• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : أبو نؤاس البَصريّ (الحسن بن هاني) سيرةٌ وإبداع .
                          • الكاتب : ياسين يوسف اليوسف .

أبو نؤاس البَصريّ (الحسن بن هاني) سيرةٌ وإبداع

شَخصيّةٌ جَدَليّة كَثُر الكلامُ عنها، ونالت منها الأقلامُ سَلْباً  وإيجاباً، وهكذا هو  الحال دائماً تجاهَ الشَّخصيّات المؤثّرة في أيِّ مجتمع ، وفي أيّ مجال كان، فهناك من يرفعُها إلى عَنان السَّماء، وهناك من يهبطُ بها إلى تخوم الأرض ، وقليلٌ من المنصفين  من يتبعُ الحالةَ الوسطيّة ، وهذا ما وقع للحسن بن هاني، المشهورِ بأبي نؤاس، أحدِ كبار أُدباء البصرة ـ بل العرب ـ في العصر العبَّاسيّ.

وكما اختلفت الأقلامُ في شخصيّة أبي نؤاس، كذلك اختلف المؤرِّخون في سَنة ولادتهِ، ووفاتهِ، وعُمرهِ؛ فقد  ذَكر الأمين:  >الحسن بن هانئ، أبو عليّ الحَكَميُّ، المعروف بأبي نؤاس، الشاعرُ المشهورُ.

مولدُه ووفاتُه ومدّةُ عمره

وُلد بالأهواز سنة 145 أو 140 أو 141 أو 136 أو 148 أو 149ـ على اختلاف الأقوال ـ بالقرب من الجبل، وقيل: بكورةٍ من كُوَرِ خوزستان، ولا تنافيَ بينهما، فالأهوازُ هي خوزستان . ...وقيل: وُلد بالبصرة، والصحيح هو الأوّل . وتوفّي ببغداد سنة 195 أو 196 أو 197 أو 198 أو 199 أو 200، وقال ابنُ منظور: قيل: مات قبل دخول المأمون بغدادَ بثمانِ سنين. انتهى. والمأمونُ دخلَ بغدادَ سنة 202، فتكون وفاةُ أبي نواس سنة 194.

وقال جامع ديوانه: إنّه توفّي آخر سنة 199، أو أوّل سنة 200، ودُفن في مقابر الشّونيزيّة على شاطئ نهر عيسى وعمره 59 سنة؛ بناء على أنّ مولدَه 136 ووفاتَه 195، وقيل 52 سنة، وقيل: 55<.[1]

سُئل يوماً عن نسبه، فقال : أغناني أَدَبي عن نَسَبي . وكان من أجود الناس بديهةً، وأرقِّهم حاشية ، وله أشعارٌ كثيرةٌ في مدح مولانا الرضا (عليه السلام)، فمنها: قوله :

مُطَهَّرُونَ نَقِيَّاتٌ جُيُوبُهُمْ                    تُتْلَى اَلصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ أَيْنَمَا ذُكِرُوا

مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَوِيّاً حِينَ تَنْسُبُهُ             فَمَا لَهُ فِي قَدِيمِ اَلدَّهْرِ مُفْتَخَرٌ

وَ اَللَّهُ لَمَّا بَرَأَ خَلْقاً فَأَتْقَنَهُ                     صَفَّاكُمْ وَ اِصْطَفَاكُمْ أَيُّهَا اَلْبَشَرُ

فَأَنْتُمُ اَلْمَلَأُ اَلْأَعْلَى وَ عِنْدَكُمْ                عِلْمُ اَلْكِتَابِ وَ مَا جَاءَتْ بِهِ اَلسُّوَرُ

رُوي أنّه لمّا أنشدَها، قال الرضا (عليه السلام): قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحدٌ إليها ، يا غلام، هل معك من نفقتنا شيء ؟ فقال: ثلاثمائة دينار، فقال: أعطها إيّاه. ثمّ قال: يا غلام،

سُقْ إليه البَغلَة<[2] .

النشأة العلمية :

يُعَدّ أبو نؤاس قامةً من  قامات الشِّعر العربيّ على مدى تاريخه الأدبيّ، وأبرزَ شعراء العصر العبّاسيّ الأوّل . يكنّى بأبي عليّ، وأبي نؤاس، والنؤاسيّ .

