• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الملك الصالح... ذو القرنين... .
                          • الكاتب : محمد باقر فالح .

الملك الصالح... ذو القرنين...

 إن القارئ لكتاب الله العزيز، يرى بوضوح الأسلوب القصصي الذي اعتمده القرآن الكريم لبيان الحدث بشكل مشوق، ويعلق في الأذهان؛ لأن القصة عموماً تجذب انتباه القارئ ولها وقع أشد على المتلقي من الكلام المسترسل .

ويظهر ذلك جلياً في القصص التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم .
ومنها ما ذكر في سورة الكهف المباركة، بدأت السورة المباركة بعرض قصة الفتية اصحاب الكهف، ثم انتقلت إلى شخصية عظيمة تحدث عنها القرآن الكريم بتفصيل كبير، وهي شخصية ذي القرنين، قال تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا»(1).
فيتساءل البعض: هل هو نبي، رسول أو ملك؟
تشير الروايات على أن ذا القرنين كان ملكاً مؤمناً عادلاً حكم الأرض من مشرقها إلى مغربها .
قال ابن عباس: إنه كان ملكاً صالحاً(2).
وعندما سُئل امير المؤمنين (عليه السلام) عن ذي القرنين قال: إنه عبد أحب الله فأحبه، ونصح لله فنصح له(3).
وكثيرا ما يقع الخلط بين شخصية ذي القرنين وشخصية الإسكندر المقدوني الذي بنى مدينة الإسكندرية، فيعتقد بعض الناس أنهما شخصية واحدة، لكنهما في الحقيقة شخصيتان مختلفتان، 
فالأول مؤمن، والثاني كان مشركاً .
إذن يأتي السؤال هنا: لماذا سمي بذي القرنين؟
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «بعثه الله تعالى إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه ثانية، فضرب على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم بعثه الثالثة، فمكن الله له في الأرض(4).
وبالرغم من الآيات التي خصها الله تعالى في حال ذي القرنين في سورة الكهف، إلا أننا نلاحظ في الآية: «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا»، أن مفردة (مِنْ) جاءت للتبعيض، أي أن التفاصيل والأحداث الكاملة عن حياة ذي القرنين لم يذكرها الله تعالى، أي ذكر القرآن الكريم بعض الأحداث، وهي أحداث عظيمة لملك عادل متواضع ملكَ الشرق والغرب .
ونحن نكتفي بما ذكره الله تعالى عنه، تقول الآية المباركة: «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا {84} فَأَتْبَعَ سَبَبًا»(5). 
لقد مكّنه الله تعالى وأعطاه ملكاً عظيماً، وله من السلاح والجيش والقوة لا يعلم بها إلا الله تعالى.
وقد فتح الله (عز وجل) له كل أسباب القوة، ويسّرها له، من علم وقدرة وذكاء، ويسّر له كل الطرق لتحصيل الأسباب وأعطاه الإمكانات، وقد استثمرها واستخدمها خير استخدام، لذلك لو نظرنا إلى ما مكننا الله تعالى من قدرات وقابليات، واستثمرناها خير استثمار، بعد معرفة الله تعالى بصالح النيات، سنرزق توفيقاً ما بعده توفيق.
ثم إن الله تعالى يعلم مقدار الإمكانات المودعة في نفوسنا، وهو لا يكلفنا فوق طاقتنا، واستثمار الطاقات وتسخيرها لخدمة الناس والوطن واستخدامها لمرضاة الله تعالى يحتاج الى توفيق .
كثيرون الذين يمنحهم الله تعالى أسباب القوة وإمكانات متعددة، عقل مفكر، ثروة، أولاد، لكنهم لا يستثمرونها في خدمة البشر، ولا في طاعة الله تبارك وتعالى، وذلك لكسله وتوانيه وتواكله. وعندما نسترسل بالآيات البينات، نرى أن ذي القرنين قد خيّره الله تعالى في أحد الأقوام إما أن يعذبهم أو يهديهم، ولكنه كان ملكاً صالحاً رحيماً، ويعلم أن العباد مرجعهم إلى الله تعالى، فأوكل عقابهم للخالق العظيم، ثم بناؤه ذلك السد العظيم الذي لا يمكن اختراقه؛ لمنع خروج الأقوام المخربة والفاسدة، وهم يأجوج ومأجوج .
والدرس العظيم الذي نأخذه من هذا الملك العادل أن اللين في القول هو بداية الحديث، وهو أفضل من التقاتل والتراشق بالكلمات النابية .
وكم هو جميل أن يكون الملك متعففاً لا يستنزف أموال شعبه، إذ يقول لهم على لسان القرآن الكريم: «قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا»(6). 
وإجابته: لا أريد أموالكم، بل أريد إعانة منكم .
ثم تواضعه الذي أشاد به القرآن الكريم، بالرغم من المشروع الضخم الذي قام به، وبنى السد، وأراح الناس من شر يأجوج ومأجوج، أجاب: «قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي»(7).
لم يقل: بذكائي وقوتي، بل قال من فضل ربي، كم رائع هذا التواضع الذي يتحلى به القادة، ثم إن عمل السد صدقة جارية لذي القرنين مادامت الدنيا، فكم ألف سنة من الفساد منعت ببناء هذا السد، فهذا التمكن والقدرة والذكاء إذا وضّف بالشكل الصحيح، صار صدقة جارية إلى يوم القيامة .
وأيضاً ذكاء الملك وقدرته لم تحل المشكلة، وإنما حُلّت بالعمل الجاد في سبيل الإصلاح: «فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ»، فمتى ما كانت القيادة حكيمة، والشعب يأخذ بأسباب القوة، تغلبوا على أعدائهم.
اللهم إنا نسألك أن ترينا وجه إمامنا الحجة القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ ليقيم العدل ويضرب الباطل، ونكون عوناً له في بناء دولة الحق المرتقبة .
آمين رب العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الكهف: 83
(2) تفسير ابن عباس: البداية والنهاية
(3) (4) تفسير البرهان
(5) سورة الكهف: 85
(6) سورة الكهف: 95
(7) سورة الكهف: 98




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169012
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29