم، أو باسم المبدئ المعيد، أو باسم الأب والإبن وروح القدس ونحو ذلك.

       ومعنى البسملة هنا في دعاء العشرات بِسْمِ الله الرَّحمن الرَّحيم أي: إنّك عندما تقرأ هذا الدعاء المبارك قد إبتدأت به مستعيناً بالله الذي وسعت رحمته كل شيء مسجلاً على نفسك أنْ ما تفعله هو باسم الله، لا باسمك أنت، ولا باسم أحد سواه، ثم تبدأ بالتسبيح والتهليل والتحميد وكذا بقية الفقرات الواردة في الدعاء.

     ومن الثابت عند المسلمين الشيعة إنَّ البسملة  تعد جزءاً من السور الواردة في القرآن الكريم، وقد استدل الفقهاء على وجوب الجهر في الصلاة الجهريّة كصلاة الصبح، والعشائين، والإستحباب في الصلاة الإخفاتيّة كالظهرين، كما يجوز الإخفات في ذلك، وقال الحنفيّة والمالكيّة: يجوز ترك البسملة في الصلاة كلية، لأنها ليست جزءاً من السورة . . وقال الشافعيّة والحنابلة: بل هي جزءٌ لا تترك بحال، سوى أن الحنابلة قالوا: يخفت بها إطلاقاً، وقال الشافعيّة: يجهر بها في الصبح، وأوليي العشاءين، وما عدا ذلك إخفات . . ويتفق قول الشافعيّة والحنابلة مع قول الإماميّة(1).  

      قال العلاَّمة الطباطبائي ( طاب ثراه):  الناس ربما يعملون عملاً أو يبتدئون في عمل ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم، ليكون عملهم ذاك مباركاً بذلك متشرفاً، أو ليكون ذكرى يذكرهم به، ومثل ذلك موجود أيضّاً في باب التسميّة فربما يسمون المولود الجديد من الإنسان، أو شيئاً مما صنعوه أو عملوه كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها باسم من يحبونه أو يعظمونه، ليبقى الاسم ببقاء المسمى الجديد،  ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم كمن يسمى ولده باسم والده ليحيى بذلك ذكره فلا يزول ولا ينسى(2)، وهكذا الحال في قراءة التسميّة في الأدعيّة والزيارات والتقلبات المختلفة.

      إن كلمة ( اسم ) أول ما تطالعنا في البسملة من كلمات، وهو في رأي علماء اللغة من ( السمو ) على وزن ( العلو )، ومعناه: الارتفاع، ويفهم أن الشيء بعد التسميّة يخرج من مرحلة الخفاء إلى مرحلة البروز والظهور والرقي، أو إنه يرتفع بالتسميّة عن مرحلة الإهمال ويكتسب المعنى والعلو بعد كلمة الاسم تلتقي بكلمة ( الله ) وهي أشمل أسماء رب العالمين فكل اسم ورد لله في القرآن الكريم وسائر المصادر الإسلاميّة يشير إلى جانب معين من صفات الله،  والاسم الوحيد الجامع لكل الصفات والكمالات الإلهيّة أو الجامع لكل صفات الجلال والجمال هو ( الله) ولذلك اعتبرت بقية الأسماء صفات لكلمة ( الله ) مثل: ( الغفور ) و ( الرَّحيم) و ( السميع ) و ( العليم ) و ( البصير ) و ( الرزاق ) و ( ذو القوة ) و ( المتين ) و ( الخالق) و ( البارئ ) و ( المصور) كلمة ( الله ) هي وحدها الجامعة، ومن هنا اتخذت هذه الكلمة صفات عديدة في آية كريمة واحدة، حيث يقول تعالى: (هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ )[ سورة الحشر/ الآية :23].

