• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تنصيبُ الإمام عليّ (عليه السلام) أميراً للمُؤمنين في آيةِ التبليغِ نصّاً  .
                          • الكاتب : مرتضى علي الحلي .

تنصيبُ الإمام عليّ (عليه السلام) أميراً للمُؤمنين في آيةِ التبليغِ نصّاً 

 الثبوت والمُعطيات :

 قال اللهُ تبارك وتعالى في مُحكَمِ كتابه العزيز: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (المائدة: 67).
 إنَّ هذه الآية الشريفة الشهيرة القطعيّة الصدورِ واليقينيّة الدلالة في تنصيب الإمام عليٍّ أميراً للمؤمنين وخليفةً للمسلمين من بعد رحيل الرسول الأكرم مُحَمّد (ص) قد اختزلت في منطوقها وظهورها فتح الإمامة جعلاً ونصباً من الله تعالى، بدءاً بعليٍّ والأئمة المعصومين من ولده، وختماً بالإمام المَهدي(عج)؛ وذلك لأنَّ من الثابت عَقَديّاً في مذهب أهل البيت المعصومين(عليهم السلام) أنَّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ومعصوماً؛ لكون العصمة من الأمور الباطنية التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى، فلا بُدّ مِن نص مَن يَعلَم عصمته عليه، وهو الله تعالى، أو ظهور معجزة على يده تدل على صدق المعصوم المنصوب، وقد دارت نزاعات كلامية كثيرة بعد وفاة الرسول الأكرم محمّد (ص) بخصوص هذا المَطلَبُ المهمّ والخطير عَقدّياً والحسّاس في حياة الناس حول الإمامة أنه: هل هي بالنصّ من الله سبحانه ونصبه نصباً واجباً عقلاً أم هي بنصبٍ وانتخابٍ من الناس؟
 فثبت عندنا -نحن الشيعة الاثني عشرية- أنّ طريق تعيين الإمام المعصوم هو النص الإلهي لا غير، أي: لا بنصب من النّاس أو انتخاب، ومستندنا في ذلك هو أنّ الإمامة نصباً وعصمةً هي أمرٌ إلهي لا يَعلم مُستحقيه إلاّ الله تعالى، فلابُدّ من التنصيص الإلهي والنبوي والإمامي على إمامة الإمام الحقّ ربّانيّاً، والمعصوم فعليّاً بعد رسول الله أو بعد الإمام ابتداءً من الإمام علي وختماً بالإمام المهدي، وإلاّ -أي وإن لم يكن النص والتعيين طريقاً الى معرفة الإمام الحقّ- يبقى خيار إظهار المعجزة على يد مَن يدّعي الإمامة الحقة إثباتا لصدق دعواه .
وأما التنصيص الإلهي على إمامة الأئمة الاثني عشر، فثابت عندنا قرآنيا ونبويّاً وإماميّاً وعقليّاً، وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تنصّ ظاهراً على ضرورة نصب الإمام وعصمته، فضلاً عن الحادثة التاريخية الشهيرة في وادي خم لتنصيب الإمام علي بن أبي طالب( عليه السلام) والتنصيص على إمامته الحقّة وخلافته بعد رسول الله في يوم الثامن من شهر ذي الحجّة الحرام للسنة العاشرة من الهجرة النبوية الشريفة في حجّة الوداع .
وهذه الحادثة قد ذكرها مفسّرو أهل السنّة، ومنهم الفخر الرازي، الذي جعلها وجهاً من وجوه وأسباب نزول النص القرآني، ولم ينكرها وإن حاول إبعاد انحصار الدلالة فيها، لكنّه أقرّها تفسيراً وروايةً، وقال: «نزلت الآية –آية التبليغ- في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه الّلهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه، فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحتَ مولاي ومولى كُلّ مؤمن ومؤمنة، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي».
وتحدّث عنها أئمة المذاهب الأخرى بصورة صريحة ومفروغ من صدقيتها وحقانيتها دينياً وتاريخياً، فمثلاً حينما قال رسول الله في حقّ عليٍّ في حادثة الغدير: «من كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه» نجدُ أنّ أحمدَ بن حنبل إمام الحنابلة في مسنده، أعطى اهتماماً كبيراً لحديث الغدير وأقرّه وذكره سنداً ومتناً.
وقد أحصى العلّامة الأميني(طاب ثراه) في كتابه الغدير في الجزء الأوّل أغلب مُحدّثي أهل السنّة والجماعة فرداً فرداً، وذكر شهاداتهم بحديث الغدير، وقال: «إنَّ ما ناءَ به نبي الإسلام يومَ الغدير من الدعوة إلى مفاد حديثه لم يختلف فيه اثنان، وإن اختلفوا في مؤدّاه لأغراض وشوائب غير خافية على النابه البصير».
 وعن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)}المائدة، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي،فأمر الله محمّداً صلى الله عليه وآله أن يُفسّر لهم الولاية، كما فسّر لهم الصلاة، والزكاة والصوم والحج،فلما أتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله، وتخوّف أن يرتدوا عن دينهم وأن يُكذّبوه فضاق صدره وراجع ربّه عزّ وجل فأوحى الله عز وجل إليه {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، فصدعَ بأمر الله تعالى ذكره فقام
بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعةً وأمر الناس أن يبلّغ الشاهدُ الغائبَ، وقال أبو جعفر (الباقر) عليه السلام، وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل (( اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكُم نعمتي )) قال أبو جعفر عليه السلام : يقول الله عزّ وجل
 لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملتُ لكم الفرائض )().
إذاً على أساس ما تقدّم يتبيّن أنَّ أصل الفتح العَقدي والشرعي لمنصِب الإمامة الإلهية قد تمّ دينياً وتاريخياً وبدأ بشخص الإمام علي وسيُختم بشخص الإمام المَهدي، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك حتى ولو على المستوى التاريخي وقوعاً إلاّ مُكابر أو مُعاند للحقّ .
لأنّ هذه الإمامة المفتوحة إلهيّاً بعد ختم النبوة المحمدية الشريفة قد انحصرت باثني عشر أميراً أو خليفةً بحسب طرق نقل الحديث الشهير والمتواتر روائيّاُ، وهو قول النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وهو كالآتي :
1 - ( عن جابر بن سمرة قال :سمعتُ النبي يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمةً لم أسمعها،فقال أبي إنّه قال : كلّهم من قريش )().
 2- ما رواه مسلم في صحيحه ( عن جابر بن سمرة: قال :دخلتُ مع أبي على النبي فسمعته يقول :إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة،قال: ثم تكلمّ بكلامٍ خفيٍّ عليَّ قال :فقلتُ لأبي ما قال؟ أي ما قال النبي قال: قال كلّهم من قريش)()، وهنا يتبيّن جليّا أنّ أمر الإمامة المفتوحة ربانيا بعد ختم النبوة المحمدية الشريفة قد انحصر نصاً باثني عشر إماماً لا غير وكلّهم من قريش أي من أهل البيت المعصومين، ويتبيّن أيضاً أنّ أمر الإمامة المفتوحة إلهيّا سيستمر الى يوم يقوم آخر الأئمة المعصومين، وهو الإمام المهدي (عليه السلام)حيث يظهر ويقوم بأمر الله تعالى فينشر العدلَ والحقَّ في الأرض قاطبةً، وهذا هو معنى قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفةً).
 3- (عن مسروق قال كُنّا جلوساً ليلةً عند عبد الله (ابن عمر) يقرئنا القرآن فسأله رجلٌ فقال يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله ما سألني عن هذا أحد منذ قدمتُ العراق قبلك،قال : (أي عبد الله) سألناه فقال اثنا عشر عدةَ نقباء بني إسرائيل)()، وهذا التحديد بالعدد
 (اثنا عشر) والتنظير له قرآنيّاً بقوله تعالى {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً(12)}المائدة،يجب الانتباه إليه بوعي وبدقة، إذ أنّه ينصّ على أنّ التحديد بالعدد (اثنا عشر) له مدخليّة في أنّ الأمر بفتح الإمامة هو ربّاني الجعل وتعييني النصبِ من الله تعالى حصراً، فالتأسيس والتأصيل لفتح الإمامة المنصوبة والمعصومة وبأمر الله تعالى وبتبليغٍ من رسوله الأكرم قد بدأ فعليًّاً في يوم الغدير وإن كان قد نبَّه رسول الله على وزارة ووصاية الإمام علي مراراً من قبل وفي مواقف كثيرة مُسجّلة وموثقة تاريخياً، لكن التبليغ في يوم الغدير كان هو الحد الفاصل والأخير في حياة النبي الذي دنا رحيله إلى الرفيق الأعلى فيما بعد حادثة الغدير، وبهذا يكون فتح الإمامة المنصوبة والمعصومة وبأمر الله تعالى قد تمّ يوم الغدير الشريف رسمياً وبإمامة الإمام علي (عليه السلام) .
 وإنّ حكمة تنصيب الأئمة المعصومين في هذه الحياة الدنيا قد بيّنها الإمام علي في قوله
(وإِنَّمَا الأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّه عَلَى خَلْقِه - وعُرَفَاؤُه عَلَى عِبَادِه - ولَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وعَرَفُوه - ولَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وأَنْكَرُوه)()، فالإمامة المعصومة والمنصوص عليها إلهيّاً ونبويّاً لها أبعادها المتعددة، وأهمها البُعد الروحي والمعنوي والعبادي في تعاطي الأمة مع الإمام المعصوم حتى وإن كان غائباً كحال إمامنا المَهدي، فلربّما تكمن المصلحة والحكمة في غيابة بأهمية تربية وتوعيّة وتأهيل الأمة في القدرة على نصرته والسير خلفه وطاعته في يوم ظهوره وقيامه بدولته الكريمة، ولذا جاء الحديث النبوي الشريف مؤسسّاً لهذه الحقيقة الدينية والوجودية في كلّ زمانٍ ولكلّ أُناسٍ مطلقا (مَنْ ماتَ بغير إمام مات ميتةً جاهلية)()، والقرآن الكريم أيضاً بيّن التأسيس لوجوب معرفة إمام الوقت والإنسان في هذه الحياة، حيث قال الله تعالى{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}الإسراء،وهذا النص القرآني الشريف فيه من أهمية وضرورة معرفة إمام الوقت والزمان ما لا تخفى على أيٍّ عاقلٍ مُنصِفٍ،فضلاً عن ربط النص في متنه بين أهمّية معرفة إمام الزمان وحساب الإنسان يوم القيامة ومسؤوليته عن ذلك .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169602
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 06 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29