وُلد لأبٍ دِمِشْقيّ، أمّا أمّه، ففارسيّةٌ، واسمُها جُلبان، ولم يكن أبواه معروفَي الأصل والفَصل ، وإنّما كانا فقيرَين، بالكاد تتوفّر لديهما لقمةُ العَيش ، وبعد معركة الزاب الأعلى، انتقلت أسرةُ الشاعر من الأهواز  إلى البصرة وهو في الثانية من عمرهِ، أو السادسة، وما إن كبُر قليلاً، حتّى عهد به أبوه إلى القرّاء لتعلّم قراءة القرآن الكريم ، وما لبث أن مات هذا الأب، فأسلمته أمُّه إلى الكتّاب، ثمّ إلى عطّار يعمل عنده أجيراً، يَبري عيدانَ الطّيب ، فوازن بين الكسب المعيشيّ والطلب العلميّ ، والبصرةُ في تلك الأيام المركزُ الأوّل في العالمَين: العربيّ والإسلاميّ، من حيثُ الشعر، والأدب، والعلم، والفكر، والثقافة، واللغة، والنحو، والفلسفة .

نَشأ وترعرعَ بين عدّة من فطاحل اللغة والأدب، منهم: الخليل بن أحمد الفراهيديّ، وسيبويه، والأصمعيُّ، وأبو زيد الأنصاريّ ، وأبو عبيدةَ، وخلفُ الأحمرُ ، وتتلمذَ على يد الأخيرين بشكل خاصّ ، وحصل على ثقافة واسعة منذ عقده الأوّل، ولكنّ أستاذَه خَلَفاً الأحمرَ لم يسمح له بنظم الشعر إلّا إنْ حفظ جملةً صالحةً من أشعار العرب ، ثمّ طالبه بنسيانها.

انتقل بعدها الى الكوفة، وتأثّر بشعرائها ومدرستها، وقد اكتسب من التجارب ما تغنيه لتحديد ملامح حياته الشعريّة والاجتماعيّة والسلوكيّة، ثمّ عاد إلى البصرة .

ولمّا أصبحَ له باعٌ طويلٌ في الشعر والأدب واللغة، شدّ الرحالَ إلى بغدادَ في الشطر الأوّل (حوالي 179 هـ ) من حكم الرشيد، وكانت بغدادُ وقتها حاضرةَ الأدب والثقافة، وبعد تعرّض البرامكة لغضبِ الرشيدِ، خرج أبو نواسٍ من بغدادَ متوجّهاً إلى دِمِشق ، ومنها إلى مِصر؛ خوفاً من الرشيد، ليعود  بعدها الى بغدادَ، التي بقي فيها لحين وفاته ، وقد اختلف في سنتها كما ذكرنا.

ما قيل فيه

قال الشيخ أبو عليّ الحائريّ (قدس سره) في منتهى المَقال: «وأمّا الحكاياتُ المتضمّنةُ لذمّه، فكثيرة، لكن، غير مسندة إلى كتاب يُستند إليه، أو ناقل يُعوّل عليه، وكيف كان، هو من خُلّص المحبّين لهم (عليهم السلام)، والمادحين إيّاهم»[3].

وقال الجاحظ: «ما رأيت رجلا أعلم باللغة ولا أفصح لهجة من أبي نواس»[4].

 وقال إسماعيل بنُ نوبَخت: ( ما رأيت قطُّ أوسعَ علماً من أبي نواس، ولا أحفظً منه، مع قلّة كتبه، ولقد فتّشنا منزلَه بعد موته، فما وجدنا له إلّا قمطرا[5] فيه جزازٌ[6] مشتمل على غريب ونحو لا غير)[7]، وقال أبو عبيدة: (( كان أبو نواس للمُحْدَثين كامرئ القيس للمتقدّمين))، وأنشد له النظَّام شعراً، ثمّ قال: ((هذا الذى جُمع له الكلامُ، فاختار أحسنَه))، وقال كلثوم العَتّابيُّ: ((لو أدرك أبو نواس الجاهليّةَ، ما فَضلَ عليه أَحَد)) [8].

قال ابنُ المعتزّ في (طبقاته) : (( كان أبو نواس ٍ عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفُتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحبَ حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يَعرفُ مُحكمَ القُرآن ومتشابهَه ، وناسخَه ومنسوخَه)) [9] .