      إن أحد شواهد جامعيّة هذا الاسم أن الإيمان والتوحيد لا يمكن إعلانه إِلاَّ بعبارة ( لا إله إِلاَّ الله )، وعبارة ( لا إله إِلاَّ القادر . . . أو إِلاَّ الخالق . . . أو إِلاَّ الرزاق ) لاتفي بالغرض . ولهذا السبب يشار في الأديان الأُخرى إلى معبود المسلمين باسم الله ) فهذه التسميّة الشاملة خاصة بالمسلمين .والمشهور بين جماعة من المفسرين أن صفة ( الرَّحمن ) تشير إلى الرحمة الإلهيّة العامة، وهي تشمل الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته تعم المخلوقات....وكل العباد يتمتعون بموهبة الحياة، وينالون حظهم من مائدة نعمه اللامتناهيّة، وهذه هي رحمته العامة الشاملة لعالم الوجود كافة وما تسبح فيه من كائنات .وصفة ( الرَّحيم ) إشارة إلى رحمته الخاصة بعباده الصالحين المطيعين، قد استحقوها بإيمانهم وعملهم الصالح، وحرم منها المنحرفون والمجرمون .

     ثم ان الأمر الذي يشير إلى هذا المعنى أن صفة ( الرَّحمن ) ذكرت بصورة مطلقة في القرآن الكريم مما يدل على عموميتها، لكن صفة ( الرَّحيم ) ذكرت أحياناً مقيدة، لدلالتها الخاصة، كقوله تعالى : (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)[ سورة الأحزاب/ الآية : 43]. وأحياناً تكون مطلقة كما في هذه السورة .وفي رواية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام) قال: ( والله إله كل شيء الرَّحمن بجميع خلقه، الرَّحيم بالمؤمنين خاصة)(3). من جهة آخرى، كلمة ( الرَّحمن ) اعتبروها صيغة مبالغة، ولذلك كانت دليلاً آخر على عمومية رحمته . واعتبروا ( الرَّحيم ) صفة مشبهة تدل على الدوام والثبات، وهي خاصة بالمؤمنين .وثمة دليل آخر، هو إن ( الرَّحمن ) من الأسماء الخاصة بالله، ولا تستعمل لغيره، بينما ( الرَّحيم ) صفة تنسب لله ولعباده . فالقرآن وصف بها الرسول الكريم، حيث قال: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[ سورة التوبة/ الآية : 128] .وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق ( عليه السلام)، في ما روي عنه : ( الرَّحمن اسم خاص بصفة عامة، والرَّحيم عام بصفة خاصة). ومع كل هذا، نجد كلمة ( الرَّحيم ) تستعمل أحياناً كوصف عام . وهذا يعني أن التمييز المذكور بين الكلمتين إنما هو في جذور كل منهما، ولايخلو من استثناء .في دعاءعرفة – المنقول عن الحسين بن علي ( عليه السلام) – وردت عبارة : (يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) .

   فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (إن لله (عز وجل) مائة رحمة، وإنه أنزل منها واحدة إلى الأرض، فقسمها بين خلقه، بها يتعاطفون ويتراحمون، وآخر تسعاً وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة)(4).

     وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) : (سرقوا أكرم آية في كتاب الله ، بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، وينبغي الإتيان به عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه)(5).

    وروي عن الصادق (عليه السلام) : ( الرَّحمن اسم خاص بصفة عامة والرَّحيم اسم عام بصفة خاصة)(6).

     ودخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين يديه كرسي فأمره بالجلوس عليه فجلس عليه فمال به حتى سقط على رأسه فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم، فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بماء فغسل عنه ذلك الدم ثم قال: أدن مني، فوضع يده على موضحته  . . . أما علمت أن رسول الله حدثني عن الله (جلَّ وعزَّ): ( كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر ؟ فقلت : بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها ، قال : إذا تحظى بذلك وتسعد)(7).

     ولهذا المعنى أشار الإمام أبو عبد الله ( عليه السلام) بقوله: ( ولربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا بسم الله الرَّحمن الرَّحيم فيمتحنه الله بمكروه لينبهه على شكر الله تعالى والثناء عليه ويمحو فيه عنه وصمة تقصيره عند تركه قول بسم الله)(8).

المصادر

[[1]] مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف: ج1، ص 25.

[2] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج1، ص 15.

[3] البرقي؛ أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن: ج1،ص 238.

[4] الشيرازي؛ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج1، ص31-

[5] العياشي؛ محمد بن مسعود، تفسير العياشي ج1، ص 19.

[6] الطبرسي؛ مجمع البيان: ج1، ص 54.

[7] المجلسي ، محمد باقر، بحار الانوار: ج73، ص 305.

[8] مصدر سابق: ج89، ص240 . 

لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الرابط https://www.kitabat.info/subject.php?id=168946




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169007
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28