وقد روي عن أبي نؤاس أنّه  قال في نفسه: ((ما ظنُّكم برجل لم يقُل الشعر حتّى روى دواوينَ ستّين امرأة من العرب، منهنَّ: الخنساءُ، وليلى الأخْيَلِيّة، فما ظنّكم بالرجال؟))[10]

مختاراتٌ من شعر أبي نواس

في التوبة والزهد:

اِلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ اَهلاً          وَلاَ اَقْوَى عَلَى النَّارِ الْجَحِيْمِ

فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَاغْفِرْ ذُنُوْبِي              فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ

وَعَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ            وَثَبِّتْنِي عَلَى النَّهْج الْقَوِيْمِ

*******************************

إلهنَا مَا أعدَلَك                              مَلِيكَ كُلِّ مَن مَلَكْ

لَبَّيكَ قَد لَبَّيتُ لَك                         لَبَّيك لَا شَرِيكَ لَكَْ

وَالَليلِ لَمَا أَنحلَك                         والسَابِحَاَت فيِ الفَلَك

عَلَى مَجَارِىِ المَنسَلَك                        مَا خَابَ عَبدٌ أَمَّلَك

أَنتَ لَه حَيثُ سَلَك                      لَولَاكَ يَا رَبِ هَلَك

كُلًّ نَبِىٍّ وَمَلَك                               يَا مُخطِئاً مَاأعقَلَك

عَجِّلْ وَبَارِزْ أَجَلَك                      وَاختِم بِخَيرٍ عَمَلَك

لَبَّيكَ إنّ الحَمدَ لَك                         وَالعِزّ لَا شَرِيكَ لَك

***********************************

ذُنُوْبِي مِثْلُ اَعْدَادِ الرِّمَالِ           فَهَبْ لِي تَوْبَةً يَا ذَا الْجَلالِ

وَعُمْرِي نَاقِصٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ        وَذَنْبِي زَائِدٌ كَيْفَ احْتِمَالِي

اِلهِي عبْدُكَ الْعَاصِي أتَاك          مُقِرًا بِالذُّنُوْبِ وَقَدْ دَعَاكَ

اِنْ تَغْفِرْ وَ اَنْتَ لِذاكَ اَهْلٌ          وَإنْ تَتْرُدْ فَمَنْ نَرْجُو سِواكَ

وقال في الفخر:

وَمُستَعبِدٍ إِخوانَهُ بِثَرائِهِ               لَبِستُ لَهُ كِبراً أَبَرَّ عَلى الكِبرِ

إِذا ضَمَّني يَوماً وَإِيّاهُ مَحفِلٌ         رَأى جانِبي وَعراً يَزيدُ عَلى الوَعرِ

أُخالِفُهُ في شَكلِهِ وَأَجُرُّهُ             عَلى المَنطِقِ المَنزورِ وَالنَظَرِ الشَزرِ

لَقَد زادَني تيهاً عَلى الناسِ أَنَّني            أَرانِيَ أَغناهُم وَإِن كُنتُ ذا فَقرِ

فَوَاللَهِ لا يُبدي لِساني لَجاجَةً                إِلى أَحَدٍ حَطّى أُغَيَّبَ في القَبرِ

فَلا تَطمَعَن في ذاكَ مِنِّيَ سوقَةٌ          وَلا مَلِكُ الدُنيا المُحَجَّبُ في القَصرِ

فَلَو لَم أَرِث فَخراً لَكانَت صِيانَتي              فَمي عَن سُؤالِ الناسِ حَسبي مِنَ الفَخرِ ِ

هذه لمحاتٌ عن هذا الشاعر الفذّ، والأديب المفلّق، الذي نشأ في البصرة ، وكان للبصرة أثرٌ واضحٌ على أدبه وشخصيّته، حتّى ذاع صيته في البلدان، وانتشر شِعره في الآفاق.

 

[1] - اعيان الشيعة: 5/331.

[2] الكنى والالقاب :1/168

3-منتهى المقال في أحوال الرجال 7/ 263.

[4] المنتظم في تاريخ الامم والملوك، ابن الجوزي:10/16.

[5] والقِمَطْرُ والقِمَطْرَةُ: ما يُصان فيه الكتب. قال ابن السكيت لا يقال بالتشديد. وينشد: ليسَ بِعلمٍ ما يَعى القِمَطْـرُ ما العِلْمُ إلا ما وعاهُ الصَدرُ والجمع قَماطِرُ. أنظر: الصحاح : 2/ 797.

[6] الجُزَازَةُ :جُذاذة، ورقة صغيرة تُكتب عليها معلومات أو ملاحظات . أنظر: الصحاح 3/869.

[7] وفيات الاعيان: 2/96.

[8] الاعلام : الزركلي:2/225.

[9] طبقات ابن المعتز: ص210.

[10] طبقات ابن المعتز: ص194.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169533
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 06 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28